بين الفينة والأخرى، تُعلن إسرائيل عن اكتشافات جديدة في مجال الغاز في عرض البحر المتوسط، خصوصاً في المنطقة الشمالية. ومؤخراً، أعلنت عن احتمالات عالية لوجود حقل غاز كبيرٍ نسبياً يشبه حقل «شروق» المصري غيرَ بعيدٍ عن شاطئ نتانيا. وثمة من يرى أن إسرائيل قدمت تنازلات سياسية لتركيا على أمل أن تتمكن من الاستثمار في قطاع الغاز الإسرائيلي. ولكن صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية أكدت مؤخراً أن إسرائيل تعاني من مصاعب كبيرة في قطاع الغاز البحري بسبب عزوف شركات الطاقة الدولية عن التعاون معها خشية التصادم مع قوانين المقاطعة العربية.
وقد عرضت وزارة الطاقة الإسرائيلية قبل أيام على شركات تنقيب أجنبية معلومات جيولوجية تفيد بوجود احتمالات لحقل غاز كبير آخر على الشاطئ بعيداً مسافة 50 كيلومتراً غرب شاطئ نتانيا. وقال خبراء الوزارة إن هذا الحقل يشبه في تركيبته الجيولوجية تركيبة حقل «شروق» المصري الذي اكتشفته العام الماضي شركة «إيني» الإيطالية. وقد أسمت إسرائيل هذا المكمن باسم «يونا»، وهو يقع ضمن ترخيص التنقيب المسمى «ميرا». وأثبت بحث سيسمولوجي قديم وجود 40 مليار متر مكعب من الغاز فقط بأرجحية 58 في المئة. ولكن التنقيب عن هذا المكمن فشل قبل أربع سنوات، فأعيد الترخيص للدولة التي تعرضه اليوم للاستثمار، ولكن بمعطيات أهم. ويشكل عرض إسرائيل منح تراخيص تنقيب جديدة في البحر فتحاً لباب التراخيص الذي كان أقفل قبل أربع سنوات.
ولتسهيل الاستثمارات، سافر قبل أيام إلى الخارج وفدٌ من خبراء وزارة الطاقة الإسرائيلية لإقناع شركات عالمية بالمشاركة في العطاءات لنيل التراخيص الجديدة للتنقيب عن النفط والغاز في المياه الاقتصادية الإسرائيلية، بل إن وزير الطاقة يوفال شتاينتس ومدير عام وزارته شاؤول ميريدور سافرا أيضاً للمشاركة في محاولات الإقناع. وواضحٌ أن المعطيات الأخيرة عن احتمالات وجود حقل كبير تعتمد على استطلاع أجري لحساب وزارة الطاقة الإسرائيلية أفاد بأن هناك احتمالات كبيرة لوجود مكامن غاز إضافية في حوض البحر المتوسط بحوالي 2200 مليار متر مكعب وبأرجحية 50 في المئة.
ويوضح خبراء طاقة إسرائيليون أنه سبق ونشرت معطيات كهذه في الماضي، إلا أن كثيرين تعاطوا معها بارتياب. وثمة تقدير أن نشر هذه المعطيات من جديد يهدف إلى إثارة اهتمام قطاع الطاقة العالمي بحقول الغاز الإسرائيلية، خصوصاً في هذه الفترة التي يعاني فيها الاقتصاد الإسرائيلي من أزمات. وقد فشلت أغلب الشركات الإسرائيلية المالكة لامتيازات التنقيب في اجتذاب شركات كبرى للتنقيب في امتيازاتها، وهذا ما قاد إلى إخفاقات متعددة.
وبسبب ذلك، نصحت شركات استشارية كبرى إسرائيل باستئجار خدمات شركتي RPS و IHS لعرض البضاعة الإسرائيلية هذه، وهو ما تم مؤخراً في كل من لندن وسنغافورة، ويتوقع أن ينتقل ثقلُ الإقناع قريباً إلى تكساس الأميركية لتعريف الشركات هناك بالحقول الإسرائيلية. وفي المحاولات التي جرت في لندن ظهر اهتمام من جانب الشركتين الإيطاليتين، «أديسون» و «إيني» ENI والمطلتين على عمليات التنقيب في إسرائيل جراء عملهما في مصر. ويرمي الجهد في سنغافورة إلى إقناع شركات آسيوية وأسترالية بالاهتمام بالحقول الإسرائيلية.
ومعروف أن إسرائيل عمدت في مطلع الشهر الحالي إلى إعادة تقسيم المياه الاقتصادية لإسرائيل إلى 60 بلوكا، عرض 24 منها على الشركات الإسرائيلية والأجنبية. وتبلغ مساحة كل بلوك من هذه 400 كيلومتر مربع وهي تبعد عن الشاطئ أكثر من سبعة كيلومترات.
ومن الجائز وفق صحيفة «نيويورك تايمز» ألا تتمكن إسرائيل من اجتذاب الاستثمارات المطلوبة لتطوير قطاع إنتاج الغاز فيها لأسباب بينها أن شركات النفط العالمية الرائدة التي تملك نشاطات واسعة في أرجاء الوطن العربي قد تتجنب الاستثمار في إسرائيل خشية تعرضها للمقاطعة. وكتب محرر الصحيفة في مجال الطاقة، ستانلي ريد، أن «اجتذاب المستثمرين قد يشكل تحدياً لإسرائيل. فشركات النفط الكبرى، التي تتراجع مداخيلها غدت أكثر استنسابية في اختيار المشاريع المستعدة لتمويلها، والتي تعمل منها في الدول العربية قد تبدي حذراً من الاستثمار في إسرائيل».
وأعرب المحلل الاقتصادي مارتين مارفي للصحيفة عن اعتقاده أن «اهتماماً ما سيبرز، لكن من المشكوك فيه إن كان ذلك سيأتي من جانب شركات النفط الكبرى لاعتبارات سياسية».
كما أن عاملاً آخر قد يؤثر في الاستثمار في إسرائيل سلباً، هو انهيار سعر الغاز الطبيعي في السنوات الأخيرة. وكتب ريد أن «هناك برودة عامة في هذا المجال، على خلفية تراجع سعر الغاز بأكثر من 50 في المئة في أوروبا في السنوات الأربع الأخيرة».
وأضاف أنه «رغم أن شركات متوسطة قد تبدي استعداداً للاستثمار في إسرائيل، لكن تكلفة تزيد عن 100 مليون دولار لأي تنقيب في المياه العميقة، قد تردعها عن المخاطرة».