على كرسيه الشهير وأمام ميكروفونه جلس هو بهيبته ومكانته الرفيعة يفسر كلمات الله في قرآنه الكريم، يجلس أمامه عشرات الرجال وربما مئات وأكثر، وخلف شاشات التلفزيون، كان الجمهور يجتمع عقب صلاة الجمعة ليتسمر أمام شاشته الصغيرة لرؤية وجهه البشوش وسماع كلامه اللين وتفسيره البسيط المفهوم.
استطاع هو أن يجمع بين حب كل فئات الشعب، البسطاء والأغنياء، المتعلمين وغير المتعلمين، فهو وحده ربما من استطاع أن يجدد شكل تفسير القرآن والدعوة بشكل لم تشهده مصر من قبل، إنه أعظم من أنجبت مصر في نظر الكثيرين، إمام الدعاة، كما أطلق عليه، أيقونة علماء الدين في مصر في القرن العشرين، وزير أوقاف مصر الأسبق، الذي ناداه البعض باسم "أمين" لكن جموع الشعب عرفه باسمه الحقيقي الذي لا يمكن أن ينساه أحدًا، إنه ببساطة محمد متولي الشعرواي.
ونشرت مقطتفات من مذكرات "الشيخ الشعراوي"، والتي نشرت في كتاب يحمل اسم "مذكرات إمام الدعاة" وكتبه محمد زايد نقلًا عن روايات الشعراوي نفسه بكلماته ومفرداته، ونشر الكتاب لأول مرة في 27 يونيو عام 1998.
«أتذكر عندما ذهب بي أبي إلى كُتاب سيدنا أول مرة، وقال له اكسر له ضلعًا وأنا أعالجه، أخذت من هذا قاعدة. لقد كان سيدنا قاسيًا علي دون غيري، وكنت أجدها قسوة غير منطقية، لأنه كان هناك أناس غيري على قدر حالهم، يأتون لسيدنا بالخبز على الأكثر كل يوم خميس، وأما نحن، فكنا نحمل إلى سيدنا من كل ما يدخل بيتنا، فقلت لنفسي: (بقى الذي يكرمه يكسر له ضلعًا، ويسبني ويلعن أبويا، ويقول لي تعال يا ابن (…) حتى اشتكيت إلى أمي، فقالت لأبي: (قل للشيخ يخف على الواد شوية).
فسألها: (سيدنا بيعمل إيه؟ فقالت له: (بيعمل كذا وكذا وكذا)، فرد أبويا عليها: (يبقى عمل بالوصية).. إذن أبويا عندما قال لسيدنا (أنا بأوصيك عليه) كانت كلمة (عليه) هذه تعني الشدة، بما يدل على أن المربي حين حين يكون فاضلًا يقسو على من يحب، إذن هناك فرق بين أوصيك بكذا، وبين أوصيك على فلان، ومعناها إياك أن تأخذك به الرأفة حين ينحرف وتقول هذا ابن حبيبي، ولا ابن مش عارف إيه، ولما يكون خيره أكثر، لازم تكون الشدة أكثر.
وبقيت هذه المسألة في نفسي إلى أن كنا في الكلية، وقال لي الشيخ يوسف نجاتي بلغة الشعر: (فقسى ليزدجروا)، فرويت له حكايتي السابقة في كتاب سيدنا، ولذلك فتربية المحب للمحب فيها قسوة، ومن هنا، كان سيدنا الشيخ عبدالرحمن عندما يحدث أي شيء من غيري كان يمكن أن يغفر له، ولكن لا يغفره لي.
وعندما كبرت، وأخذت الشهادة الابتدائية، وجدت سيدنا الشيخ جالسًا في المسجد يسمعني وأنا أعظ، وسألني: (القلم اللي خدته على صدغك عمل إيه؟)، فقلت له: (جزاك الله كل خير).
وتذكرت كلمة الفلاحين وقتها: (بارك الله فيمن بكاني وبكى علي، ولا بارك الله فيمن أضحكني وأضحك الناس علي) وأخذناها قاعدة من هنا، من أيام الطفولة.