ها هو الأمر يحدث مجدداً. فبعد ايام قليلة من تفاخر سياسي اسرائيلي في قمع «الارهاب» واعادة الهدوء يتفجر الواقع في وجهنا. فقط قبل اربعة ايام تفاخر رئيس بلدية القدس، نير بركات، قائلا إن موجة «الارهاب» انتهت، وها نحن نعد ثماني عمليات ومحاولات تنفيذ عمليات منذ هذا التصريح. أصعبها كان، أول من أمس، في باب الساهرة: طُعن شرطيان كانا في طريقهما للعمل، حيث أصيبت الشرطية باصابة بالغة جدا والشرطي باصابة متوسطة. قبل اسبوع صادف مرور سنة على بداية موجة «الارهاب» الأخيرة. عشية رأس السنة السابقة عاد الكسندر لافلوفيتش الى بيته. وفي الطريق رشق شباب من صور باهر الحجارة وأصابوا سيارته ففقد لافلوفيتش السيطرة على السيارة واصطدم بعامود، وفارق الحياة في المستشفى. كانت هذه هي الحادثة الاولى التي أشارت الى بدء موجة العمليات سنة 2015. وقريبا من عيد الفصح ساد بعض الهدوء النسبي وكذلك في فترة الصيف ايضا. ومر شهر رمضان والتاسع من آب العبري بهدوء. وفي الاسابيع الاخيرة بدأ السياسيون بالربت على أكتاف بعضهم.
تفوق عليهم جميعا رئيس بلدية القدس الذي تفاخر مرة تلو الاخرى في لقاءات كثيرة مع نشطاء «الليكود» بالنجاح في قمع «الارهاب». وقبل اسبوعين قال باسهاب لنشطاء الحزب كيف أن الدمج بين العقاب الجماعي (عن طريق الحواجز) والعقاب الاداري (عن طريق المخالفات وزيادة الرقابة في الامور البلدية تجاه العائلات التي اشتبه بأبنائها بالقيام بالاخلال بالنظام و»الارهاب») قد أديا الى التهدئة.
«جلسنا مع الشاباك والشرطة وقمنا بتطوير نماذج لا توجد في أي مكان آخر»، قال بركات. «فجأة فهم السكان السيئون أن الاجهزة الحكومية تعرف كيفية العمل معا. وبشكل مفاجئ أصبح من غير المريح أن تكون شيطانيا، وليس مريحا أن تكون في الطرف الثاني». وعاد رئيس البلدية واستخدم كليشيه العصا والجزرة وكأن سكان شرقي القدس هم أولاد يجب تربيتهم، وكأنهم ليسوا أناساً بالغين يدركون أنهم يعيشون تحت الاحتلال. أول من أمس بعد العملية كان يمكن ملاحظة ارتفاع درجة في العقاب الجماعي. وبذريعة التحقيق الواهية أمر قائد منطقة القدس، يورام هليفي، باغلاق عشرات المحلات التجارية في الشوارع القريبة من موقع العملية.
لا يمكن الغاء امكانية أن الخطوات التي تفاخر بها بركات قد أدت الى تراجع العنف الشعبي في جزء من أحياء شرقي القدس. وفي جميع الحالات لا يعني هذا أن هذه الخطوات أصبحت قانونية أو اخلاقية. ولكن يمكن القول إن الهدوء جاء بفضل عدد من الخطوات التي اتخذتها اسرائيل فيما يتعلق بالحرم: وقف القيود على الزيارات الجماعية للحرم من قبل المسلمين، منع ذهاب اعضاء الكنيست الى الحرم، وتقليص عدد الزوار اليهود في الحرم. وقد اتفق رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، وعبد الله، ملك الاردن، على هذه الخطوات بوساطة اميركية.
ومثلما في موجات «الارهاب» السابقة يصعب وضع الاصبع على العامل المسبب الذي يحرك الشباب الفلسطينيين حاملي السكاكين. في الاسابيع الماضية طُرحت ادعاءات الفلسطينيين حول محاولات اسرائيليين الاخلال بالوضع الراهن في الحرم وتوسيع زيارات اليهود في المكان. وتصاعد التوتر، الاثنين الماضي، عندما تم منع مجموعات من المصلين المسلمين من الدخول الى الحرم واضطروا للصلاة خارجه. ويمكن أن نضيف الى ذلك التوتر بين الأوقاف والسلطات الاسرائيلية حول اعمال الترميم التي أرادت الأوقاف الاسلامية القيام بها في الحرم وفي محيطه.
حادثة اخرى مرت تحت رادار الجمهور الاسرائيلي كانت اخلاء عائلة تسكن في مبنى قريب من باب الساهرة من قبل جمعية عطيرت كوهنيم في الاسبوع الماضي. استكمل اخلاء العائلة السيطرة على المبنى الاستراتيجي الكبير في الحي الاسلامي من قبل جمعية المستوطنين. والعملية، أول من أمس، حدثت على مسافة قريبة جدا من البيت الذي تم اخلاؤه. ومنفذ العملية نفسه، أيمن الكرد، هو ابن عائلة من شرقي القدس، اشتُهرت بنضالها الجماهيري بعد اخلائها من منطقة الشيخ جراح لصالح المستوطنين.
إن التوتر في موضوع الحرم في نهاية المطاف هو مصطنع الى درجة كبيرة، ويتغذى من جهات متطرفة تستخدم النقاش غير العقلاني حول رغبة اسرائيل بالاضرار بالوضع الراهن في الحرم. ولكن غياب ثقة الفلسطينيين بحكومة نتنياهو يشكل الارضية الخصبة من اجل زيادة هذه الاتهامات. ويضاف الى ذلك الرغبة في تقليد عمليات سابقة والرغبة في الانتقام. حقيقة أن هجوم يوم الجمعة في باب العمود قد انتهى بموت «المخرب» الاردني ساهمت كما يبدو في وجود الاستعداد لدى «المخرب»، أول من أمس، صباحاً.
القلق الحقيقي هو أننا ما زلنا أمام الفترة الأكثر توترا في العام – فترة الأعياد. يجب على متخذي القرارات أن يفهموا بأنهم يعملون في واقع غير عقلاني، حيث يوجد لمشاعر التهديد الجماعي الوهمي تأثير أكبر من تأثير الواقع. ويفضل أن يضبطوا أنفسهم قبل أن يعتبروا أنفسهم مُنتصرين على «الارهاب».