تواجه القيادة الفلسطينية حاليا ثلاثة ملفات شائكة، هي: موضوع إعادة محمد دحلان لصفوفها. وثانيها، الدعوة الدولية لاستئناف المفاوضات من دون تنفيذ الالتزامات الإسرائيلية. وثالثها، البلديات. وهناك حل واحد لهذه المشكلات، هو ترتيب البيت الداخلي، وبلورة برنامج وطني يقوم على المبادرة وعدم الانتظار. لكن لا يبدو أنّ هناك ما هو جديّ في هذا الاتجاه.
رغم أن تهمة التبعية لعواصم خارجية أمر ليس بالجديد فلسطينياً، فإنّ السياق الذي تحدث فيه الرئيس الفلسطيني محمود عباس -لدى استقباله، السبت الماضي بمقر الرئاسة في مدينةرام الله، وفدا من ذوي الاحتياجات الخاصة من مختلف المدن الفلسطينية- يشي أنّ المقصود هو موضوع القيادي السابق في الحركة، محمد دحلان.
اللافت أنّ تصريح الرئيس عباس كان السبت، ولم يجرِ إبراز اتهامات وغضب الرئيس في التغطيات الإعلامية الأولية، والتي جاءت في صحف الأحد على سبيل المثال، حتى أبرز تلفزيون فلسطين هذا الجزء بشكل خاص. ويقول الرئيس عباس: "يجب أن نتكلم كفلسطينيين.. كفى الامتدادات من هنا أو هناك. من له خيوط من هنا أو هناك الأفضل أن يقطعها، وإذا لم يقطعها نحن سنقطعها"؛ و"هذا وطننا. علاقاتنا مع جميع العالم يجب أن تكون علاقات طيبة وجيدة، لكن لا أحد يملي علينا موقفا، لا أحد يملي علينا رأيا، نحن أصحاب القرار.. نحن الذين نقرر.. نحن الذين ننفذ، ولا سلطة لأحد علينا". وقال: "فلنفكر كفلسطينيين. لا أفكر في واشنطن ولا في موسكو.. لا أريد أن أذكر عواصم حتى لا يتحسس أحد على رأسه.. لأن هناك ناسا يعملون في عواصم.. اتركونا من العواصم وفلوسها وتأثيرها.. نريد أن نعمل كفلسطينيين.. هل نستطيع ذلك؟".
في الماضي، كانت "حماس" المتهم الأول في مثل هكذا إشارات. لكن الآن، الانطباع العام أنّ الحديث هو عن دحلان، وربما غيره أيضاً، مما قد يتضح لاحقاً.
هناك ملف ثانٍ يبدو أنّه مطروح أمام الرئيس الفلسطيني، هو إمكانية عقد لقاء بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والرئيس عباس. ويبدو واضحاً أن المطروح، ضمنياً (من التحركات الروسية على سبيل المثال لا الحصر)، أنه يجري ذلك من دون طرح تنفيذ الإسرائيليين للالتزامات التي توقفت المفاوضات بسببها، وتحديداً موضوع تجميد الاستيطان وإطلاق أسرى ما قبل اتفاقيات أوسلو، وبالتالي إعطاء صورة زائفة لوجود عملية سياسية.
أما الملف الثالث، فهو الانتخابات البلدية الفلسطينية. ويعتقد أن جزءاً من الاهتمام العربي بملفات المصالحة الداخلية في "فتح" (إن جاز التعبير)، يرتبط بالخوف بشأن الأداء الانتخابي.
هناك حل أو شأن يمكن أن يعفي من الجدل في الملفات الثلاثة السالفة، أو أن ينقل الجدل إلى مربع آخر، أو على الأقل أن يقوي الموقف الرسمي الفلسطيني. ويمكن أن يُعفي من التوتر مع عواصم عربية مختلفة، ألمح إليها الرئيس الفلسطيني.
لو كان النقاش حول ترميم منظمة التحرير الفلسطينية ومجلسها الوطني، وضم الطاقات والكفاءات والقوى الفلسطينية، (وليس الفصائل فقط) لاختلف الأمر. ولو كان الحديث عن مؤتمر عام لحركة "فتح"، لكان للنقاش قواعد مختلفة، وطبيعة أخرى. ولو بلورت القوى الفلسطينية، كل منها، برنامجها الوطني الجامع، الذي يشرح للناس كيف سيجري الربط بين الانتخابات البلدية ومقاومة المستوطنين والاحتلال، وكان التنافس قائماً بين القوى، وكان النقاش داخل كل قوة بشأن من الذي يمكن تقديمه للجمهور باعتباره القادر على الانطلاق من البلديات لمواجهة الاحتلال، لاختلف الأمر.
إنّ العودة للمرجعيات الشعبية والتنظيمية الكبرى القاعدية، وطرح شعارات وبرامج وطنية تحظى بالتفاف جماهيري، تعفي من مغازلة العشائر والعائلات ورجال الأعمال في الانتخابات، وتعفي -نسبيا على الأقل- من التوتر مع "العواصم"، ويجعل الكل يحتكم للقاعدة الوطنية والشعبية، أو يسعى لمغازلتها، ويجبر العالم على القلق من التعنت الإسرائيلي.
إن وجود أطر وطنية عامة (منظمة تحرير) وفصائلية (بما في ذلك حركة "فتح" ومجلسها الثوري ومؤتمرها العام)، تتولى الاجتماع وتقرير المواقف، كان سيوجد آلية نقاش مختلفة، وكان العالم سينظر لوجوب الضغط على الإسرائيليين لإنهاء تعنتهم بطريقة مختلفة، لأن هذه الأطر ستعطي انطباعا بوجود بدائل وحيوية فلسطينية شعبية، لطالما شكلت في الماضي "الرقم الصعب".
عن الغد الاردنية
أسئلة اللحظة والإجابات المُرجّحة
12 أكتوبر 2023