حين ظهرت بوادر انهيار عملية السلام على مسارها الفلسطيني الإسرائيلي، تم تأسيس الرباعية الدولية لوقف الانهيار وإعادة الحياة لهذا المسار، وقد عملت «الرباعية» طويلاً وفق أجندة الإنقاذ، وأنتجت خطة خريطة الطريق التي كان بندها الأول مجرد التزامات يتعين على الفلسطينيين الوفاء بها لمصلحة إسرائيل، أما باقي البنود فكان معظمها يتضمن التزامات إسرائيلية لمصلحة الفلسطينيين.
وكالعادة نفذ الفلسطينيون ما عليهم، وما إن شرعوا في أول مطالبة لتنفيذ ما على الإسرائيليين، ألغيت خطة خريطة الطريق بل وألغيت الرباعية الدولية ولم يبقَ منها إلا بعض موظفين رفيعي المستوى امتهنوا دق الماء ومطاردة السراب.
ومن أجل مساعدة الفلسطينيين في مرحلة خطة خريطة الطريق، أسس العرب رباعية موازية عملت لفترة من الزمن مع الفلسطينيين، وكانت الفكرة تقويتهم بل وتأهيلهم للإفادة من جهد الرباعية الدولية والمضي قدمًا نحو المراحل المفترضة ليس لإنقاذ العملية السياسية فحسب، وإنما إلى ما هو أبعد من ذلك، أي إيصالها إلى الحل.
ولأن الإسرائيليين لا يقبلون شركاء لهم في أمر التعاطي مع الفلسطينيين، خصوصًا على طاولات المفاوضات، ولأن الأميركيين لا يملكون إلا التعاطف مع إسرائيل، فقد تم تقويض الرباعية فعلاً والإبقاء عليها كخيط رفيع يربط أعضاءها بالعملية السياسية الفلسطينية الإسرائيلية التي دخلت طور الاحتضار الدائم.
وعلى نحو منطقي خفت دور الرباعية العربية على نحو لم يعد يتذكرها حتى صانعوها، واستعيض عنها بصيغ متفرقة ومتناثرة، تنسق أعمالها جامعة الدول العربية تحت عنوان تنفيذ قرارات القمم أو وزراء الخارجية، وكان بديهيًا ألا يسفر هذا الجهد عن تقدم ملموس في المسيرة السياسية حتى حين تقدم العرب بخطوات كبيرة تنطوي على تنازلات مهمة، وأعني هنا القبول بمبدأ تبادل الأراضي، فقد تآكلت هذه الخطوة العربية واندثرت، إذ لم تؤخذ على محمل الجد لدى الطرف الآخر.
كان الفلسطينيون بحاجة إلى العباءة العربية كي يتدثروا بها في صقيع الفراغ السياسي الذي صنعه الإسرائيليون منذ تسلم اليمين المتشدد مقاليد الحكم والقرار، ولم يضع الفلسطينيون خيطًا في إبرة إلا بعد أن يشاوروا العرب ويحصلوا على غطائهم، أما العرب من جانبهم فقد كانوا يعيدون الكرة إلى مرمى الفلسطينيين تحت شعار إيجابي.. «نقبل ما تقبلون به، ونرفض ما ترفضون».
كان هذا التأييد المفتوح ينطوي على حرج شعر به الفلسطينيون حين كانوا يقفون على مفترق طرق أحلاها مر، وازداد حرج الفلسطينيين عندما نشأت قضايا موازية أو منافسة أدّت موضوعيًا إلى انحسار التبني العربي للقضية المركزية، فوجدوا أنفسهم في وضع من يلتمس الدعم من جهات ذات دور ثانوي في أمر الحل والربط في قضايا الشرق الأوسط، مثل فرنسا وروسيا، ويقال إن دولاً أخرى تفكر في دخول سوق المبادرات بمنطق تسجيل الأسهم.
وفي أيامنا هذه عادت الرباعية العربية إلى العمل، ولكن هذه المرة ضمن أولويات مختلفة، تبدأ بحتمية ترتيب البيت الفلسطيني الذي يعاني من أزمة مركبة تنهك وتضعف قدرة فصيل واحد بعد أن أنهك الخلاف مع الفصيل الآخر الوضع الفلسطيني كله، فكان السيناريو الجديد، نبدأ بـ«فتح» وننتقل إلى «حماس» وما إن يترتب البيت حتى يكون لدى الفلسطينيين والعرب جاهزية أفضل لاستقبال التطورات القادمة على صعيد الإقليم.
ومع اليقين بحسن النية إلا أن استقبال هذا السيناريو لم يكن على مستوى التوقعات منه، ولعب الإعلام الباحث دومًا عن الإثارة دورًا يكاد يكون حاسمًا في تعثر السيناريو الجديد مما تطلب بيانات توضيحية كثيرة للدوافع والأهداف، وفي ساحة مثل الساحة الفلسطينية تكتظ بالأجندات الداخلية والإقليمية والدولية، فبوسعنا تخيل كيف هو النقاش في هذا الشأن وكم صنارة ستلقى في البحيرة الصغيرة ذات المياه العكرة.
وبعد ذلك كله لا بد أن يأخذ الجميع وقتًا مستقطعًا لتقويم ما حدث وبقدر كافٍ من الهدوء.
لقد فعلت ذلك الرباعية الدولية بعد بيانها الأخير المثير للجدل، ولا أعرف ماذا وكيف ستفعل الرباعية العربية؟
عن الشرق الاوسط