بـيريـس عمــل فـي كـل المـنـاصـب لكـنّـه بقي "ولداً خارجـيـاً"

20161609200705
حجم الخط

في نهاية المطاف بقي ولدا خارجيا. في الايام التي كان فيها «البلماح» والجيش الاسرائيلي والعمليات والاقتحامات بطولية، لم يكن شمعون بيريس بطلا. في الدولة التي تعتبر أي لهجة غريبة أمرا سيئا، بيريس مع لهجة الايديش الخفيفة. في الدولة التي اخترعت اليهودي الجديد – الصبار، المتسفع، الجندي، المغامر والجريء – هو كان اليهودي القديم، ابن الشتات. البنادق التي لم يسبق أن أصدرت صوتها بجانب أذنه هي التي قررت مصيره الى الأبد. في الدولة التي عمل مع نخبتها ثلاثة اجيال، كان ولدا خارجيا أبديا.
ومثل كل ولد خارجي فقد عمل طوال حياته من اجل التخلص من ذلك. أراد أن يكون مقبولا ومحبوبا على الجميع. كم كان مؤثرا حين قال وهو مصمم إنه كان قائد سلاح البحرية الفعلي – في نيسان 1949 تم تعيينه بضعة اشهر لمنصب «رئيس خدمات المياه»، يمكن أنه لهذا السبب انجذب للجانب الامني، وسخر معظم حياته من اجل الامور المتعلقة بالأمن، سواء أكان ذلك ضروريا أم لا.
كم كان مؤثرا رؤيته حين خرج من أحد لقاءاته الاخيرة مع موشيه ديان، عندما قال لي وعيونه لامعة: «هل رأيت كم من الوقت جلس معي؟». ديان كان في حينه غير مؤثر و كان بيريس كل شيء. لكن ديان كان بطلا وابن البلاد أما بيريس فلا. ويغئال ألون واسحق رابين اللذان كانا من أعدائه اللدودين هما ايضا كانا بطلين من أبناء البلاد، أما بيريس فلا. هم عرفوا ذلك وهو عرف ذلك. وأعتقد أنه كان يحسدهم.
ابطال المرحلة من ابناء جيله لم يُقدروه. سافر ذات مرة مع رابين الى تنزانيا، وصور رابين طوال الوقت بالكاميرا التي كانت معه. وأثار هذا الامر سخط بيريس الذي لم تكن له هواية في حياته سوى عمله. واعتقد بيريس أنه هناك في تنزانيا وضعت بذور الخلاف بين الاثنين. لكن السلبية التي تعاطى بها رابين وألون كانت أكثر كثيرا من السلبية التي تعاطى بها بيريس. لقد تحفظوا على من لم يكن منتميا لهم. سمعت من رابين وألون كلمات احتقار تجاهه، ولم أسمع منه كلمات احتقار تجاههما.
الولد الذي أراد الحب لم يحصل عليه: يصعب التفكير في أحد يحبه فعلا في تلك الايام. هناك من كان يحترمه، لكن قلة أحبته. أحبوا ابن البلاد وخصوصا في الخارج، حيث اعتبر شخصية إسرائيلية مثيولوجية. لذلك لم يسبق أن نجح هنا في الانتخابات. يمكن أن هذا بالذات يعبر عن سعيه اللانهائي وراء الحب الذي منع عنه. بعد كل مؤتمر شعبي، في فرع الحزب الاكثر بُعداً ومع دزينة من النشطاء كبار السن، كان يسأل في السيارة في طريق العودة في منتصف الليل وقبل أن ينام: «كيف كنت؟». كان يحتاج جداً الى العناق.
قد يكون هذا أحد المفاتيح لتحليل الشخص الذي كان كل شيء – لا يوجد منصب لم يعمل فيه – ومع ذلك أنهى طريقه الطويلة بشعور أنه أشبه بسياسي لا ينسى، أشبه ببطل قومي، أشبه بمن يدخل التاريخ، ابن الخارج الذي أراد الحب، اعتقد الجميع أنه سيحصل عليه اذا قام بارضاء الجميع؛ لذلك لم يذهب أبدا حتى النهاية. لم يحارب الاغلبية ولم يقف في وجه الرياح ولم يخرج ضد معسكره.
اعتقد أن الارضاء يمر بالحل الوسط مع الجميع، لكنه في نهاية المطاف لم يرض أحداً. وحصل على ما يريد فقط في منصبه الاخير: كرئيس كان يفترض أن يرضي الجميع، وفي المقابل منحه الشعب ما كان يريده دائما. تغير الوقت وتغيّر الابطال وتغيرت معهم المرحلة وتحول الولد الخارجي أخيرا الى ابن مكمل للطريق.
عملت معه في سنواته السيئة، حيث تنافس في حينه أمام مناحيم بيغن واسحق رابين، وكلاهما قام بتعذيبه بالقدر ذاته. الحب المتأخر لم يبق في الذاكرة، وبدلا منه بقيت حبات البندورة العفنة، وقد وقف كصخرة صلبة أمام الاستخفاف. إنه الولد الخارجي الذي أراد جدا أن يكون محبوبا.