«تسهيلات» إسرائيلية.. ما هو الثمن ؟!

02
حجم الخط

بقلم / هاني حبيب

بعيداً عن السياسة والسياسيين، وبدون اتفاقات وتوافقات ومفاوضات، وبلا جهود وضغوط «المنسق الأميركي» وحيث لا تدخل من الرباعية الدولية، تلقف المستوى الأمني الأمر، واتخذ خطوات ملموسة ومفاجئة في اطار ما يسمى «بتحسين حياة الفلسطينيين» فقبل أيام قليلة، تم افتتاح مراكز للشرطة الفلسطينية في البلدات القريبة من القدس، خاصة قرية الرام، بعدما استغلت عناصر الإجرام، غياب الشرطة الفلسطينية، وانشغال القوات الإسرائيلية بما يسمى بـ «الارهاب» ومواجهته، لكي تصبح هذه المناطق مرتعاً للجرائم العادية، والجرائم المنظمة وقد كان رد الفعل الفلسطيني على هذه الخطوة إيجابياً، رئيس بلدية الرام اعتبر هذا الأمر خطوة ستتبعها خطوات صغيرة باتجاه الاستقلال الوطني.
بالأمس، وفي خطوة صغيرة أخرى، سمحت إسرائيل للمرة الأولى منذ خمسة عشر عاماً، بدخول سيارات فلسطينية إلى القدس المحتلة، عندما تمكن مئة طبيب من بيت لحم والخليل من دخول العاصمة الفلسطينية بسياراتهم التي تحمل لوحات تسجيل فلسطينية. منسق الحكومة الإسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة يولي مردخاي قال «ان خطوات أخرى على هذا الصعيد ستتخذ قريباً، لكي يتم السماح للتجار ورجال الاقتصاد الدخول إلى القدس بسياراتهم الفلسطينية».
منذ فترة قصيرة، سمحت إسرائيل بدخول الرجال الفلسطينيين من سن 55 عاماً، والنساء من سن 50 بدخول القدس دون تصاريح، كما انها سمحت أكثر من مرة، وفي فترات محددة بالدخول إلى إسرائيل عبر مجموعات وأفراد بتصاريح يمكن الحصول عليها بسهولة، هذا في الوقت الذي أعلنت فيه إسرائيل، أنها وافقت فعلاً على بناء منطقتين صناعيتين في الخليل وقلقيلية، تصنف على أنها مناطق «ج» الخاضعة كلياً للسيطرة الأمنية الإسرائيلية.
«خطوات صغيرة» حقاً، لكن كل منها، كانت بحاجة إلى أن تناقش وتوضع في اطار من الأولويات والمطالب، والأهم من ذلك «المقابل» لكل خطوة، لو أن هذه الخطوات الصغيرة، تم التعامل معها من خلال مفاوضات ومناقشات الساسة من الجانبين، من البديهي، في هذه الحال، أن لا يم تحقيق أية خطوة صغيرة، في اطار الخطوات المتبادلة من الطرف الآخر، الفلسطيني في هذه الحال، المفاجئ في هذه الخطوات الصغيرة، أنها اتخذت في الوقت الذي اتخذت فيه القيادة الفلسطينية وبتوصية أو قرار من المجلس المركزي الفلسطيني، بوقف التنسيق مع إسرائيل بكل أشكاله بما فيها التنسيق الأمني، الأمر الذي يثير العديد من التساؤلات المحيّرة!!
وسائل الإعلام الإسرائيلية، وصفت هذه الخطوات بأنها مجرد عودة لما قبل اتفاق أوسلو، عودة بطيئة وحذرة لكن متواصلة، يعود ذلك إلى توجهات المستويات الأمنية، الجيش وأجهزة الاستخبارات، التي ترى أن تزايد احباط الفلسطينيين من القيود التي فرضت عليهم، بالتنقل والتجارة، ستؤدي اليوم، أو بالغد، إلى اندلاع انتفاضة جديدة، لن يكون بوسع أحد الوقوف في وجهها، إن تحسين حياة الفلسطينيين هول السبيل الأنجع، لوقف أي تفكير بالانتفاضة، في حين ان هذه الخطوات الصغيرة، لن تمنع من أن تبقى كل المنطقة الخاضعة للسلطة الوطنية، وكأنها المنطقة «ج» إذ ان القوات الإسرائيلية تسرح وتمرح في عموم الضفة الغربية وتتحرك أمنياً في كل مكان، من دون أية قيود أو مسميات أبجدية، والأمر سيبقى على حاله إن اقتضت الضرورة ذلك.
كما أن القرار الفلسطيني، بوقف التنسيق الأمني، ظل مجرد قرار، مجمد من الناحية العملية، ورغم الأصوات الداعية إلى تنفيذه، فإن «الخطوات الصغيرة» هذه ستشجع أبو مازن على الإبقاء على قرار وقف التنسيق الأمني مجرد قرار لا قيمة له من الناحية العملية، وسيستند إلى هذه الخطوات لتبرير وقف قرار وقف التنسيق الأمني، على الأقل، هذه وجهة نظر بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية التي بررت توقيت اتخاذ المستوى الأمني، بعيداً عن المستوى السياسي (!) هذه الخطوات الصغيرة.
بوسع إسرائيل الآن أن تقول إنها تسمح بخطوات واضحة ومتتابعة، من شأنها تحسين حياة الفلسطينيين «دون مقابل» في الوقت الذي يقوم الجانب الفلسطيني باتخاذ خطوات انفرادية، بالتوجه إلى الأمم المتحدة والجنائية الدولية، ويقرر وقف التنسيق الأمني، رغم ذلك، فإن كافة الضغوط تتوجه لاتهامها بوضع عراقيل أمام المفاوضات ويحملها مسؤولية التعثر في إيجاد حل للمسائل العالقة التي اعاقت التوصل الى حل الدولتين، ان هذه الخطوات من شأنها إقناع المجتمع الدولي بضرورة توجيه اللوم والضغوط إلى الجانب الفلسطيني وليس إلى إسرائيل التي تقوم بتوفير حياة أفضل للفلسطينيين.
«الخطوات الصغيرة» هذه، كونها تتعلق بحياة المواطنين الفلسطينيين اليومية، تخفي في واقع الأمر حقيقة «الخطوات الكبيرة» التي قام ويقوم بها الاحتلال، بشكل يومي وفي اطار خطط استراتيجية كالاستيطان والتهويد المستمر للعاصمة الفلسطينية، والاعتقالات والمطاردات اليومية للنشطاء في مخيمات ومدن وقرى الضفة الغربية، ناهيك عن الدوافع الاقتصادية لمثل هذه الخطوات، والأهم من ذلك كله، فإن هذه الخطوات، ليست بديلاً بأي حال من الأحوال عن إنهاء الاحتلال، بكافة الوسائل التي يجد فيها الشعب الفلسطيني أداته لاستئصاله من جذوره وقيام دولته الفلسطينية المستقلة على كل الأراضي المحتلة بما فيها العاصمة الفلسطينية!!