إنه اليوم الذي حبست فيه الولايات المتحدة الأميركية أنفاسها ومعها العالم؛ على وقع مشهد كان يشبه ما يحدث في أكثر أفلام الإثارة رعباً. كيف تحولت الطائرات المدنية الأميركية إلى ما يشبه الكاميكاز الياباني، يقودها طيارون غير أميركيين لتضرب أبرز رموز الإمبراطورية التي تستطيع أن تضرب في أي مكان بالعالم لكنها عصية على الضرب؟
إنه المشهد الأكثر غرابة في مطلع الألفية. كانت وسائل الإعلام تنقل في الرابعة عصراً بفلسطين، أي الثامنة صباحاً في واشنطن ونيويورك، خبراً مثيراً عن اصطدام طائرة مدنية أميركية بأحد برجي التجارة العالمية في نيويورك. كنا نشاهد الدخان المتصاعد الذي تنقله كل الفضائيات وإذ بطائرة مدنية أخرى تلتقطها العدسات تضرب بالبث المباشر البرج الآخر! وأمام هول المشهد أدركنا أننا أمام هجوم على الولايات المتحدة الأميركية حتى قبل أن تضرب طائرة أخرى مقر القيادة العسكرية ورمز القوة الإمبراطورية «البنتاغون»، ثم يُعلن إسقاط طائرة فوق ولاية بنسلفانيا.
كان الرئيس الأميركي الذي لم تمض على ولايته تسعة أشهر يتواجد في روضة أطفال خارج واشنطن، حتى أدرك مساعدوه أن الولايات المتحدة تتعرض للمهاجمة. كان رئيساً يفتقر للكفاءة، تم اختياره من قبل قادة الحزب الجمهوري في منزل بوش الأب بغياب بوش الابن؛ لأنه لا بديل في ظل حالة فقر عاشها الحزب بعد بوش الأب، وعندما طرح اسم الابن كان ذلك مثار سخرية للمجتمعين من أركان الحزب: «باول»، و»تشيني»، و»رامسفيلد»، و»وولفوفيتز»، إلى الدرجة التي نقل عنهم أنهم كادوا يقعون على ظهورهم من شدة الضحك.
تم أخذ الرئيس الذي كان يحتفل، من روضة الأطفال، بما يشبه الاختطاف، إلى جهة غير معلومة، وقام مساعدو نائب الرئيس ديك تشيني بإرغامه على المثول لأوامرهم والنزول فيما يشبه الاعتقال تحت الأرض بالبيت الأبيض، رغم معارضته كوزير دفاع سابق يرى أهمية بقائه لإدارة المعركة، إلا أن حماية الرئيس ونائب الرئيس كانت أولوية الأمن القومي حتى قبل أن تنتهي الغارات على رموز الولايات المتحدة القوة الأولى في الكون.
التفسير الأول والذي ما زال حتى اللحظة مسيطراً، في ظل غياب المعلومات، هو أن مجموعة انتحارية تدربت في الولايات المتحدة على قيادة طائرات صغيرة أقدمت على هذا العمل الهائل، وبإشراف كامل من تنظيم القاعدة وزعيمه السابق أسامة بن لادن، الذي اغتالته فرقة أميركية قبل خمس سنوات في الباكستان، ولأن معظمهم من السعودية جرى توجيه أصابع الاتهام إلى تلك المملكة، والآن، بعد عقد ونصف على هذا العمل، يقر مجلس النواب الأميركي قانوناً بمقاضاة السعودية على تلك العمليات، بعد أن تم تمرير القانون في مجلس الشيوخ، رغم إعلان معارضة البيت الأبيض لذلك.
لكن هذا التفسير يبدو ناقصاً أمام تساؤلات العقل الكبيرة التي ما زالت تبحث عن إجابات مقنعة، حتى بعد مرور كل هذا الزمن، لكن هول المشهد ما زال صادماً ومعلقاً في الذاكرة التي تعيد طرح التساؤلات مع كل ذكرى، والتي مهدت لغزو أميركي صارخ باتجاه الشرق على المنطقة العربية وأفغانستان، تاركة خلفها حروباً أهلية ودمار بلدان وهلاك شعوب أعادت إحياء أسوأ نزعات القتل والصراعات المذهبية والدينية.
التفسير الذي ما زال مسيطراً على مراكز صناعة القرار لا يبدو مقنعاً كثيراً بالنسبة للباحثين عن الحقيقة، خاصة أن الدولة التي تعرضت لهذا الاعتداء هي الدولة التي لا تفكر أي قوة بضربها؛ لما تملكه من وسائل تكنولوجية وعسكرية يمكن أن تشكل جدار حماية هائل، فهي تراقب كل الكون وكل العواصم وحركة الأفراد واتصالاتهم، وهي قادرة على إجهاض أي عمل في عاصمة تبعد عنها آلاف الكيلومترات. كيف عجزت المنظومة الاستخباراتية والتكنولوجية عن مراقبة أفراد قاموا بهذه العمليات وعاشوا في الولايات المتحدة أشهراً من التدريب ولم تكتشف توجهاتهم، ولا الحوارات التي تدور بينهم، ولا الاتصالات بينهم، ولا مع قيادة القاعدة، إذا ما أخذنا بالسيناريو المعمم؟
السؤال الثاني: كيف تتمكن مجموعة من الهواة بالنجاح من اختراق هذه المنظومة، والتغلب على أكثر الدول تقدماً وقوة واحترافاً في ملاحقة الكون؟ فهم ليسوا سوى مجموعة تدربت على طائرات سياحية صغيرة. كيف تمكنوا من تعطيل أحدث الأجهزة الإلكترونية تطوراً؟ وكيف يخطر ببال زعيم القاعدة هجوم مركب بهذا القدر، من ذلك المكان البدائي البعيد عن التكنولوجيا؟ فالعمليات دائماً وليدة التفكير الظرفي والمكاني.
والسؤال الثالث الذي طرحه الكاتب الصحافي الأميركي المعارض «سيمور هيرش» بعد الأحداث هو: أين الصناديق السوداء للطائرات؟ وقد صممت تلك الصناديق لتتحمل حرارة ثلاثة آلاف درجة مئوية ولكن الحرارة في برجي مركز التجارة العالمية لم تصل إلى تلك الدرجة، فأين الصناديق؟ وإذا كانت الحرارة عالية في المركزين «أقل من المطلوب لإذابة الصناديق» فأين الصندوقان الأسودان للطائرة التي ضربت البنتاغون ولم تحترق وكذلك الصناديق السوداء للطائرة التي أسقطت فوق بنسلفانيا؟
أما السؤال الأكثر أهمية الذي ظل هيرش يسأله لمن لديه معلومات عن الأمن الأميركي، الولايات المتحدة لديها منظومة أمنية تقوم على أنه في حالة تعرض الدولة لأي هجوم يقوم نظامها الدفاعي على استنفار كل طائرات الولايات المتحدة في الجو. خلال ست دقائق تكون قد تكونت شبكة دفاعية في السماء تغطي كل الدولة ولا تسمح لأي شيء باختراقها وقادرة على أن تسقطه في الجو، أي تأمين شامل.
وإذا كان هذا هو النظام الدفاعي، فبين الطائرة الأولى التي ضربت مركز التجارة والثانية ثمانية عشر دقيقة. لماذا لم يتم تفعيل النظام الدفاعي؟
قد يقول قائل: إن الضربة الأولى كان يعتقد بأنها حادث عرضي، ولم يخطر ببال أحد أن يتصرف وفقاً لمتطلبات الأمن القومي، ولكن بعد التأكد من أن الدولة تتعرض لهجوم بعد الطائرة الثانية، كيف تمكنت الثالثة التي ضربت البنتاغون من الوصول وعدم إسقاطها والتي فصلت بينها وبين طائرة مركز التجارة العالمي أربعون دقيقة؟ هذا إذا سلمنا بأن البنتاغون على هذه الدرجة من الانكشاف وعدم الحماية بالصواريخ.
حتى اللحظة ما زال البحث عن إجابات المنطق قائماً، رغم مرور عقد ونصف على الهجوم، فالولايات المتحدة القادرة على التحقيق ومعرفة كل شيء من غير الطبيعي ألا تقدّم حتى اللحظة أجوبة مقنعة لأسئلة ما زالت مفتوحة..!!
حدث في مثل هذا اليوم .. الحادي عشر من تشرين الأول
11 أكتوبر 2023