على أعتاب تمرين الجبهة الداخلية، هذا الاسبوع، نشرت في الصحف خطوط حول الحرب القادمة، التي يحاول التمرين توقع شكلها. يتبين أن الجيش الاسرائيلي يعتقد بأنها ستكون حرب صواريخ، بمثابة تكرار لحرب لبنان الثانية وعمليات "عمود السحاب" و"الجرف الصامد".
عدد الصواريخ لدى "حزب الله" و"حماس" ومعهما سورية وايران تبلغ 230 ألف صاروخ، 5 في المئة منها بعيدة المدى وبعضها يتميز بالقوة والدقة. يتوقع الجيش الاسرائيلي أنه سيطلق بين 1000 الى 1500 صاروخ على اسرائيل يوميا، الامر الذي قد يتسبب بآلاف الاصابات في المناطق المأهولة ومئات الاصابات في اوساط السكان المدنيين في اسرائيل. ويتبين من التمرين أن الجيش الاسرائيلي مستعد لامكانية دخول مقاتلي "حزب الله" أو "حماس" إلى مواقع أو مناطق إسرائيلية حدودية.
ويتضح من كل ذلك بالطبع أن اسرائيل لم تجد الحل بعد لهذا التحدي الأمني الذي تواجهه منذ عقدين – تهديد صواريخ "حزب الله" و"حماس".
صحيح أن إسرائيل نجحت في فرض الهدوء المتواصل على طول الحدود الشمالية والجنوبية أيضا، لكن ثمن هذا الهدوء – عمليا مغزى الردع المتبادل السائد بين اسرائيل و"حزب الله" و"حماس" – هو زيادة كبيرة تصل الى ضعفين أو ثلاثة اضعاف لكمية الصواريخ ونوعييتها الموجودة لدى هذه المنظمات، وكل ذلك تحت عيون اسرائيل نصف المفتوحة التي فضلت تأجيل المواجهة والحفاظ بأي ثمن على الهدوء الى حين يأتي الغضب.
تظهر قصة التدريب الى أي حد بأن حرب يأجوج ومأجوج كهذه هي واقعية.
ففي نهاية المطاف لا أحد في المنطقة، لا نصر الله ولا قادة "حماس"، لهم مصلحة في إشعال الحدود والانجرار الى حرب شاملة ضد إسرائيل.
ففي النهاية، ما لا يتم التدرب عليه هو قوة الرد الاسرائيلية في حال تعرضنا للهجوم.
قوة اصابة جنوب لبنان قد تكون مؤلمة أكثر من تلك التي تعرض لها الشيعة في حرب لبنان الثانية أو التي تعرض لها السكان في غزة في المواجهة السابقة مع اسرائيل.
لكن الشرق الاوسط معتاد على الحروب التي تندلع رغم عدم وجود رغبة فيها. تكفي حادثة ما أو خطأ ما من اجل حدوث التدهور وفقدان السيطرة.
ويشير إطلاق الصواريخ من سورية على الطائرات الاسرائيلية، الاسبوع الماضي، الى زيادة الثقة بالنفس في الطرف الثاني من الحدود، ويمكن أن نصر الله ايضا، وليس الاسد وحده، يشعر بالثقة الزائدة، حيث إن روسيا عادت الى المنطقة لتحارب الى جانبهما في سورية وتمنحهما الغطاء والدعم.
إن ذكر روسيا لا ينفصل عن هذا الامر. لأنه في أي تدهور مستقبلي ستلعب روسيا دورا مهما، بل ايجابي، من اجل فرض الاستقرار. في العام 1967 كان ذلك الاتحاد السوفييتي الذي دهور المنطقة نحو الحرب. ولكن منذ ذلك الحين، ولا سيما في السنوات الاخيرة، يبدو أن روسيا ومعها الولايات المتحدة فقدتا تأثيرهما فيما يحدث في المنطقة. والآن عادت روسيا للعب دور مؤثر في المنطقة.
توجد لموسكو علاقات جيدة، سواء مع اسرائيل أو مع سورية وايران، وبشكل غير مباشر مع "حزب الله" ايضا، ولأن روسيا ليست بحاجة الى المواجهة التي قد تضر بمصالحها في المنطقة، وبمن تعتبرهم حلفاء، ومن ضمنهم اسرائيل، فانه يمكنها العمل على منع التدهور واجبار الاطراف على التوقف للحظة قبل الهاوية. هذا يعني بشكل مؤكد تقييد حرية عمل اسرائيل في حال عدم ملاءمة هذا العمل رغبة موسكو.
وفي الختام، ميزة اسرائيل ستكون في قدرتها على الدفاع عن الجبهة الداخلية وقدرة تحمل وصمود السكان المدنيين. ففي الدفاع لا يتم الانتصار في الحرب. على اسرائيل الاستعداد لتوجيه ضربة للعدو لا يستطيع النهوض بعدها، الامر الذي سيُمكنها من فرض الشروط النهائية التي ستمنع، خلافا للمواجهات السابقة، العودة السريعة للعدو وبدء العد من أجل المواجهة القادمة.