يحل عيد الاضحى المبارك على الشعب العربي الفلسطيني وشعوب الامة العربية، وجميعها تعيش لحظة فارقة في تاريخها. فلا العيد، هو العيد، والاضاحي باتت من بني الانسان نتاج تفشي وانتشار مرض الاسلامو فوبيا، وتسيد التكفيريين في العديد من دول وشعوب الامة. وبقايا الانظمة الفاسدة والمتعفنة، هي التي تحكم، وتدير شؤون الاوطان والشعوب. والاحتلال الاسرائيلي الاقتلاعي الاجلائي والاحلالي يجول ويصول في الاراضي الفلسطينية دون حسيب او رقيب، يقضم ويصادر وينهب الارض، يزور الحقائق كل صباح ومساء دون ان يرف له جفن. لان يراهن على تعمق حالة التشظي في اوساط شعوب الامة.
حال الامة معقد ومشوش، ويهوي مع كل صباح جديد إلى منحدرات جديدة من الدرك الاسفل. الازمة المعضلة لم تعد تقتصر على قوى الاستعمار الاسرائيلي والغربي الرأسمالي، بل في حالة التفتت والتشرذم والحروب البينية بين الاشقاء لاسباب أقل ما يمكن ان يقال فيها، انها تافهة، ولا تعدو في احسن الاحوال عن تصفية حسابات شخصية، وفي ألعن الاحوال انها حروب بالنيابة عن قوى الاستعمار، التي عملت وتعمل على إستنزاف طاقات شباب واموال وثروات وجيوش الامة. الرابح الوحيد فيها، هو اميركا وإسرائيل، والخاسر الاول والاخير شعوب الامة العربية، التي تعطلت دورة الحياة فيها، وباتت عبارة عن مرتع لكل تجار الدين وطواغيت المال المالي في العالم.
امة تتشظى شعوبها على مرأى من اعين حكامها، الذين مازالوا يعتقدون ان مصيرهم مرهون بمدى دفع الفواتير، وتسديد الحساب، وتنفيذ مآرب ومشاريع التدمير الذاتي، التي وضعتها وهندسة سيناريوهاتها أميركا وإسرائيل المارقة والخارجة على القانون. ولم يفكروا بأنهم "سيأكلوا يوم أُكل الثور الابيض!"، اي ان دورهم في التفتيت والشرذمة قادم، لانهم جزء من عملية إعادة التقسيم والتجزئة. ولوثة العقل الرسمي العربي، بلغ مرحلة متقدمة من الانحطاط. لم يعد قادراً على الرؤية او الاستشراف او الاستدراك او التراجع وإعادة النظر في واقع الحال، لا بل هناك إنعدام للثقة بالذات وبالآخر العربي، وبات معظم القادة العرب يركضون في متاهة التطبيع والتنسيق مع دولة الاستعمار الاسرائيلية، حتى امسى ذلك احد اهم ركائز السياسات للعديد من الدول العربية، ومن لم يشهر تطبيعه وتعاونه مع إسرائيل، يقوم بذلك من تحت الطاولة.
حالة غير مسبوقة من التآكل والتلاشي تعيشها شعوب الامة. لا وجود للامن القومي إلآ في البيانات الصادرة عن جامعة الدول العربية، والقمم العربية او البيانات المشتركة بين دولتين او اكثر. والتعاون الامني الموجود بين الدول الشقيقة، لا يهدف فعليا لمحاربة الارهاب، لان من يريد محاربة الارهاب، عليه اولا ان يضع إسرائيل وأميركا على رأس قائمة الدول المنتجة للارهاب الدولاني؛ وثانيا ان تكف الدول عن دعم قوى التكفير الاسلاموية المتطرفة؛ ثالثا وقف الحروب البينية العربية العربية؛ رابعا تعزيز عمليات التنمية في بلدانها، وتطوير التعاون مع الدول الشقيقة والصديقة؛ خامسا الاستخدام الامثل لاوراق القوة العربية في الضغط على إسرائيل واميركا للإلتزام بخيار السلام، وتنفيذ مبادرة السلام العربية، ودعم فعلي لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من حزيران عام 1967 وضمان حق عودة اللاجئين على اساس القرار الدولي 194.؛سادسا دعم وحدة دول وشعوب الامة؛ سابعا وضع برنامج عمل استراتيجي لإخراج المنطقة من متاهة الصراعات مع دول الاقليم، وقطع الطريق على القوى الاقليمية الاسلامية من مد نفوذها لداخل الدول الشقيقة عبر تعزيز التعاون العربي العربي؛ ثامنا إغلاق القواعد الاجنبية الاميركية والبريطانية من الدول العربية؛ إعادة نظر بسياسة التبعية للسوق الرأسمالية وخاصة الاميركية؛ تاسعا تحرير المرأة، ووقف كل النظم والقوانين والجماعات، التي تحول دون ذلك؛ عاشرا إعادة النظر في الخطاب الديني، وترشيد وتطوير منهاج التعليم، وتعزيز مراكز البحث والدراسات..الخ
للاسف الشديدقوى التغيير العربية، إن جاز للمرء، ان يطلق هكذا مفهوم في زمن الانحطاط، الذي نعيش في حالة من الخمول والهزيمة الداخلية. لا تملك رؤية واقعية لا وطنية او قومية ولا ديمقراطية. كل قوة تعيش ازماتها الاكلينيكية، وتواصل العمل باساليب باهتة ومملة، تهادن هذا النظام او ذاك مقابل السكوت عن قياداتها ومكاتب عملها او لقاء فتات اموال الانظمة الفاسدة، التي تحصل عليها. مما يزيد من حالة التردي والانسداد في اي عملية تغيير ولو بالمعايير النسبية. الامر الذي يتطلب الخروج عن واقع الحال السائد، والتمرد العقلاني عليه، وإنضاج عملية تغيير فكرية وسياسية وثقافية تربوية واقتصادية وعلى كل الصعد والمستويات.