لم تَعُدْ النظرياتُ الأكاديمية القديمة معتمدةً في ألفيتنا الثالثة، فحين يُجاب عن السؤال:
ما السلطةُ الأولى في الدول؟ يقال:
السلطاتُ أربعٌ، السلطة التشريعية، ثم القضائية، ثم التنفيذية، ثم السلطة الرابعة الإعلامية!
من المعلوم أن السلطة التشريعية، تكون دائما في يد الحزب الأقوى في البرلمان، وهو، أي الحزب، يُشكل في النهاية السلطة التنفيذية، لذا فإن هذه السلطات تظل مجرد شعارات في أكثر الدول، لأن الشرط الرئيس لتحقيق العدالة، يكون باستقلال السلطات الثلاث، عن بعضها.
استعدتُ قصة السلطات الثلاث، أو، السلطات الأربع، وأنا أشاهد برنامجا تلفزيونيا مشهورا، يُعدُّه الإعلاميُ اللبناني، جورج قرداحي، وهو برنامج( المسامح كريم)، فقد أيقنتُ بعد متابعة حلقة خطيرة، باسم، (ثأر بين الصعايدة) أنَّ ترتيب السلطات الأربع، قد تغيَّر بالفعل!
فالسلطة الأولى، لم تعد هي السلطة التشريعية، بل هي سلطة الإعلام، بلا مُنازع.
فقد تمكن جورج قرداحي، في برنامجٍ، مُدَّتُه أقلَّ من ساعةٍ، أن يُصلح ثأرا قديما، بين قبيلتين صعيديتين، منذ عشر سنوات، أدَّتْ إلى ترحيلهما، وقتل أكثر من اثني عشر فردا منهما.
ما عزَّز وجهة نظري، أقوال الخصمين: لم تُفلح جهودُ الوسطاء خلال عقد من السنوات الفائتة في حلِّ هذا الصراع الثأري القبلي، بينما نجح برنامجٌ تلفزيونيٌ إعلاميٌ قصير في حلِّ هذا النزاع، كما أن أحد الخصوم أشار إلى أن الوُسطاءَ كانوا مِن كل المستويات، مِن رجال الدِّين، ومِن زعماء السياسة المصريين، ومن شيوخ القبائل الصعيدية، ومن مسؤولي الحكومة، كلُّ هؤلاء فشلوا في حلِّ قضية الثأر!
علينا إذن أن نعترف بأن مقاليد الأمور في عالم اليوم أصبحتْ بيد الإعلام، وهو القائد الحربي الأول، وما القنوات التلفزيونية والإعلامية، سوى جيوشٍ مكونة من ألوية وكتائب، لها مجندون، ومخططون إعلاميون (حربيون) يضعون لمسات الخطة الأولى القادمة، في شكل المخططِ وأهدافِ الوسيلة الإعلامية، وغاياتِها، وآخرون يجمعون التفاصيل، في صورة مراسلين، يرصدون الآثار والنتائج، وما مراسلو الصحف العالمية، والقنوات الفضائية، سوى جنودٍ حقيقيين، ولا غرابةَ حين نراهم يلبسون الزِّيَ العسكري، خوذاتٍ، ودروعا، يوجهون أسلحتهم الفتَّاكة(الكاميرات) إلى الأهداف المطلوبة!
ليس جورج قرداحي سوى أحد أبرز الإعلاميين، أما أبرز القادة الإعلاميين، فهم مالكو الشركات الإعلامية الكبرى:
تايم وورنر، والت ديزني، فياكوم، مردوخ، برتلز مان، وغيرها.
ولا يجب أن يخفى علينا، الآثار التدميرية لسلاح الإعلام الجديد، الذي أنتج سلاحين متناقضين، سلاحَ التواصل الاجتماعي، والأخبار السريعة، ونقيضَه الآخر، سلاح كشف الأسرار، والفضائح!!
مَن يُتابع الإعلام، يتأكد من صحة هذه النظرية، بخاصةٍ منظومةُ ويكيليكس، وهي ليست فردية كما يتوقع كثيرون، أي أنها ليستْ جهدا فرديا، أسَّسَه، المغامر الصحافي الأسترالي، جوليان أسانغ عام 2006، بل إن ويكيليكس تحولت إلى شركة كبرى، لها فقط ستون محاميا من كبار المحامين، وهي تملك أسرار العالم، ولها عددٌ كبيرٌ من الصحف، ووسائل الإعلام، يمكنها أن تُسقط دولا، وتُطيح بزعاماتٍ عديدة في كل أنحاء العالم، في وقتٍ قياسيٍّ سريع!
أما نحن العرب، فلا نزال مختلفين على [تعريفاتٍ] السلطاتِ الأربع الكبرى المهيمنة على العالم!
فهل السلطة التشريعية، في فقهنا المنسوب للدين، هي الشورى؟
أم أنَّها الإجماع؟!!!
أما السلطة التنفيذية، الرقابية فهي أيضا عند كثيرين مِنَّا، تُسمَّى ديوان الحِسبة، لأنَّ كلمة (الرقابة) لفظٌ مُحدثٌ، أي (عَلماني، ملعونٌ ومكروه)!!!