الصراع على شرعية البؤر الاستيطانية: كيف تتصرف الدولة السليمة؟

استيطان-660x330
حجم الخط

منذ قرار المحكمة العليا هدم المنازل في بؤرة «طريق الآباء» يسيطر عليّ حزن شديد. «يوجد قضاة في القدس»، أعلن رئيس الحكومة، مناحيم بيغن، في حينه. من المسموح تفسير سبب الندوب التي خلفها القرار. أولا، يجب القول لشعب اسرائيل ماذا تعني «بؤرة غير قانونية» وما الذي يجعلها غير قانونية، لأنه حينما يتم الاعلان عن عمل ما غير قانوني فان شعب اسرائيل الذي يحافظ على القانون يتحفظ على عمل كهذا.
في كل ما يتعلق بمشروع الاستيطان في «ارض اسرائيل»، منذ بدايته كان مقرونا بصعوبات كثيرة، منها صعوبات الاجراءات الادارية والقانونية. تقرير تاليا ساسون معروف كوثيقة تثبت عدم قانونية البؤر الاستيطانية التي أقيمت في «يهودا» و»السامرة». الخلاف الاهم مع المحامية ساسون لا ينبع فقط من سؤال التحفظ أو التأييد لمشروع البؤر، بل يذهب أبعد من ذلك، ويصل الى خلاف في القناعات المبدئية حول مبدأ التوقعات من الاستيطان في «الدولة السليمة».
إن هذا ليس خلافا قانونيا فقط، بل هو اختلاف في المواقف في العلوم السياسية. أنا ايضا أريد حكماً سليماً. إلا أن طريقنا تنفصل في السؤال الأساسي: هل يمكن الطلب من السلطة بأن تتصرف بشكل علني وبشكل ملائم بالكامل من خلال انتهاج السلوك الصحيح؟ ويشير تقريرها الى عدم الملاءمة بين التصريح العلني لرئيس الحكومة، ارئيل شارون، حول التزامه بوقف البناء في المستوطنات وبين السلوك الخفي الذي بنيت فيه بؤر قام مكتبه بدعمها.
يوجد سؤال أساسي: كيف يجب أن تتصرف الدولة السليمة؟ هل من المسموح لها أن تخادع وأن تتصرف باتجاهين متناقضين، أحدهما علني والآخر خفي؟ واحد «فوق الطاولة» والآخر «تحت الطاولة»، تحت الرادار.
الخلاف هنا يتعلق بطبيعة فكرة الدولة السليمة. بالنسبة لها فان السلوك المزدوج مرفوض. وبالنسبة لي فان سلوكاً كهذا مطلوب وضروري. حين تعكس نمط الحياة السلطوي، كما هو في عالمنا المعقد، لا تستطيع أي دولة أن تدير شؤونها بشكل ناجع عندما تتصرف فقط بشكل علني. إن الأعمال السلطوية التي تُدار تحت الرادار هي ضرورة شرعية. هكذا تتصرف اغلبية الدول السليمة.
أكثر من حكومة، من بين الدول الاوروبية، تتحفظ على اسرائيل بشكل علني، وفي المقابل، بشكل خفي تتعاون اجهزة استخباراتها السرية مع اسرائيل. هذه هي اللعبة المزدوجة. وثمة مثال آخر: الدول الاوروبية لا يحق لها العمل في صالح الفلسطينيين في مناطق «يهودا» و»السامرة» من خلال قوات عسكرية علنية، لكن عشرات المنظمات المدنية وتحت شعار النضال من اجل حقوق الانسان، تعمل هناك بتأييد وتوجيه مباشر.
هذا المنطق يجعل ما لا يمكن فعله «من فوق الطاولة» يتم استكماله بشكل خفي دون التوقيع على المسؤولية المباشرة. هكذا ايضا كان منطق شارون: انطلاقا من تفهم الضغط الدولي، اضطر الى الاعلان عن عدم البناء في المستوطنات، لكنه في المقابل طلب العمل على البناء بشكل خفي. هذا ملخص المنطق الذي يفسر كيف أن حاضرات بنيت بتوجيه مباشر، بقيت من الناحية القانونية والرسمية «غير قانونية».

سؤال وجودي
إن انكار خبراء الحكم السليم للتعقيد الذي يتعلق بالاستيطان لا يقتصر فقط على «يهودا» و»السامرة». إن سكن عدد قليل في النقب يعاني من صعوبات قانونية وادارية مشابهة. وخلال سنوات عملت النيابة العامة في الجنوب ضد هذا المشروع. وحسب القانون والادارة السليمة كان من المفروض اعطاء الارض لمن يسكن في واحة الأقلية، في عطاء مفتوح ومساواة كاملة لجميع المواطنين. عمليا، السكان حصلوا على الارض بدون عطاء، لذلك طلبت النيابة في الدولة اخلاء السكان، حتى لو كانت لديهم وثائق عمرها 15 سنة، وبالتالي اعادة الاراضي لدائرة اراضي اسرائيل واجراء عطاء سليم.
سألت موظفة رفيعة في النيابة في منطقة الجنوب ما الذي سيحدث اذا فاز البدو في العطاء بأغلبية الاراضي؟ وأجابت: «هذه هي الاجراءات». وسألت: «الاجراءات حسب الجوهر؟». فقالت: «هكذا بالضبط». ويمكن القول إن جوهر الادارة السليمة، حسب الشكل الذي تُفسر به من قبل اصحاب الصلاحية، هو الجوهر. يمكن القول إن ايام «الجدار والبرج» قد زالت ومنذ لحظة اقامة الدولة مون المفروض التصرف بشكل مختلف. إلا أن المكان لا ينتظر الترتيب القانوني. والى أن يتم استكمال العمليات التخطيطية التي تستمر سنوات طويلة، فان شخصا آخر سيسيطر. هكذا هي حياتنا في اسرائيل.
حول جوهر موضوع بؤرة «طريق الآباء»، لا داعي للقول إن الحديث لا يقتصر على الصراع على الارض وقرار المحكمة حول الملكية. يدور الحديث عن صراع بين قوميتين حول تواصل السيطرة في المنطقة. وهذه هي الحال ايضا في غوش عصيون التي تفصل بين الخليل وبيت لحم، وتلغي امكانية التواصل بين الخليل والقدس. ومن اجل ذلك يتم النضال: من يجد نفسه معزولا ومحاطا ومن ينجح في خلق التواصل الجغرافي.
هذا الوضع وهذا المنطق يفهمه الفلسطينيون بشكل جيد، وايضا ممثلو الاتحاد الاوروبي والاميركيون الذين يطلبون من حكومة اسرائيل تجميد البناء. وحسب هذا المنطق بنيت بؤرة «طريق الآباء» في ذروة الحرب في العام 2001 كضرورة أمنية، في الايام التي كانت فيها الطريق من غوش عصيون الى القدس تتسبب بالضحايا. هل من غير المعقول أن نتوقع من قضاة محكمة العدل العليا أخذ هذه الجوانب في الحسبان، خصوصا عندما يطلب ممثلو الدولة من المحكمة السماح بطرح موضوع الملكية وترتيبها؟ في العادة تتم العودة والتأكيد على متخذي القرارات تفهم قيود القوة. أليس ضروريا مراعاة قيود قوة الأجهزة الأمنية والعسكرية، حيث يتم إرسالهم للعمل مرة تلو الأُخرى ضد اخوانهم وهدم منازلهم؟.
إن الحسم القضائي في جوهره يتعلق بالتقديرات، وهو دائما يتم من خلال التوجيه القيمي الشخصي. وقد كتب القاضي حشين: «كل قاض هو قائم بذاته، وقراره أُخذ من قلبه وضميره». الخلاف بين تقرير المحامية ساسون وبين تقرير القاضي ادموند ليفي ليس خلافا مهنيا فقط بين قانونيين، بل يكمن ايضا في الاختلاف القيمي حول حقنا في هذه البلاد. ويتوقع أن يتم حسم هذا الموضوع الوجودي بشكل سياسي ديمقراطي وليس بشكل قانوني.