مجموعة قضايا تناولها الإعلام الإسرائيلي خلال الأيام الأربعة الماضية، دارت حول سعي المستويات الرسمية والحزبية الإسرائيلية إلى إيجاد مخارج قانونية للإرهابيين اليهود، ضاربة بعرض الحائط البعد الأخلاقي لأي قانون، على قاعدة تبرير الإرهاب اليهودي والتسامح المطلق مع القتلة والإرهابيين اليهود.
أبرزت النقاشات الإسرائيلية أن غالبية المجتمع الإسرائيلي تصر على عدم محاكمة أو تجريم القتلة اليهود الذين يرتكبون جرائمهم المتعمدة بحق فلسطينيين، وفي هذا دلالة واضحة على أن المجتمع الإسرائيلي يسير بوتيرة متسارعة نحو العنصرية بما في ذلك وصف القتلة بالأبطال.
هناك أكثر من قضية مثارة في المحاكم الإسرائيلية هدفها تبرئة القاتل، ومنها توجيه لائحة اتهام بالقتل إلى المواطن المقدسي علي نمر، ابن عم الشهيد مصطفى نمر، الذي ارتقى برصاص شرطة الاحتلال في مخيم شعفاط في الخامس من الجاري. لائحة الاتهام تستند إلى ما أسمته «السياقة المتهورة» من ابن عم الشهيد، ما أدى إلى الاشتباه بالسيارة وإطلاق النار نحوها، ما أدى إلى استشهاد الشاب مصطفى. سلطات الاحتلال غيرت روايتها ثلاث مرات في هذه القضية، الرواية الأولى كانت عملية دهس متعمد لتنتهي أخيراً بسياقة متهورة... ولا ندري أي قانون يجيز قتل راكب سيارة لأن السائق يقود بشكل متهور.
بمعنى آخر، فإن الضحية تحاكم بتهمة القتل، فيما يفلت القتلة المجرمون من العقاب.
في قضية ثانية، رفضت دولة الاحتلال هدم منازل ثلاثة من الإرهابيين اليهود الذين شاركوا في قتل الفتى محمد أبو خضير بعد اختطافه ثم إحراقه حياً. جاء ذلك في رد النيابة العامة الإسرائيلية للمحكمة العليا بناءً على التماس لعائلة الشهيد أبو خضير التي طالبت بهدم منازل الإرهابيين اليهود في إحدى المستوطنات القريبة من القدس المحتلة.
الرفض الإسرائيلي جاء على قاعدة تبريرية تثير الاشمئزاز بادعاء أن هناك فرقاً بين الإرهاب اليهودي وما تسميه «الإرهاب الفلسطيني»، لأن الإرهاب الأول غير منظم ومحدود أما الإرهاب الفلسطيني، على حد تعبيرها، فهو منظم والإجراءات ضده ومنها هدم البيوت تهدف إلى الحد منه... أي منطق وقانون يجيز ويبرر إرهاباً يهودياً ويجرم بأبشع الصور والعقوبات ما يسمى بالإرهاب الفلسطيني.. على الرغم من أن الإرهاب اليهودي أدى إلى مجازر ستظل محفورة في التاريخ. ومنها مجزرة الحرم الإبراهيمي في الخليل والتي راح ضحيتها أكثر من 30 شهيداً وهم ساجدون، فهل هناك أبشع من هكذا إرهاب.. وفي النهاية يتم تصوير المجرم والإرهابي اليهودي على أنه بطل ويصبح قبره في مستوطنة «كريات أربع» مزاراً للإسرائيليين.
أما المجزرة التي ارتكبها مستوطن إرهابي بحق عمال فلسطينيين في عيون قارة فأدت إلى استشهاد سبعة عمال علاوةً على الشهداء الذين سقطوا في التظاهرات الشعبية التي تلت المجزرة. اليوم القاتل حر طليق، فأي قانون في العالم يجيز إطلاق سراح مجرم ارتكب مجزرة بحق عمال أبرياء جريمتهم أنهم فلسطينيون..
ليتذكر أصحاب هذا الادعاء أيضاً الجريمة التي ارتكبها مستوطنون إرهابيون ما زالوا طلقاء بحق عائلة دوابشة.. هذا هو الإرهاب اليهودي الذي تحاول دولة الاحتلال وقادتها تبرئته.
القضية الثالثة التي طرحها الإعلام الإسرائيلي هي المحاولات المستميتة لفئات كثيرة في المجتمع الإسرائيلي لتبرئة الجندي المجرم الذي اغتال الشهيد عبد الفتاح الشريف في الخليل قبل عدة أشهر.. ضباط كبار وقادة مستوطنين تطوعوا للدفاع عنه وتبرير جريمته.. وآخرهم بروفيسور يهودي ادعى أن الشهيد الشريف قضي قبل أن يطلق عليه الجندي القاتل الرصاص... على الرغم من أن شهادات الجنود المرافقين وأشرطة التصوير التلفزيوني تثبت أن الشهيد كان مصاباً ويتحرك قبل إعدامه.. حتى شهادة الجندي القاتل ومع أنها تغيرت مرتين إلا أنه أكد أن الشهيد كان حياً.
إذن، هي حالات كثيرة يوضع فيها الإرهابيون والقتلة اليهود فوق القانون، حتى وإن تمت محاكمتهم، فهي تتم بشكل هزلي.. ولعل مجزرة كفر قاسم خير دليل على ذلك، عندما قامت قوات الاحتلال في تشرين الأول من العام 1956 بإعدام 49 فلسطينياً من أبناء القرية.. فقد خرج القتلة بأحكام لا يقبلها عقل ولا منطق، أخطرها هو الحكم على القائد العسكري الذي أصدر أوامر القتل وهو المجرم «يسخار شدمي» بغرامة مالية قدرها قرش واحد، نعم قرش واحد، ليصبح هذا الحكم مثلاً يضرب في الاستهزاء والسخرية من العدالة الإسرائيلية. «قرش شدمي» يعني أن الإرهاب اليهودي كان وسيظل فوق القانون.