في نهاية تموز الماضي قال وزير الدفاع، افيغدور ليبرمان، إنه يعد خطة "العصي والجزر" لتشجيع المعتدلين ومنع العمليات في أوساط عرب "يهودا" و"السامرة". أنا أيضا أؤمن بان ضربات شديدة لكل من يبادر أو يمارس "الارهاب" هي السياسة الاكثر عملية واخلاقية. يحتمل ايضا أن يكون منح تسهيلات وامتيازات لمن يمتنع عن "الارهاب" هو سياسة عملية، وان لم تكن أخلاقية. فلا يعقل أن تمنح الحكومة تخفيضات في الضريبة للمواطنين الذين لم يغتصبوا أو يقتلوا في السنة المالية الاخيرة.
حتى لو تجاهلنا المسألة الأخلاقية في هذا النهج، يجدر بنا أن نراجع عناصره. فاذا كانت هناك قرية يمنع مسؤولوها شبابها من القاء الحجارة والزجاجات الحارقة، فلعله من المجدي منحها تسهيلات ما في شكل ازالة حواجز ومنح تصاريح عمل وتجارة. وينبغي حرمان بلدة عربية تخرج "المخربين" من هذه الامتيازات. ولكن كما هو معروف فان الواقع مرن. مدينة اطلقت العديد من القتلة اصبحت هادئة، والعكس ايضا. قرية هادئة تصبح عشاً للدبابير. وبالتالي ثمة منطق في نهج "العصا والجزرة". الموقف يجر موقفا، هكذا تعلمنا في تدريب الانفار. اذا بدأ ابناء البلدة العربية يشتغلون بـ"الارهاب" فنحن ايضا سنغير ردود فعلنا بما يتناسب مع ذلك. كتب كلمان ليبسكن في هذه الصحيفة، عشية السبت، عن ليبرمان الذي قرر منح امتيازات لمدينة بيت ساحور العربية رغم العمليات و"المخربين" الكثيرين الذين خرجوا منها. قد يكون يتحدث عن "العصا والجزرة"، ولكنه عملياً يمنح الجزرة بالذات لـ"المخربين". وبودي أن اتحدث عن طبيعة الجزرة.
يعتزم ليبرمان ان يقر لبلدية بيت ساحور اقامة مستشفى خارج نطاق المدينة، في المنطقة "ج"، اي في المنطقة التي توجد تحت السيطرة الاسرائيلية الكاملة، على اراضي دولة، في المكان الذي كان فيه في الماضي معسكر الجيش الاسرائيلي "شدما"، الذي كان يطل على الطريق المؤدي من بلدات شرق "غوش عتصيون" الى القدس. في بداية الانتفاضة الثانية هجر الجيش الاسرائيلي المعسكر. نوع من الهروب. وبدأ العرب يقتحمونه، وفقط نشاط مجموعة "نساء في الأخضر" برئاسة ناديا مطر ويهوديت كتسوفار، التي قامت بنشاطات متواصلة في المعسكر المهجور، دفعت الجيش الاسرائيلي الى العودة والى مرابطة قوة عسكرية في المنطقة. اما الآن فيعتزم ليبرمان اعطاء المنطقة للعرب. نوع من الجزرة، من ناحيته.
ولكن هذا قرار سياسي، وليس أمنيا. فهل لا يفهم ما الفرق بين التسهيلات في الحركة والتجارة، وهي امتيازات قابلة للتراجع، وبين التنازل عن ارض ما لاقامة مبنى عام؟ فهل الفعل غير قابل للتراجع! إذ حتى لو عادت بيت ساحور لتصبح عش دبابير كما كانت في الماضي، فلا يمكن لدولة اسرائيل أن تصادر مستشفى من العرب. كل العالم سيصخب ويثور! لا شك عندي بان الادارة المدنية، التي اصبحت احدى الهيئات الاكثر تأييدا للعرب في اسرائيل، هي التي اقترحت على ليبرمان هذا الفعل الذي لا يمكن التراجع عنه. الأميركيون والاوروبيون هم ايضا يضغطون. لم يكن لليبرمان ابدا الصبر على التفاصيل، وقصر نفسه اصبح علامته التجارية الفارقة. يحتمل أن يكون اكتفى برسم السياسة واعطى يدا حرة لضباط الادارة للانشغال بالتفاصيل. والشيطان يوجد في التفاصيل. ولكن الاهمال واعطاء الصلاحات دون رقابة لا يعفيان من المسؤولية. ينكب ليبرمان على تطوير صورته الصقرية، ولكنه عمليا يحسن للعرب اكثر من كل رجال "السلام الآن" معا. فقد روجوا لـ"الارض مقابل السلام" اما ليبرمان فيعطي أرض "بلاد اسرائيل" للعرب مقابل لا شيء.