تحاول السلطات القضائية والأمنية في إسرائيل التنصل من الربط بين تصريح النائب عن حزب التجمع باسل غطاس بوصفه الرئيس الإسرائيلي الأسبق شمعون بيريس، وهو على فراش المرض بأنه "طاغية مغطّى بالدم ومجرم حرب" وبين عملية المطاردة السياسية الساخنة لحزب التجمع من خلال اعتقال أكثر من 20 عضواً بارزاً بشكل مفاجئ بدعوى تورط الحزب بعملية احتيال بملايين الشواكل، بعد قيام قيادة الحزب، حسب ادعاء الشرطة بإخفاء مصادر ملايين الشواكل التي حصل عليها عن طريق تبرعات خارجية، مدعية ـ قيادة الحزب ـ بأنها تبرعات من مواطنين وجهات محلية، وذلك استناداً إلى تقارير ما يسمى "مراقب الدولة" ورغم أن عملية الاعتقال لم تطل أعضاء الحزب في الكنيست إلاّ أنها طالت محامين ومدققي حسابات وأعضاء ليس لهم علاقة بالمسائل المالية، الأمر الذي يشير إلى أن حملة الاعتقالات في اطار "المطاردة السياسية الساخنة" ما هي إلاّ أحد أشكال ملاحقة التجمعات السياسية العربية التي انتهجتها الدولة العبرية منذ قيامها.
تقرير مراقب الدولة يشير إلى أن تحقيقاً سرياً ومعمقاً أجرته وحدة قطرية بالشرطة الإسرائيلية، تأكدت بعد سلسلة تحقيقات من أن قيادات ونشطاء في حزب التجمع الوطني الديمقراطي قد أداروا خلال السنوات الأخيرة، آلية ممنهجة، من أجل رسم صورة مزيفة حول مصدر ملايين الشواكل التي أدخلت إلى ميزانية الحزب واستخدمت لتمويل أنشطته، هذه الأموال، كما يشتبه حتى الآن، جاءت من مصادر خارجية وداخلية لكن تم الإبلاغ عنها بأنها تبرعات داخلية، خاصة أن التحقيقات ـ كما جاء في تقرير مراقب الدولة ـ أشارت إلى أن الحزب تلقّى قرضاً من جهات ليست مصرفية، خلافاً للقانون الإسرائيلي، كما تلقى الحزب 348 تبرعاً نقدياً بما مجموعه 713 ألف شيكل من دون تصريحات خطية من قبل المتبرعين، لذلك لم تكن هناك إمكانية من التحقق من هُويّة المتبرعين.
وبفرض صحة هذه الاتهامات والشبهات، فإن الإجراء القانوني المتّبع، أن يتم استدعاء المتورطين والمشتبه بهم للتحقيق معهم إما في مراكز الشرطة أو المحاكم، إلاّ أن الأمر هذه المرة كان على خلاف ذلك، إذ تم اقتحام منازل المعتقلين فجراً في منازلهم، كما يجري في ملاحقة النشطاء الفلسطينيين في الضفة الغربية، عملية عسكرية أمنية، لا تمت للقانون أو القضاء أو المحاكم بصلة، لم يتم استدعاء أحد، بل اعتقال مباشر، وبالطبع من دون محامين ومن دون أن يعرف المعتقل في حين اعتقاله سبب هذا الاعتقال، الأمر الذي يشير إلى أن المسألة لم تعد مسألة جنائية أو قضائية، بقدر ما هي تتخذ شكلاً أمنياً بامتياز، وذلك في اطار الملاحقة السياسية الساخنة لممثلي الجمهور العربي في الدولة التي تتغنّى ليل نهار، بديمقراطيتها ودولة لكل مواطنيها، بينما في واقع الأمر، محاولة لإسكات الصوت العربي المناضل ضد الاضطهاد والتمييز والعنصرية والفاشية.
ومع أن المعركة القضائية لم تزل في أولها، إلاّ أننا لاحظنا أن ليس هناك من ردود فعل داعمة للتجمع في اطار المنظومة العربية في فلسطين 1948، خاصة من قبل "القائمة المشتركة" التي تضم حزب التجمع، على الأقل حتى الآن، وباستثناء بيان من هنا ومن هناك، وكذلك بيانات الدعم من قبل فصائل فلسطينية، فإننا نستغرب هذا العزوف عن تأييد التجمع في مواجهة "المطاردة السياسية الساخنة" التي تستهدف الجميع من دون استثناء، وبصرف النظر عن الكثير من الملاحظات وربما الخلافات مع الحزب، فإن الأمر يستدعي الوقوف إلى جانبه، باعتبار ذلك وقوفاً في مواجهة الحملة الإسرائيلية، تحت غطاء القضاء والقانون، للنيل من المجتمع العربي وممثليه لدى الجمهور أو لدى البرلمان ـ الكنيست.
حزب التجمع، الذي يدعو إلى دولة ثنائية القومية، نال الكثير من الأداء والخصوم سواء من قبل بعض الأحزاب العربية أو من جهة أحزاب اليمين الإسرائيلية، إلاّ أنه يسجل تاريخاً نضالياً مشهوداً له، فقد قام بعض قياداته ونشطائه بزيارة لعائلات فلسطينية بعد استشهاد أبنائهم في عمليات ضد الإسرائيليين، وتم إبعاد اثنين من أعضاء الكنيست عن البرلمان الإسرائيلي لمدة أربعة أشهر وثالثهم لمدة شهرين، كما أن حزب التجمع كان في اطار الموقف العربي الموحد داخل 1948 في مواجهة الحروب الإسرائيلية على قطاع غزة، وكافة الإجراءات والاعتداءات في الضفة الغربية المحتلة.
لا يمكن في هذا السياق، الادعاء بأن اعتقال قيادات وكوادر حزب التجمع يأتي في اطار قانوني، أو بمعزل عن تصريحات غطاس، فللتوقيت في هذا الاطار مغزى بالغ الأهمية، فالملفات في أدراج أجهزة الأمن ومراقب الدولة، بانتظار أي حدث، لكي تخرج من الأدراج، ولن تكون هناك أي صعوبات في تحديد التهم والشبهات!!