فيصل القاسم: اذهب أنت طالق

لينا ابو بكر
حجم الخط
 

عندما تُحذر بني عروبتك المناصرين للفرس – فتقول لهم – وقلبك على «عندما»: «يا جماعة، إيران ستأكل العرب شقفة شقفة». يقولون لك: العرب بيستاهلوا، الله لا يردهم!
طيب، مش عيب؟ هل وصلت جماعة «عندما» إلى هذا الحد من فقدان الثقة بكبريائهم ليذلوا هكذا؟ أم هو استرخاء وطني أم كسل وتراخ عضلي في الحس القومي ليوكلوا إيران بقضية فلسطين ويكتفوا بخوض معركة الدغدغة؟ ثم هل تنكيس علم اسرائيل وطرد سفيرها أقصى إنجاز يغيظون به الخونة من أبناء جلدتهم ممن يلهثون وراء الصهاينة ليعقدوا معهم صفقة تحرش سلمي؟!
هل تقزمت قضية فلسطين إلى هذا الحد حتى تحولت إلى رمزية لا أكثر ولا أقل؟ لن أتحدث طبعا عن استحالة ثقة إيران بحلفاء لا يملكون من أمرهم سوى التصفيق لملصقاتها الدعائية وشعاراتها الرمزية، إنما سأسألهم عن عدوهم: هل تعتقدون أن إسرائيل تخاف ممن يخوضون حربا دعائية بالوكالة؟ هل يليق بالعنفوان الفلسطيني كل هذا الانصياع لإيران وخلق أعذار صادمة تبرر تقاعس الحرس الثوري عن خوض معركة القدس؟ ويحكم!
كيف تتنازلون عن المعركة لتستشهدوا في سبيل الدعاية؟!

خبز «أم تي في» شعير «المسائية»

مهلا لحظة، إنه صاروخ؟ بل صاروخان، في «المسائية» على قناة «الميادين»، ابشروا ابشروا، طلّ الصاروخ من مصباح بشار الدين، وها هو يحط رحاله في غرفة الإنعاش كي يناكف بيريس في غيبوبته ويسن عظام أشقائه العرب لينكش بها أسنان كسرى، ثم يسرق وشاح العفة من خدر هند بنت النعمان ليمسح به خراطيم الفيلة في طريق الحجيج إلى كربلاء.
ضاعت القدس يا شباب… ومكة على الطريق… ولم يتبق من حروب تحرير المقدسات، سوى حرب الإغاظة.. فهل سمعت مظفر النواب حين صاح: هبلتكم أمهاتكم! أم أنك اكتفيت بمتابعة «الاتجاه المعاكس» وهو يستنكر مقايضة سوريا بفلسطين بذريعة إسرائيل في الوقت ذاته، الذي كنا نشاهد فيه برنامجا كتائبيا على «أم تي في» عن بشير الجميل، حين سألني طفل فلسطيني لم يقتنع بهذا التشويه المزور للبطولة: هؤلاء أعداؤنا؟ قلت له إنهم أعداء لبنان؟ سأل: هل هم إسرائيليون؟ قلت: عرب… ثم أردفت وقد أدركت صدمته: لا تقلق، في لبنان بطل حي طرد الخونة وإسرائيل… فابتهج كملاك هاتفا: قولي له أن يحرر فلسطين يا أمي؟

سيلفي العضعضة على الشوارب

ضع جانبا الدعم الكبير الذي قدمته إيران للمقاومة الفلسطينية، ليس لأن ما ستراه يخيفك مما لم تكن تراه، إنما لأن ما كان لا يجب أن يشفع لما سيكون، فالقضية الفلسطينية أعدل وأكبر من حصرها في صالونات تطييب الخواطر والمجاملات الإقليمية ولعبة الودائع والمدخرات في بنك المقاومة! والوقوع في الفخاخ لن يضيف إلى قائمة الضحايا سوى المزيد من الخذلان!
عبد المنعم زين الدين المنسق العام لفصائل الثورة، «قبّعتْ معه» في حلقة «الاتجاه المعاكس، منهالا على الضيف الآخر من لبنان خالد الرواس، أمين عام حركة الناصريين بما أوتي من شتائم، فما أن وصل لفلسطين، حتى كظم غيظه وفجر غضبه، مستهجنا تهرب الرواس من الإجابة على كل الدلائل والاتهامات التي تتعلق بدور إيران «التقسيمي» في التصفية الديموغرافية والتوزيع الطائفي على الأرض السورية، ليستفزه الرواس قائلا: (قضيتنا مركزية هي قضية فلسطين ….) هنا بلشت العضعضة على الشوارب من قهر وكيد، حتى كاد عبد المنعم أن يخرج عن طوره ويقدم تنازلا علنيا عن «الأكمة وما وراءها»… وهَمّ برمي يمين الطلاق على المعاكس، ولكن القاسم – والله أعلم – غمزه من وراء الكاميرا قائلا في سره: اوعك تسمح له أن يمارس دور المحلل أو السمسار الشرعي الذي يردنا إلى عصمة المقاومة»!
يا إلهي، كم شوهوا فلسطين وهم يتلقفونها ككرة مطاطية في هذا المزاد الإعلامي ليلقوها في خانة الشك بعد أن كانت بوصلة اليقين.. حرب النوايا انتهت، واللعب صار على المكشوف في هذه الاستغماية الفضائية التي تختبئ فيها اسرائيل من الرب وعين الكاميرا، ليُعثر عليها في سيلفي مُسرب مع بوتن في نزهة حج إلى كربلاء!

سنة «الحديبية» و«حائط المبكى» في العتبة

تذكرون لما اقتحم المستوطنون المسجد الأقصى العام الفائت في موسم الحج؟ وقتها هاب المصلون بالأمة أن تبدل وجهتها من البيت الحرام إلى ثالث الحرمين وأولى القبلتين، نصرة لصمود الصلاة وقدسية الحرم، وربما كان أولى بجماعة «عندما» أن يذكروا إيران بشعارها الإعلامي: لبيك يا قدس أو يذكروها بـ»صلح الحديبية» وهم يرونها تسرق القِبلة من بيت السماء، لتحني هامة الصلوات على عتبة الفتنة الحسينية في كربلاء… ويحكم!
الخبر على «الميادين» كان تأجيجيا، رغم الطريقة المغناجة والرخيصة بتلاوته في النشرات الإخبارية لمذيعات بن جدو اللواتي لم نر مثلهن حتى في «العربية»، فهل تحتمل الفتنة الطائفية هذا المساج لذهنية المتلقي؟
لو عدت لـ «المسائية» مساء الثلاثاء و«بحلقت» في كمال خلف وهو يتمارى أمام الكاميرا «كل شوي» ويجري حواره مع مرآته قبل ضيفيه، لأدركت أن المساج مزدوج ومتوافر على «الميادين» للجنسين… فخلف يأتي إلى المرآة «الشاشة» وهو بكامل أناقته وقد دمغ وجنتيه ببودرة حمراء تعينه على تسبيل الرموش بين حلقة وأخرى، حتى لينسيك الصاروخ، رغم استبسال اللواء المصري بتحليلات عسكرية عن سرعته ودقة الرادارات وجهوزية المنصات التي كانت بالمرصاد للطائرات الإسرائيلية، ثم تناغم «التيم وورك» العسكري والسياسي اللذان يلعبان «سوا سوا» ولكن! لماذا يجيء الخبر باردا، خافتا هكذا؟ الحق على مين: على مصفف الشعر في الاستديو، أم على محاولات لافرفوف لاحتواء النغنشة الصاروخية؟ أم الحق على عتبة المبكى في الكرملين!
«انشغال» خلف في المرآة لم يمنعه من التباهي بثقة الأسد وخوف اسرائيل منها محاولا إضفاء طابع الخطورة على الحدث، لكن الضيف الفلسطيني طمأنه مستبعدا أي ردود فعل قائلا: ليش تتعب اسرائيل حالها ما دامت «داعش» وتركيا تقومان بالمهمة متناسيا مكوكية «لافرفوف»!
فلسطين لا تحتاج لهذه الطخطخة الفيشنك في الهواء، وإلهائها بالألعاب النارية المغشوشة… فهي ليست متعة آنية للقذف الصاروخي أو Dummy أو كذاب، ولا هي حُرمة ناشز تدخل «الميادين» بيت الطاعة الإيراني على طريقة مُغنجات بن جدو!

كوكب حيطي و«أبارتهايد» وقائي

موضة «الحيطان» تتكاثر في هذا الكوكب ليصل مجموعها إلى خمسة وستين جدارا حسب إحصاء تقرير «الجزيرة» في حصاد الثلاثاء، فعداك عن الجدار العنصري في اسرائيل، فإن ترامب يلوح لبناء جدار على طول الحدود المكسيكية، والهند تشيد جدارا على الحدود مع بنغلادش، وبريطانيا تبني جدارا عازلا يقيها من لعنة اللاجئين، حتى ليبدو هذا الكوكب سجنا محاطا بالأسوار، و«الأبارتهايد» الوقائي، لأسباب عرقية ودينية وعنصرية، بحجة الحماية، فهل هذه لعبة استغماية جديدة يختبئ بها العالم خلف الجدران، كما ألمحت رولا إبراهيم؟
إنه قانون الحيطان، فهل تترحم على فيلم «الحدود» أم تحج إلى محكمة حمورابي ما دام الحج حمّال عتبات وجدران ومطارق قضائية بلا سماوات!
ضيف رولا إبراهيم الناشط الحقوقي «طرفة بغجاتي» استنكر التناقض المريع بين فلسفة العولمة وثقافة الانفتاح على الآخر، التي روج لها الغرب ويرتكب بها جريمة المسح الذهني للشعوب، بينما نراه يمارس إقصاء عرقيا وانعزالا جغرافيا تضيف له ظاهرة الفيزا بعدا عبوديا، يؤكد أن هذه الجدران هي أسلاك شائكة وحدود ثقافية تخدع العالم بذريعة الحل والقضاء على الإرهاب وتطيح بعصر التنوير والتمدن الحضاري الذي جاءت لنا به أوروبا مستعمرة تنهب ثرواتنا بينما ترفض أن تقوم بأبسط مهمة إنسانية في التاريخ: إيواء لاجئ!
بدأ العصر مع فكرة المخيمات ثم المستوطنات، والآن يدشن الجدارات ويحج إلى العتبات، فهل تخافون على صلواتكم أم خيامكم أم أوطانكم أم جدرانهم؟ أم أنه عليكم فقط أن تتعلموا رياضة اللطم ومهارة القفز عن الحواجز وفاء لعرقكم الدساس بين بيزنطة وساسان! 
عن القدس العربي