يلتقي نتنياهو اليوم (أمس) بمرشحي الرئاسة الأميركية، هيلاري كلينتون ودونالد ترامب. من ناحيته يوجد في هذا إنجاز: فهما سيغرقان الميكروفونات بالثناء على إسرائيل وبتعابير لتأييدها وتعزيزها. ومن المعقول الافتراض بأنهما سيغدقان الثناء على رئيس وزرائها ايضا. فهناك ناخبون يهود كبار في فلوريدا، الولاية الكفيلة بان تحسم مصير الانتخابات. وهم سيحبون كل كلمة ونحن أيضا.
وعندها سنتذكر اللقاء القريب، الذي عقده نتنياهو مع الرئيس اوباما، الاربعاء الماضي. اللقاء الذي لم يكن رئيس الولايات المتحدة مستعداً فيه أن يتحدث مع رئيس وزراء اسرائيل ثنائياً، ولم يتجرأ رئيس وزراء اسرائيل على أن يطرح على مسمعه المسألة المركزية العالقة في هذه اللحظة بين الحكومتين: هل سيمنع البيت الأبيض قراراً صعباً فيما يخص موضوع الاستيطان في مجلس الامن أم لا.
هكذا يبدأ الأمر، بصخب، وهكذا ينتهي. هكذا كان وهكذا سيكون. رأينا، هذا الأسبوع، هذا الفيلم يبث بكامله، من النهاية الى البداية.
في ولايته الرابعة نعيش في ظل نتنياهو متطور، فهو يرى نفسه ليس فقط كالاسرائيلي الوحيد الجدير بان يتولى منصب رئيس الوزراء، بل ايضا كمن يرسم طريق اسرائيل في الاجيال القادمة، يصمم حدودها، يعلّم قيمها. في نظر نفسه هو ايضا سياسي عالمي، زعيم ايضا، منظر أيضا، مخلص أيضا. هذا الخليط اشكالي في كل نظام ديمقراطي، ولكن عندما يلتقي بسياسي يصل الى القرارات والتصريحات حسب ما يقرأه في الصباح في استطلاع الرأي العام، فانه يصبح خطيرا.
منح نتنياهو من نيويورك، أول من أمس، مقابلات لقنوات التلفاز. هذه المقابلات، بعد سنة ونصف السنة من المراسلات احادية الجانب مع الجمهور، كانت تجديداً منعشاً. وإحدى المسائل التي طرحت فيها كانت قيمية؛ فقد سئل نتنياهو اذا ما كان يندم على المكالمة الهاتفية التي اجراها مع تشارلي ازاريا، والد الجندي مطلق النار. فاجاب أن لا.
اودي سيغال، من القناة الثانية، سأله إذا كان في الماضي هاتف اهالي جنود آخرين تجاوزوا ظاهرا اوامر الجيش، فأجاب نتنياهو: «لا، ولكني اتصلت بالكثير من الاهالي ممن كانوا في ضائقة لأن ابناءهم سقطوا أو فقدوا».
المقارنة بين أهل الجندي الذي يقدم الآن الى المحكمة بتهمة القتل وبين اهالي هدار غولدن واورون شاؤول تصرخ الى السماء. وهي تصرخ أولاً بسبب الهوة غير القابلة للجسر التي تفصل بين المقاتلين الذين ضحوا بحياتهم في سبيل الدولة والجندي المتهم بجريمة خطيرة. وهي تصرخ بسبب الهوة التي تفصل بين الاهالي: عائلتا غولدن وشاؤول سمحتا للجيش الاسرائيلي بانهاء حملة «الجرف الصامد» دون أن يعاد جثمانا ابنيهما. هذا لم يكن سهلا ولم يكن بسيطا، من كل ناحية. وقد كانتا مثالا يحتذى للوطنية.
وهي تصرخ لأنها تقترح على الاسرائيليين بشكل عام، وعلى من يخدمون في الجيش بشكل خاص، سلم قيم مشوها، محظور قبوله. فالجنود ليسوا اطفالا. هم اناس راشدون تودع الدولة في ايديهم مسؤولية جسيمة. الوسائل التي في ايديهم يمكنها أن تقتل العدو ويمكنها أن تقتل البريء. يمكنها أن تكلف 500 شيكل او 500 مليون شيكل. هم ليسوا حيوانات أليفة تواقة للعناق والرحمة. ليسوا اطفالا في الروضة يلتصقون بأهاليهم. هم راشدون.
زرتُ، الاسبوع الماضي، المكان الذي قام فيه اليئور أزاريا بفعلته، في الساحة التي تطل من فوق على الحرم الابراهيمي في الخليل. لا شيء في هذه القصة يذكر بالمعضلات التي ينسخها نتنياهو من الفترة التي خدم فيها في وحدة سييرت متكال. لا شيء. واهل ازاريا لم يكونوا جزءاً من القصة، حين لم يشاركوا لا هم ولا اهل نتنياهو في معضلاته كجندي.
في المواجهة التي يديرها الجيش الاسرائيلي في «المناطق» كانت هناك أخطاء وستكون، بينها اخطاء ستتسبب بموت أبرياء. ولكن المحاكمة التي تجري في يافا لا تعنى بالأخطاء: تعنى بمجرد وجود الأمر العسكري، بالقيم القتالية، بالمعايير. من المحظور جعلها مناوشة.
يقول نتنياهو ما يقوله بان هذا ما افاده به الاستطلاع الأخير. الشعب يشفق، الشعب يعانق، الشعب يدمع. الشعب يتوقع من رئيس الوزراء، أبي الأمة، ان يعانق كل جندي برحمة. بطل أم مجرم، شهيد أم مجرم، الكل أخيار، الكل مناسبون. وليس هناك من يقول لنتنياهو، حتى هنا؟
قناة عبرية: سارة نتنياهو مصابة بالكورونا في الولايات المتحدة
30 ديسمبر 2024