كتب: احمد سمير القدرة
الحكم الرشيد ضرورة فلسطينية يرتبط مفهوم الحكم الرشيد وعناصره إلى حد كبير بمفهوم الديمقراطية وحقوق الإنسان والتنمية والأمن والاستقرار, متصلة ومرتبطة ببعضها البعض, كون أن أي مجتمع ديمقراطي يكون قائم على احترام حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير والمحاسبة والشفافية وسيادة القانون والفصل بين السلطات الثلاثة ودورية الانتخابات والتداول السلمي للسلطة والمشاركة والتعددية السياسية.
والحكم الرشيد وفق ما عرفه برنامج إدارة الحكم في الدول العربية فهو: إدارة الحكم التي تعزز وتدعم وتصون رفاه الإنسان وتوسع قدراته وخياراته وفرصه وحرياته السياسة والاقتصادية والاجتماعية والثقافية, وهو قائم على مبادئ الإنصاف والمشاركة والشفافية والمسائلة وحكم القانون, وتتم ممارسته بواسطة مجموعة من المؤسسات التي تمثل الشعب تمثلاً كاملاً, وتهدف إلى تحقيق التقدم والتنمية من خلال تركيز الأولويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية على إجماع مجتمعي واسع النطاق, يضمن إشراك الفئات الأشد فقراً وضعفاً في عملية صنع القرار.
إن تحقيق الحكم الرشيد يتطلب تعاون واتصال بين الدولة من خلال المؤسسات الحكومة التابعة لها وبين المؤسسات الغير حكومية – منظمات المجتمع المدني – والقطاع الخاص, فكل جهة تقوم بالدور والمهام المنوطة بها, للوصول إلى الغاية المرجوة بتحقيق الحكم الرشيد, من خلال تنسيق المهام والأدوار والوظائف وتبادل المعلومات والتقارير والمقترحات والمشاريع والخبرات. يهدف الحُكم الرشيد إلى تعزيز وترسيخ مبادئ الديمقراطية ودورية الانتخابات والمشاركة السياسية والتعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة والفصل بين السلطات الثلاثة وسيادة القانون وقبول الآخر والتوافق بين المكونات السياسية والاجتماعية واحترام الحريات العامة واحترام حرية التعبير والرأي, ومحاربة الفوضى والفساد والمحسوبية والواسطة, وعدم التمييز والإقصاء, وتحقيق المساواة وتكافؤ الفرص بين كافة شرائح المجتمع, كما يهدف الحُكم الرشيد إلى تحقيق مصالح الشعب والعمل على تطوير المجتمع والسمو والرقي به, كما ويهدف الحُكم الرشيد إلى الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي, والحفاظ على فاعلية النظام السياسي وقدرته على التعامل مع كافة المتغيرات والتحديات التي قد تتعرض لها بيئة عمل النظام السياسي سواء داخلياً أو خارجياً, كما أنه يهدف إلى توفير قنوات اتصال وتواصل بين الحاكم والمحكوم وفق الآليات التي يحددها القانون. ومن خلال ما سبق يمكن طرح التساؤل التالي, هل يمكن اعتبار الحُكم في فلسطين حُكماً رشيداً ويعتمد على المعايير سالفة الذكر في الحُكم؟ منذ اللحظة الأولى للانقسام الفلسطيني سقطت كل القيم والمعايير سالفة الذكر وغابت معها معالم الحُكم الرشيد بشكل عام في الأراضي الفلسطينية, فقد أوجد الانقسام حكومتين إحداهما في الضفة الغربية والأخرى في قطاع غزة, وبعد جهود حثيثة وحوارات ومبادرات تم تشكيل حكومة الوفاق الوطني الفلسطيني, مهمتها الرئيسية تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية وتجاوز وحل كافة الخلافات والآثار الناجمة عن الانقسام من المشاكل والتحديات التي أضرت بالمصلحة الوطنية الفلسطينية, والبدء في عملية الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي, وإعادة الشرعية لكافة المؤسسات الفلسطينية.
إن غياب معايير وأسس الحُكم الرشيد ساهمت بشكل كبير في توفير بيئة وأرضية خصبة لحدوث واستمرار الانقسام وتجذره, كما أن غياب تلك الأسس والمعايير أثرت على مستوى رفاه الإنسان وقدراته وخياراته وفرصه وحريته السياسية والاقتصادية والاجتماعية, كما زاد من حالات تهميش الكفاءات والخبرات والعقول والطاقات البشرية, فتعطلت مجالات التنمية سواء سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية وما إلى غيرها من مجالات التنمية, كما زادت حالات الفقر والبطالة وانتشار الجريمة, وتفاقم المشاكل الحياتية, وزاد من عُمق الحرمان والتمييز والاقصاء بين فئات المجتمع التي تُولد يوماً بعد آخر حالة من الاحتقان وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي, كما شكل غياب الحُكم الرشيد القدرة على التوصل لرؤية استراتيجية توافقية حول كافة القضايا المجتمعية والوطنية. إن حالة عدم الثقة بين طرفي الانقسام حركتي (فتح وحماس) من جهة, وحركة حماس وحكومة الوفاق من جهة أخرى, وغياب الدور المؤثر لباقي الفصائل الفلسطينية من جهة ثالثة, أعاقت كل الجهود المبذولة لإنهاء الانقسام وإتمام المصالحة, فلم يُنجز أي ملف من ملفات اتفاق المصالحة حتى هذه اللحظة, ولم تُحل أي مشكلة من مشاكل قطاع غزة, وذلك بسبب عدم جدية الطرفين وعدم صدق النوايا, والاعتراض على كل الأفكار والحلول والمقترحات التي تُطرح من أجل تضييق الفجوة بين طرفي الانقسام للتقدم خطوة أخرى في طريق المصالحة الفلسطينية, إلى جانب الاستمرار في حالة التراشق السياسي والإعلامي وتبادل الاتهامات, وغياب المسؤولية الحقيقية واستشعار المخاطر التي تحيط بالقضية الفلسطينية, وعدم الإحساس بمعاناة الشعب المتفاقمة في ظل استمرار الحصار واغلاق معبر رفح. إن إتمام المصالحة هدف استراتيجي وضرورة وطنية يتطلب على الجميع السعي جاهداً لإتمامها وانجاحها, كما أن تطبيق الحُكم الرشيد ضرورة ومصلحة وطنية تؤسس لنظام حُكم ديمقراطي يؤمن بالمشاركة والتعددية السياسية وقبول الآخر والحفاظ على دورية الانتخابات والتداول السلمي للسلطة والحفاظ على شرعية المؤسسات وتحقيق العدالة والمساواة بين كافة شرائح وأفراد المجتمع دون تمييز وتفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني واشراكها في عملية صنع القرار والاهتمام بمشاريع التنمية والتطوير وتقديم الخدمات وتوفير الفرص للمواطن من أجل توفير الحياة كريمة له في وطنه, والتصدي لكافة أشكال وأنماط الفساد والمحسوبية من خلال تعزيز مبدأ الشفافية والمسائلة والرقابة والعدالة وسيادة واحترام القانون, لتكون نقطة انطلاق نحو بناء وقيام الدولة الفلسطينية وتجنب وتفادي لأي مظهر من مظاهر الانقسام والانفصال في المستقبل. الحكم الرشيد يجب أن يُفعل ويتم تطبيقه لحماية النظام والحكومة والمجتمع, وتجنيبه من أي مآسي وكوارث قد تحدث في المستقبل، لتوفير مقومات وأسس الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية السليمة، ضمن مجتمع متعدد الأفكار والآراء, ولتوفير مقومات الصمود والتحدي والبقاء, والتصدي لكافة المخططات والمشاريع الهادفة إلى إنهاء القضية الفلسطينية.