على مدار التاريخ المعاصر واجه الشعب العربي الفلسطيني تحديات عربية غير التحديات الاسرائيلية والغربية وخاصة الاميركية، اساءت لعلاقات الاخوة المشتركة، وتركت ندوبا سوداء في ذاكرة الشعب والقيادات الفلسطينية المتعاقبة. فمنذ وثيقة فيصل وايزمن في 1919، التي ابدى فيها الاستعداد للتنازل عن فلسطين لليهود، ثم ثورة العام 1936 وارغام الملوك والامراء العرب اشقائهم بوقف الاضراب الاطول في التاريخ( من نيسان/ابريل حتى إكتوبر/ تشرين الاول 1936)، ثم الكيفية، التي ادارفيها القادة العرب حرب ال1948، والتواطؤ المعلن على استقلال فلسطين، وبعد ذلك وأد وتصفية دور ومكانة حكومة عموم فلسطين في خمسينيات القرن الماضي، ومحاصرة القيادة الفلسطينية آنذاك ممثلة بالشيخ امين الحسيني .. إلخ من سياسات عربية للاسف لم تكن إيجابية، لا بل كانت متصادمة ومتناقضة مع حقوق ومصالح الشعب العربي الفلسطيني، ومنها ما جرى في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي عندما حاولت كل من سوريا وليبيا التدخل في الشؤون الداخلية، وتواطؤ العرب المعلن عام 1982 مع الاجتاح إلإسرائيلي على لبنان بهدف تصفية منظمة التحرير الفلسطينية، الذي تمثل بصمتهم المخيف والمريع طيلة ثلاثة اشهر من القتال المشرف، وغيرها من اشكال التآمر المعلن والسري على الشعب والقيادة الفلسطينية، مما دفع الفلسطينيون للتمسك باستقلالية القرار الوطني. وزاد من حذرهم وخشيتهم من السياسات الرسمية العربية. وهذا لا يعني ان المشهد الرسمي العربي، كله كان سلبيا ويصب بالاتجاه المتناقض مع مصالحهم. فلا يمكن للشعب العربي الفلسطيني ان ينسى القادة العرب وخاصة الزعيم الخالد جمال عبد الناصر، الذين تبنوا ودعموا الحقوق الوطنية، حيث مازال لاولئك القادة دين الوفاء في رقاب القادة والشعب على حد سواء. ولا يمكن لكائن من كان من الفلسطينيين باستثناء جماعة الاخوان المسلمين ان ينسى تلك المواقف العظيمة والرائعة، التي عكست البعد القومي الحقيقي.
ونتيجة إكتوائهم بنار التدخل الرسمي العربي، حددت القيادة رؤيتها للعلاقات المشتركة مع الاشقاء العرب للحؤول دون ضياع المشروع الوطني وما تبقى من فلسطين. لذا عندما انطلقت الثورة الفلسطينية المعاصرة 1965 ثم 1967 (الظاهرة العلنية) وضعت ناظما لها في علاقاتها مع الاشقاء العرب، عنوانه "عدم التدخل في الشؤون العربية" والعكس صحيح، تكريس مبدأ وشعار "القرار الوطني المستقل". وهما وجهان لعملة واحدة. كل مبدأ يعزز الآخر. غير ان اي من المبدأين لا ينفي الآخر. بل يتكاملان على ارضية تعزيز اللغة السياسية المشتركة بين الفلسطينيين والعرب. وفي اعقاب التوقيع على اتفاقياتاوسلو وإقامة السلطة الوطنية حرصت القيادة الفلسطينية على تمتين اواصر التنسيق مع المجموعة العربية كل على انفراد ومن خلال منبر جامعة الدول العربية. وإلتزمت القيادة بالتوجهات السياسية المشتركة، التي تبنتها القمم العربية، ومنها مبادرة السلام العربية 2002، التي مازالت تمثل مع مرجعيات عملية السلام وقرارات ومواثيق الامم المتحدة الهادي لعمل قيادة منظمة التحرير الفلسطينية. وهو ما يؤكد عليه الرئيس محمود عباس بشكل ثابت ودوري، بانه معني وحريص على التعاون والتنسيق مع الاشقاء العرب. ويرفض إتخاذ اي خطوة دون التشاور مع الملوك والرؤساء والامراء العرب.
لكن يبدو ان بعض الاشقاء العرب تناسوا او فعلا نسيوا حجم حساسية القيادة والشعب الفلسطيني من اي وصاية او فرض او إملاءات عربية عليهم في هذا الشأن او ذاك. فهذا أمر مرفوض جملة وتفصيلا. لم يعد الشعب ولا القيادة الفلسطينية مستعدة لقبول اي وصاية عربية من اي جهة كانت. يقبل الفلسطينيون النصيحة والمشورة والتعاون الثنائي والجماعي المشترك. لكنهم يرفضون باصرار اي إملاء مهما كان نوعه او حجمه. ويخطىء اي قائد او مجموعة قيادات عربية إذا فكروا فرض خيارهم السياسي او تدخلهم المباشر في الشؤون الفلسطينية. واذا كان الاشقاء العرب حريصون على قضيتهم المركزية، عليهم الانتباه الشديد لعدم التدخل في الشأن الفلسطيني الداخلي. فهل يدرك الاشقاء الشعرة الفاصلة بين التعاون الثنائي والجماعي المشترك وبين التدخل في الشؤون الداخلية؟ بين المقبول والمرفوض من قبل اشقائهم الفلسطينيين ام لا؟