في الوقت الذي نقل فيه شمعون بيريس الى المستشفى كنت أشارك في نقاش علني عن اليهودية. فبقدر ما تبتعد الدولة اليهودية عن التصدي لمسائل يهوديتها والاحتكار الذي ينشأ عنها تتعاظم وتيرة الندوات.
بيريس ليس فقط السياسي الذي كان في كل منصب، مكان، واحيانا يخيل في كل زمان أيضا، بل هو ايضا خلاصة اليهودي ابن الألفين: رجل يعرف كيف يتكلم بلغات كثيرة، ويتجول كتاجر في العالم، يخفي اراءه عن الرب، ويتنبأ بالخرائب.
في إسرائيل الحديثة يوجد اصوليون يعلنون في شهر المغفرة بأنهم «لن يغفروا أبدا» لشخص مثل لبيد أبعدهم عدة شهور عن مناعم الحكم. علمانيون يؤيدون التعليم ممن يخافون تعلم اليهودية، ومتدينون وطنيون يفزعون من يهود آخرين خلف البحر. يوجد قليل جدا من اليهود ذاتهم مع جذور المنفى.
في العام 1981 جاء بيريس الى بيت شيمش في حملة انتخابات، وتعرض للقذف بالبندورة من مؤيدي «الليكود». في فيلم خلفه الزمن ذاته بدا وهو يصرخ بغضب على المتظاهرين: «ليس هكذا تأخذون الانتخابات». وقد أخطأ.
في قسم كبير من حياته المهنية حاول بيريس الاقناع بعدالة طريقه بلا نجاح. حظيت لعدة ساعات أن أشهد واحدة من هذه المحاولات. كنت ابن 37 وهو ابن 88. فارق جيلين، ومع ذلك فان الرجل الذي شهد كل شيء وفعل كل شيء، حاول ان يقنع رافضا واحدا وجده في حينه في مكتب رئيس الوزراء. كان بيريس الرئيس متصالحا في هذه المرحلة من حياته. فقد نسي راشقي البندورة، وذابت ذكرى المتظاهرين ضده في عهد اوسلو والخصومات السياسية الداخلية.
في منتصف الحديث امتشق وثيقة احتفظ بها من عهده كمستشار لبن غوريون. كانت هذه ردا من احد الجنرالات في حرب التحرير على اقتراح بان يصبح رئيس اركان. «فحصت وضع التسليح في الجيش. توجد عندنا 6 ملايين رصاصة، ونحتاج مليوناً في اليوم»، كُتب هناك لبن غوريون، «انا لا اريد أن أكون رئيس أركان لستة أيام». في نظر بيريس كان في هذا دليل على التفاؤل المطلوب هنا، وفي نظري كانت هذه قصة رائعة عن التصميم وعن شمعون بيريس.
من يريد أن يرى صعوبة اقناع اناس مثلي يبدو هذا محقاً، ولكن ما كان يمكن الخروج من هناك دون تقدير الصلة اليهودية التوراتية في طبيعته، من الانبياء الذين هجروا نبوءات الغضب او التفاؤلات التي لن تتحقق أبدا. من كل ما قيل، هذا الاسبوع، حين ادخل المستشفى، كانت دعوات الحاخامين للصلاة والحزن الصادق من زعماء اليمين دليلا على انه مع ذلك أقنع احدا ما. ان لم يكن بالشرق الاوسط الجديد، فعلى الاقل بدوره في تاريخ الشعب اليهودي.
على يمين ارئيل
يجلس أوري ارئيل في مكتبه في بيت دغان وعلى يمينه الحائط. عندما نتحدث عن البدو، يصبح الحائط ملموسا. هكذا فقط يمكن انتاج سياقات في دولة اسرائيل، يقول وانا اوافقه الرأي. من خلال اليمين يمكن تغيير الحكم. تقليص الاحتجاج حين تكون انتفاضة. اليمين (وهذا يذكره اوري ارئيل جيدا) خطط تلك الاخلاءات للمستوطنات في سيناء، قطاع غزة، وشمال «السامرة».
الحائط في مكتب وزير الزراعة هو وهم. فدوما سيأتي احد ما اكثر فظاظة ليدعي بان هذا غير كاف. عن غريزة الجنس قيل ان من يجوعها يشبع ومن يشبعها يجوع. الجنس والسياسة غريزتان متشابهتان. في هذه الاثناء يمكن لارئيل أن يفعل ما لا يفعله الآخرون. 230 الف بدوي يوجد في النقب. 80 الفا منهم يعيشون في الشتات. نحو 3 الاف مبنى غير قانوني يبنى كل سنة. جرائم، سرقة، تعدد زوجات، انتفاضة زراعية، ثأر ودم، بطالة، سيطرة القوميين الاسلاميين وهذه مجرد قائمة جزئية. لا يوجد أحد ما في الحكومة لا يعرف ولا يعترف بالمشكلة. ولكن ما يحصل في النقب يبقى في النقب.
تقرير برافر – بيغن كان المحاولة الاخيرة لمعالجة الفوضى في النقب، غير أنه استقبل ورفض من نتنياهو بالسرعة ذاتها. فقد تعرض التقرير للانتقاد من اليسار. وبعد ذلك جاء انتقاد من اليمين على حجم التعويض والأراضي. انكسر نتنياهو وأخفى التقرير. مدى حياة اللجان والتقارير في إسرائيل هو بين الادنى في العالم.
في الحكومة السابقة نقل موضوع البدو الى وزارة الزراعة حسب طلب ليبرمان. وعندما عين ارئيل طلب نتنياهو استرداد المهر، فرفض ارئيل ومنذئذ لم يتخذ قرار. يندفعون مع التيار. هكذا تؤخذ المسؤولية في اسرائيل عن مشاكل استراتيجية. يندفعون مع التيار.
كوزير للزراعة فان ارئيل هو مجرد مرحلة اخرى في الحلم وتحطمه. منذ أن انتقلنا للتباهي بالتكنولوجيا العليا، والزراعة تخسر. ما كان رمزا للصهيونية أصبح وزارة لاستنفاد المصالح. وبالنسبة لارئيل يوجد قسم كبير من المصالح في «المناطق»، يمكن ومن المرغوب فيه انتقاده على ذلك، ولكن اذا نجح في خطته بالنسبة للبدو فلا بد سيكون جديرا بجائزة اسرائيل. إنه الوزير المسؤول عن الخطوة الوطنية الاكثر اهمية في العقد الاخير. خطة ارئيل بسيطة. لـ 80 في المئة من البدو في الشتات لا توجد ادعاءات ملكية على الأرض. ويمكن عقد صفقة معهم: تأهيل اراض للسكن لهم ونقلهم الى البلدات الكبيرة. والجرافات تعمل منذ الان على الارض. وقد تم منذ الآن تسويق الجولة الاولى من قطع الاراضي.
لإنهاء المسيرة كلها، سيتطلب الامر بين 5 و 10 سنوات. بعد هذا ستبقى ادعاءات لملكية. لارئيل صيغة الكثير من المال والقليل من الارض. والى هذا يريد أن يضيف ميزانيات تعليم. يحتمل أن ينجح هذا ويحتمل ان لا ينجح. ولكن اذا ما استقر معظم البدو عديمي ادعاءات الملكية في بلدات دائمة، فسيكون النقب مختلفا.
المذهل في هذه القصة هو أن ارئيل يعمل دون قرار مرتب. قبل سنة جاء بالخطة الى الحكومة لاقرارها. عندما جاء البند المتعلق بالبدو، الغى نتنياهو النقاش. احد ما «حذره». خرج ارئيل من الجلسة ومنذئذ وهو المقرر الوحيد. اذا نجح، سيصبح هذا قرارا تاريخا مشتركا. بأثر رجعي.
يوم عسل ويوم بصل
في هامش الانشغال بشمعون بيريس أطل باسل غطاس من «القائمة العربية» مع التأبين المبكر الذي كان يمكن أن يدخل بيريس الى مكان عال في انتخابات «الليكود» التمهيدية. في منطقتنا درج على القول ان هناك يوم عسل ويوم بصل. في سياسة اليهود والعرب يوجد يوم زعبي ويوم باسل. اقواله غير مفاجئة ولكن يجب قراءتها بتمعن. غطاس لا يرى نفسه مواطنا اسرائيليا. فهو يتماثل مع الشعب الفلسطيني من غزة أو رام الله، وليس مع «عرب اسرائيل»، الذين يمثلهم. يرى في الاسرائيليين عدوا ويتصرف هكذا منذ انتخب للكنيست. ينبغي للمرء أن يكون غبيا كي يتجاهل هذا المعنى.
تعبير عن غزة .. تاريخ غزة النضالي وأهم المعالم الآثرية
28 ديسمبر 2024