تطوير آلية التعاطي مع الشكاوى

صلاح هنية
حجم الخط

معطيات مهمة صارت جزءاً أصيلاً من سلوكيات وتوجهات الناس وهي القناعة الراسخة بأنه لا جدوى من تقديم شكوى. السبب المباشر هو أن الجواب دائماً تبريري: "عدم توفر الإمكانيات المالية"، "نحن أحرار حسب نظامنا الداخلي في شكل عروضنا"، "نحن لدينا مجلس إدارة ننضبط لقرارته"، "ماذا نفعل؟ كمية المياه المخصصة لنا لم تُزد من العام 1996 لغاية اليوم"، "الوصلات غير القانونية من خطوط المياه تعني أن السرقة منظورة أمام القضاء ونحن بالانتظار".
سلسلة هذه الإجابات الجاهزة توضح تماماً أن القناعة الراسخة بأنه لا جدوى من الشكوى صحيحة ولا يوجد داع لوضع صندوق شكاوى، ولا حاجة لصندوق شكاوى إلكتروني ولا شكاوى مواقع التواصل الاجتماعي، لأن شيئاً لا يتغير بالمطلق ولا يناقش، بل يزدادون تشدداً عكس الشكوى، وتصبح فحوى الشكوى قضية أمن واستقرار مالي واقتصادي وإلا ستنهار الدنيا.
ممنوع أن يصل المواطن/ة عبر الشكوى لمعلومة تفيده في مسألته ويأخذ من خلالها ما له. ممنوع تسجيل سابقة في إحقاق حق قد يقود إلى سلسلة تنفرط أمام ناظرينا.
كنا نتناقش حول هذا الموضوع فذكرنا أحد المشاركين، أيام الثمانينيات، كيف ذهبنا للاعتصام في مقر شركة كهرباء محافظة القدس بشارع صلاح الدين في أوائل الثمانينيات؛ احتجاجاً على محاولة بلدية الاحتلال بالقدس السيطرة على الشركة، وزادنا آخر معلومة وهي أنه في ذات الوقت يوم كان أسيراً في سجون الاحتلال أعلنوا إضراباً عن الطعام تضامناً مع الشركة، وأضاف من ذكرنا بهذه المسألة: إنه كان في مقر الشركة اليوم فوجد الموظفين يناقشون مواطناً ويصرون على رفض معاملته إلا بشروط فقال لهم محدثنا: "هذا الشاب اعتقل في 1980 من شركة الكهرباء في القدس لأنه كان يتضامن مع الشركة ضد السيطرة عليها"، ولم يتغير شئ.
الأستاذ الجامعي كان غاضباً وسبب غضبه هو أن معظم الإعلانات للحملات تضع شرطاً "إلى مشتركنا الجديد": لأنك جديد فأنت عزيز". فقال لي: وأنا شو؟ هل أسقطت عني صفة المشترك، هل أسقط عني وصف "إني عزيز".  ابتسمت فاشتطاط غضباً فاعتذرت، وقدم شرحاً مطولاً ملخصه هو أنه يجب أن يتعهد ويوقع رسالة ضمان بأنه لن يبيع ولن يتنازل عن الجهاز القديم مقابل القبول بالتعامل معه كمشترك جديد؛ كونه انتقل إلى منزل جديد، فأسقط القديم والجديد. وقال لي: "سامحني سأذهب لمزود خدمة إسرائيلي".
السؤال الأهم: هل بالإمكان إعادة الاعتبار لنظام الشكاوى سواء إلكترونياً أو عبر الخط المباشر غير المجاني أو شخصياً؟
قد يحدث ذلك نظرياً وورقياً، وقد نذهب إلى خبرات عالمية لتنظم لنا برنامجاً تدريبياً، وقد يستعان بشركات استشارية، وقد نعد مسحاً لتوجهات مقدمي الشكاوى ومسحاً لتوجهات متلقي الشكاوى، وقد يتم تقييم أداء نظام تلقي الشكاوى وتمايز الاحتياجات بين قطاع وآخر، وقد نمتلك الجرأة ونعلن أننا نجحنا وحققنا خطوة إلى الأمام، بينما يظل الحال على ما هو عليه، ونَمْ على الفراش الوثير ليكون الجواب ها نحن قد أنجزنا الدراسة والمسوحات والتدريب، إلا أن حقيقة الأمر هي أننا لم نستعد الثقة لدى متلقي الخدمة والمستفيدين من خدماتنا ولم نطور نظامنا عملياً.
عملياً، هل يعتبر متلقي الشكوى مهيئاً للتعاطي مع الشكوى أم هو يعمل في هذا المجال كعمل جزئي؟ هل هناك جهة تتابع الأداء؟ هل يتلقى متلقي الشكوى رداً من جهة الاختصاص داخل المؤسسة تساعده على تعزيز دوره وتفعيله؟
هل يتعاطى مزود الخدمة بإيجابية مع الشكاوى أم أنه يتعامل بمصداقية وأمانة فقط مع الشكاوى التي توجه عبر صفحات الصحف وتكون مدفوعة الأجر، ولحظتها يصبح المجتمع عارفاً بمشكلة ذلك الشخص أو ذلك التجمع السكاني، ويكون هَم وهدف مزود الخدمة هو "ضب الطابق".
كان لي لقاء مع شركات متخصصة في تقديم خدمة تلقي الشكاوى وتصنيفها ووضع آلية لمتابعتها من أكثر من جهة في الهيكل الإداري لضمان كفاءة العمل، ووجدت أن هذه الخدمات مجدية ومفيدة، بغض النظر عن أن بعض الشركات تابعة لشركة أم قد لا تتعاطى مع بعض الشكاوى بجدية.
إعادة الاعتبار لخدمات الشكاوى وتقييم الأداء مهنياً وجدياً وأن يكون هناك تعليمات واضحة من رأس هرم المؤسسة بخصوص نظام التعامل مع الشكاوى، ليعرف مقدم الشكوى الوقت الزمني ليتلقى جواباً، ومتى يصبح من حقه تحويل الشكوى لجهة أعلى، ومتى بإمكانه التوجه إلى القضاء؟ ومتى يصبح معذوراً كي ينشر بالأسماء والتفاصيل عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
تطوير نظام تلقي الشكاوى ضمانة لحجب إمكانية الاستقواء وتحقيق التوازن الاقتصادي والاجتماعي.