الطبيعة ضد اللون

F160209YS03
حجم الخط

اريد القول للمفتش العام للشرطة روني الشيخ ان الأمر الطبيعي الذي يتحدث عنه، ميل افراد الشرطة الى اعتبار كل شاب لون جلده اسود بمثابة مجرم، هي عنصرية، بل الاب الروحي للعنصرية. العنصرية هي امر طبيعي. انها مغروسة في كل واحد منا، البيض والسود، الصفر والحمر. ليس من الحكمة الاعتراف بالجوانب الاقل لطيفة لطبيعة البشر: الحكمة تكمن في محاربتها.

رغبت بقول ذلك، لكنني لم افعل. فلقد كان المفتش العام مشغولا امس  في جولة من المحادثات الهاتفية. لقد تحدث مع نشطاء من الجالية الاثيوبية، ومع سياسيين وصحفيين، وكان هدفه هو تقليص الضرر، لكن النجاح كان جزئيا. كان يمكن للشيخ تنظيم لقاء مع شاب اثيوبي، ومن المفضل ان يكون ضابطا في الجيش، والاعتذار بملء فمه امام الكاميرات، واحتضان وتقبيل الاثيوبي والامساك بيده والسير معا باتجاه الغروب. لكنه ليس مبنيا لذلك.

لقد قال: "خطابي كان مكرسا لقضايا اخرى. وبعد الخطاب وجه الي احد الحضور سؤالا، حول سبب حدوث مواجهات بين الشرطة والاثيوبيين. واذا تم توجيه سؤال الي فيجب علي الاجابة. لقد شرحت بأن الهجرة تؤدي الى ارتقاء كبير في نسبة الجريمة، وبالتأكيد في صفوف الشباب. هذا يميز كل موجات الهجرة في العالم. العائلة تتفكك، ومكانة الآباء تنخفض. توجد مشاكل قاسية في التشغيل، والنتيجة ان نسبة الجريمة بين الشبان اعلى من نسبتهم في المجتمع.

"لقد شرحت بأن الشرطي الذي يرى شابا اثيوبيا، يقوم بوسمه فورا. ويتولد الاحتكاك. ويتطور الحادث الى فتح ملف بتهمة مهاجمة شرطي.

"منذ سنة وربع تعالج الشرطة هذه المشكلة. دخلنا الى هذه المسألة في وقت متأخر جدا، لكننا دخلنا. نحن نتعلم ما الذي يشعر به الشرطي وكيف يواجه ذلك. نحن نعلم قوات الشرطة كيفية التغلب على هذه الخطوة الطبيعية.

"في المقابل فحصنا مجددا ملفات تتعلق بمهاجمة افراد الشرطة، وتم اغلاق ملفات الشبان غير الضالعين في الجرائم. هدفنا هو ليس تصنيف المواطنين الطبيعيين كمجرمين، والعكس صحيح ايضا، عدم تصنيف المجرمين كطبيعيين. نحن نعمل في المدارس التي توجد فيها نسبة عالية من الاثيوبيين".

لقد فهم الشيخ، بعد فوات الأوان، بأن اختيار كلماته كان تعيسا. غضب شبان الجالية، الذي تم كبته بعد موجة المظاهرات الاخيرة، عاد وطفا على السطح، وهذه المرة ركز على الشيخ شخصيا. خلال محادثاته مع النشطاء الاثيوبيين تذمر من التحريض: جهات من خارج الجالية، اعضاء مجموعات متطرفة، فوضوية، شوهت معنى كلماته. انهم لا يريدون مصلحة الجالية، وانما يبحثون عن الفوضى. المحرضون ليسوا من السود بل من البيض تماما.

الشيخ لم يخترع الكلمات من قلبه: مثل هذه الجهات قائمة. شاهدتها في الميدان، في موجات التظاهرات السابقة. ولكن البحث عن الذنب لدى المحرضين من الخارج لم يمر بشكل جيد لدى المستمعين اليه، رجال الجالية. لقد اشتموا رائحة الوصاية، والأسوأ من ذلك العجرفة. الاثيوبيون لا يستطيعون حتى الوصول الى غضبهم بقواهم الذاتية. انهم يفعلون ما يقوله المحرض الأبيض.

فليجندهم

ما يمكن للشرطة ان تفعله هو تجنيد الاثيوبيين للشرطة. المفتش العام يدفع هذه الخطوة. وحسب اقواله، فان اربعة بالمئة من المتجندين للشرطة هم من ابناء الجالية، ضعفي نسبتهم في الجمهور. الهدف هو دفعهم الى مناصب الضباط: الشرطي الاثيوبي الذي تلقى عليه مهمة معالجة الاثيوبي سيتعامل معه بشكل مغاير عندما يلتقيه في الشارع. الشيخ يطلب من رجال الجالية دعم التجنيد. "احدى الطرق الاكثر آمنة لخلق القيادة الاجتماعية هي الانضمام الى قوات الامن"، يقول لهم الشيخ. ويضيف: "للأسف، هناك جهات في الطائفة تعارض التجنيد".

لبالغ المفاجأة فان معالجة قيادة الشرطة لقيادة الوسط العربي اسهل بكثير. هكذا على الاقل يدعي المفتش العام للشرطة. قادة السلطات المحلية العربية يئسوا من سيطرة المجرمين على بلداتهم، واعمال القتل والسرقة، وكمية السلاح المتراكم، وهم يشجعون اليوم تجنيد العرب للشرطة.

لقد فتحت الشرطة كلية لتأهيل المرشحين لمنصب الشرطي. ومن اجل التسهيل عليهم، تجري الامتحانات باللغة العربية، وتقدم لهم دروس باللغة العربية، ودورات تدعيم. طموح الشيخ هو ان تصل نسبة افراد الشرطة من الوسط العربي الى حجم نسبتهم في المجتمع – 20%. من يتذكر جبل الكراهية الذي ارتفع بين الشرطة والوسط العربي في عام 2000، يفهم حجم هذا الانقلاب.

شركاء الشيخ في الوسط العربي هم رؤساء السلطات المحلية، لكنه لا يوجد شركاء له حاليا في الجالية الاثيوبية. فقط خطابات تصرخ ندما. مشكلة.

استفتاء الآن

ابي بوسكيلا (41) المدير العام لحركة سلام الان، وصل الى التنظيم السياسي القديم من فرع الاعلام. قبل ذلك خدم في الجيش الدائم، في لواء ناحل: اكبر مناصبه كان نائب قائد كتيبة: لقد نشأ في مشمار هيردين، بلدة زراعية لحركة حيروت وبيتار: "في بيت عائلتي كانت معلقة صورة لجابوتنسكي بحجم الباب"، يقول بوسكيلا. سألته عما اذا كان يزور مقبرة المخربين المقامة بالقرب من بلدته. "بالتأكيد"، قال وضحك. "عندما كنا فتية، كنا نقضي الليل في المقبرة. في مقبرة للمخربين".

خبرته في الاعلام، خدمته العسكرية في الجيش الدائم، شبابه في عائلة يمينية واجتياز دراماتيكي للخطوط نحو اليسار – هذه كلها مواهب كلاسيكية لدى من يمثل حركة مثل سلام الآن. بوسكيلا يحمل راية اخرى: انه عضو ناشط في جالية المثليين. سألته لماذا يجب ان يثير هذا الجمهور، فشرح لي بأن المجتمع الاسرائيلي اختار سياسة الهويات. ان تكون مثليا اليوم هذا يضاعف قوتك. انه محق، كما يبدو. الخزانة التي كانت تحتجز فيها جالية المثليين، تحولت في السنوات الاخيرة الى واجهة عرض.

التقينا لأنه ستنطلق يوم الاثنين القريب جبهة واسعة لحركات اليسار – الوسط، في حملة تحت شعار "نقرر في الـ 50". 50، لأن السنة القادمة هي السنة الخمسين للاحتلال؛ نقرر، لأن الحملة ستدعو الى اجراء استفتاء شعبي يسأل الاسرائيليين عما اذا كانوا يؤيدون او يعارضون حل الدولتين.

"في اللحظة الاولى التي سمعت فيها هذه الفكرة، قلت، يا ويلنا"، يقول بوسكيلا. "اعتقدت اننا لا يجب ان نتوجه الى الجمهور وانما تفعيل الضغط على الحكومة. لكنني اقتنعت بعد ذلك".

لقد تم اعداد الحملة في اطار سلسلة نقاشات شارك فيها اعضاء حركات السلام المختلفة، من البالغين والشبان. نقطة الانطلاق كانت اليأس – يأس بسبب تسرب الجمهور نحو اليمين، يأس بسبب نزاع المعارضة، يأس بسبب خلود سلطة نتنياهو، يأس بسبب غياب افق سياسي. لقد ضغط الشبان من اجل القيام بعمل ما. من يحتاج الى اليسار اذا كان يتخلى عن النضال مسبقا. البالغون، او على الاقل جزء منهم، لم يحبوا الفكرة، لكنهم سلموا بها. الاستفتاء الشعبي ليس خطة جديدة – انه رزمة جديدة لخطة قائمة.

سألته: هل هذه هي طريقكم لمواجهة اليأس في اليسار؟

"نحن نعمل في قنالين. قنال اسميه الأمل، وهو يتوجه الى اليسار، وقنال اسميه الاقناع، وهو يتوجه الى الوسط. لقد اجرينا محادثات مع رجال المعسكر الصهيوني وميرتس والقائمة المشتركة، وقسم من يوجد مستقبل. انهم يقولون بأن الفلسطينيين هم الذين يقررون مصيرهم وليس الاسرائيليين. غالبية اعضاء الكنيست من ميرتس ردوا بالإيجاب. من عارض قال ما الذي سيحدث اذا وافقت الحكومة، واجرت استفتاء وخسرنا فيه؟ قلنا، سنعترف عندها بالخسارة ونواصل النضال. لن نطوي الرايات. هكذا سيتصرف المستوطنون ايضا اذا خسروا.

"في المعسكر الصهيوني، وجدنا تحمسا كبيرا: حركة مثل اسرائيل ابيض وازرق، مجلس السلام والامن وضباط من اجل امن اسرائيل يدعمون الفكرة، وهناك الكثير من النشطاء الشبان".

الشعار الذي اقترح للحملة في البداية كان "نحسم في الـ50". "في مرحلة معينة فهمنا ان الحسم في الـ50 لن يتم"، قال بوسكيلا، واضاف: "استبدلناه بكلمة نقرر". باستثناء ذلك فان "نحسم" لا تعتبر كلمة ناجحة للحملة. انها مثل كلمة "زيون" التي استخدمها بن غوريون كلما اراد التحذير من تسلح الدول العربية. لقد قالها ولم يفهم لماذا ضحك الجمهور. (كلمة "زيون" باللغة العبرية تعني المضاجعة وكذلك التسلح، وربما كان هذا السبب الذي جعل الجمهور يضحك – المترجم).

قلت له ان الاستفتاء الشعبي هو في غالب الاحيان مسألة سيئة، غير ديموقراطي؛ انه يُسطح قرارات معقدة، يفرض سيطرة الغالبية على الاقلية ويشجع الشعبوية. الحكومة سترفض الفكرة نهائيا. ستقول وبحق، انه لا فائدة من استفتاء في ظل غياب اتفاق في الأفق.

"لست احمقا" قال بوسكيلا. "من الواضح ان هذا لن يكون مشروعا سهلا. الاستفتاء الشعبي هو منصة يستخدمونها عادة ضدنا. لقد قال نتنياهو اننا لن ننسحب من الضفة بدون استفتاء شعبي. نحن سنستخدم المنصة ذاتها ضده. تريد استفتاء شعبيا؟ تفضل. استفتاء شعبي الآن.

"المهم، ان هذا سيسمح لنا بطرح قضايا للنقاش لا يجري الحديث عنها – الثمن الاخلاقي، الاقتصادي، الامني، السياسي لاستمرار الاحتلال. بدل نعت كل من يطالب بدفع اتفاق بالخائن، تعالوا نتحدث عن الجوهر. السنة الـ50 ملزمة".

سألته: ما الذي سيقوله المعارضون.

"سيقولون هذه سلام الان بقناع".