«ستالينغراد» السورية.. !

crop,750x427,3427331454
حجم الخط

من ناحية النظام السوري فإن حلب هي مثل تل أبيب: المركز الاقتصادي – الثقافي لسورية.
من يسيطر على حلب يملك عملياً القلب النابض للدولة، الذي يضخ الدم إلى باقي أعضائها.
دون حلب لا يمكن للأسد أن يسيطر بشكل فاعل على سورية، سواء أكانت كبيرة أم صغيرة.
عشية الإعلان عن وقف إطلاق النار كان الجيش السوري في ذروة هجوم على حلب.
الأسد، مثل الروس، لم يفكر للحظة واحدة بوقفه. وعليه لم يكن لهذا أمل منذ البداية، فالهجوم الأميركي في دير الزور على موقع لسرية سورية لم يكن سوى ذريعة لمواصلة القتال.
سلاحا الجو الروسي والسوري يهاجمان منذ أربعة أيام بغضب جم الأحياء السكنية المكتظة في حلب، والتلفاز الروسي باللغة العربية يعلن بفخار عن هجمات على أهداف لـ "داعش".
لقد أصبح تنظيم الدولة الإسلامية ورقة التين، يستغل الروس والسوريون زخم ضعف قوات الثوار في حلب، ويحشدون جهوداً عسكرية وحشية، بكل الوسائل، بما في ذلك تدمير القوافل الإنسانية، كي يخضعوا حلب قبل أن يستيقظ العالم.
انعقد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، السبت الماضي، للبحث في الوضع في سورية، والساعة تدق.
بعد احتلال حلب سيكون بوسع الأسد، بدعم الروس، الوصول إلى المفاوضات مع الأميركيين والثوار من موقع مساومة أقوى بكثير.
إذ إنه في دمشق يسيطر منذ الآن على معظم الأحياء، وفي حمص أخضع حي الوعر الذي يسيطر فيه الثوار، ومدينة حماة هادئة.
هذه المدن الأربع والإقليم العلوي في غرب الدولة هي ما تسمى "سورية المفيدة".
الرئيس السوري واثق جدا بنفسه، حيث إنه أعاد للعمل، ومرة أخرى بتعاون الروس، المعهد العلمي "سيرس" لإنتاج السلاح غير التقليدي والصواريخ بعيدة المدى.
إن صور الفظاعة من أيام المذبحة الأخيرة في حلب، والتي أغرقت العالم، هي أيضا الوجه الحقيقي للتراث الذي يخلفه الرئيس أوباما في الشرق الأوسط.
من بدأ ولايته قبل ثماني سنوات بالتوجه المتصالح نحو العالم العربي، في خطاب القاهرة الشهير، ينهيها بصور المذبحة في ضوء اتفاق فاشل آخر من مدرسته.
في الغرب كان هناك من آمن بأنه في الاتفاقات السرية في المسألة السورية، والتي وقعت، الأسبوع الماضي فقط، بين وزيري الخارجية الأميركي والروسي، يكمن نوع من اتفاق "سايكس – بيكو" لتقسيم سورية إلى مناطق نفوذ.
غير أن الشركاء من الكرملين ليسوا بالضبط الجنتلمانات من القرن السابق.
فأسلوب حكم الرئيس بوتين يذكر بقدر أكبر بالأيام المظلمة للاتحاد السوفييتي، حين كانت سياسة خارجية يديرها عمليا رؤساء الـ "كي.جي.بي" (المخابرات).
بوتين، الذي هو نفسه جاء من هناك، أحاط نفسه بمجموعة من الأشخاص لا تستخدم أدوات العمل الدبلوماسية الدارجة في العلاقات الخارجية.
أساليب عمله مأخوذة من مدرسة التضليل، الخداع، الأكاذيب والتصفيات – كل شيء شرعي لتحقيق الهدف.
عندما وقع الروس مع الأميركيين على اتفاق وقف النار في سورية لم يقصدوا الالتزام به ولم يلجموا الأسد.
من الطرف الآخر، لم ينجح الأميركيون أيضا في لجم الثوار الذين يدعمونهم.
منذ التوقيع على الاتفاق، صارت حلب أكثر فأكثر مثل ستالينغراد الخربة.
وبالمناسبة، فان أحد تجديدات الجهد الحربي السوري هو إدخال العنصر الفلسطيني إلى القتال.
فالدعاية السورية تحرص على الإشارة إلى أنه في المعارك لاحتلال مخيم اللاجئين حندرات، في شمال شرقي حلب، شاركت قوة فلسطينية تسمى "لواء القدس".
وبالتوازي سيطر الجيش السوري على منطقة أخرى جنوب حلب، تسمى منطقة الكليات العسكرية.
ربع مليون نسمة آخرين محاصرون اليوم من قبل الجيش السوري في جيب ضخم شرق حلب.
في اسرائيل يؤمنون بأن القتال في سورية سيستمر لسنة اخرى على الأقل.
ولكن الانتصار السوري – الروسي في حلب سيعزز الخيار في أن يبقى الأسد في كرسيه، وهذه المرة ليس فقط بدعم الروس والايرانيين بل ايضا في ظل الموافقة التركية والأميركية.
على حدود تركيا تقف قافلة ضخمة تحمل الاف الأطنان من الغذاء والعتاد الانساني لربع مليون محاصر في جيب حلب، وتقف هذه القافلة على مسافة 60 كم فقط من هؤلاء الناس الجوعى، ولكنها لم تصل اليهم. فالأغذية تعفنت وفسدت منذ الآن.