كشف عضو المكتب السياسي لحركة حماس وأحد قادتها بالخارج سامي خاطر، عن جملة من التطورات في علاقة حركته مع الأطراف والقوى المحلية الدولية، مشيرًا إلى وجود تطور في هذه العلاقة في الوقت الذي لم يخف فيه وجود تعثر في الحالة الفلسطينية الداخلية، نظرًا لتعنت أطراف في حركة فتح ورفضها لتطبيق المصالحة.
واستعرض خاطر ، موقف حركته من المواقف الإقليمية والمحلية الجارية وتطورات مستقبل القضية الفلسطينية، والمقابلة كانت على النحو التالي.
س1: كيف تقيمون طبيعة العلاقة بينكم وحركة فتح؟، وما هو مستقبلها بتقديركم؟
ج1: ثمة انطباع سائد لدى الشارع الفلسطيني وحتى في أوساط الأمتين العربية والإسلامية، أنه لا يمكن الالتقاء بين حركتي فتح وحماس، لأن لكل منهما برنامجا مختلفا، لكن المدقق بمسيرة العلاقة بيننا وفتح، يجد أن الخلاف ليس نابعًا من تباين البرامج؛ لأن الخلاف السياسي وحتى الفكري ظاهرة طبيعية، فالوطن الفلسطيني الذي لا يزال في مرحلة تحرر وطني يستوعب وربما يستدعي التنوع والتعدد.
جوهر المشكلة كما اعتقد هو في سلوك حركة فتح القيادي والسياسي الذي تركز في نقطتين:
الأولى: التعود على التفرد في إدارة منظمة التحرير الفلسطينية، أو الحزب الواحد في السلطة، وفي الحالتين كان السلوك مع القوى والتيارات الأخرى هو مجرد التبعية وعدم المشاركة الفعلية في القرار السياسي.
ولنتأمل موقف حركة فتح في التعامل مع حركة حماس منذ انتخابات عام 2006، وكيف توجهت اللجنة المركزية لحركة فتح قبل صدور النتائج إلى إلغاء الانتخابات لولا التزام أبو مازن باحترام نتائج الانتخابات، ثم كيف قررت فتح عدم المشاركة في الحكومة مع حماس، وحرضت الفصائل الأخرى على عدم المشاركة في حكومة هنية الأولى، ثم الدعوة إلى انتخابات جديدة منذ بدايات تلك الحكومة.
ولا زلنا نلمس من فتح ما يعزز الانقسام رغم دعوات المصالحة من الجميع، كالقول بأن حماس خرجت من الحكومة ولم تخرج من الحكم، وكأن المصالحة تعني خروج حماس من المشهد السياسي الفلسطيني بكامله! وثم أليس الإصرار على عدم الاعتراف بالموظفين في غزة، سواء كانوا من أنصار حماس، أو وظفوا في عهد حكومة إسماعيل هنية، مثالا صارخا على هذا السلوك الخاطئ.
س2: ما هي خياراتكم للتعامل مع المصالحة في ضوء حالة التأزم؟ وما مستقبل العلاقة مع برنامج أبو مازن؟
ج2: مشروع المصالحة هو الأصل، وهو محل إجماع وطني وإقليمي ودولي الآن، نحن لسنا بحاجة لاتفاق جديد بهذا الخصوص، والمطلوب هو تغير السلوك بصورة إيجابية، ولابد من بذل قصارى الجهد لإنفاذها وتطبيق كل بنودها بالتوازي، دون انتقائية أو ارتهان لمتطلبات تحرك سياسي جديد محكوم عليه سلفا بالفشل نتيجة لواقع حكومة الاحتلال التي يسيطر عليها إجماع على عدم الاعتراف بحقوق شعبنا وأقلها دولة مستقلة على حدود عام 67، وعدم توافر ظروف دولية أو إقليمية راغبة أو قادرة على إجبار العدو للقبول بذلك.
ونحن في حركة حماس أبدينا مرونة هائلة من مغادرة الحكومة، والقبول بحكومة توافق وطني، إلى كثير من التفاصيل بهدف إنجاز المصالحة، وإعادة إعمار غزة، التي لا تزال تعاقب على صمودها.
من هنا فإن مسؤوليتنا في قيادة حركة حماس هو بذل غاية الجهد من أجل انجاز المصالحة، التي نأمل أن تتم في أسرع وقت ممكن. لكن إذا فشلت المصالحة، فالبديل لا تحدده حماس لوحدها، بل كل القوى والفصائل والفعاليات الوطنية بمجموعها على مستوى الشعب الفلسطيني، وليس في غزة لوحدها أيضاً.
س3: عمليًا ما الذي يمنع حماس للبحث عن بديل لمنظمة التحرير في ضوء انغلاق الأفق بإصلاحها؟
ج3: من الناحية السياسية وواقعيًا ليس هناك غير منظمة التحرير الفلسطينية كمرجعية عليا يمكن العمل على تفعيلها وتطويرها كما نص على ذلك في الحوار الوطني الفلسطيني في القاهرة عام 2005، وكما ذكر أيضا في اتفاق المصالحة الذي شاركت فيه كل القوى والفصائل والفعاليات والمستقلين.
المشكلة ليست في الشكل حتى يتم البحث في البدائل، المشكلة في الجوهر والمضمون، لأن الذي يسعى للتفرد ويرفض الشراكة، سيفعل ذلك في أي تشكيل جديد.
المنظمة يرأس لجنتها التنفيذية حاليا أبو مازن، بغض النظر عن جدال الشرعيات الدستورية، وهناك اتفاق على فترة انتقالية تشارك فيها حماس والجهاد والمبادرة الوطنية ومستقلون، وقد عقدت هذه القيادة الانتقالية مرة أو مرتين فقط، والتعذر بمكان انعقادها غير مسوغ وغير مقبول.
س4: ماذا لو فرض على حماس دوليًا واقليميًا بديلًا عن عباس؟
ج4: من يحدد رأس المرجعية هو القرار الفلسطيني سواء كنا فيها أو خارجها، وفرض أي رئيس لها بتدخل خارجي لا يمكن القبول به. وفي التاريخ وقفنا مع أبو عمار عندما تم استهدافه لأسباب غير وطنية، كما وقفنا مثل ذلك مع أبو مازن في محطات سابقة، رغم وضوح الخلاف السياسي مع الرجلين.
س5: استراتيجيًا كيف تنظرون لمستقبل مشروع المقاومة ؟، وما هي رؤيتكم لمشروع التسوية؟
ج5: إذا تأملنا مشروع التسوية نجد أنه بنظر أنصاره أخذ فرصة كافية، وفشل في إنجاز أي مكتسبات وطنية جوهرية، بل على العكس من ذلك اتخذ من قبل العدو غطاءً لتمدد الاستيطان، ومصادرة الأراضي، والتمادي في تهويد القدس. والأهم أنه أسس لتكريس الانقسام الفلسطيني، ليس بسبب الرهان عليه فحسب، بل بسبب الارتهان لشروطه ومتطلباته.
أما برنامج المقاومة، فلم ينجز هدف التحرير حتى الآن لأسباب موضوعية تتعلق بقوة الاحتلال من جهة، وضعف الإسناد العربي والإسلامي والدولي من جهة ثانية. لكن يجب ألا ننسى أن برنامج المقاومة كان يمكن أن يحقق إنجازات إضافية وكبيرة، لو لم يحصل الانقسام بسبب الرهان والارتهان لخيار التسوية والمفاوضات.
برنامج المقاومة المتفق عليه وطنيًا أنجز حتى اليوم اندحار العدو عن غزة، وإن كان له دوافع أخرى، كما أنجز بنية عسكرية سطرت بطولات لم يتخيلها العقل في ضوء الفارق في الإمكانات، وهو الوسيلة الاستراتيجية لإنجاز هدف التحرير.
س6: ألا تخشون على مستقبل المقاومة في ضوء المعطيات الإقليمية الجارية؟
ج6: إذا كان البعض يتخوف على برنامج المقاومة بسبب الظروف الإقليمية الصعبة، وانشغال الأمة بأزماتها، فإن هذا الخوف لن يطول تيمنا بما حصل من تفاعل إقليمي ودولي مساند للدور البطولي للمقاومة في صد العدوان الأخير على غزة. كما أن شعبنا سبق أن مر بظروف صعبة وقاسية مرات عديدة، والمستقبل هو لبرنامج المقاومة.
س7: كيف تتابعون ما يجري داخل مخيم اليرموك في سوريا؟
ج7: ما يجري باليرموك مأساة إنسانية كبيرة لا يستحقها اللاجئون الفلسطينيون في منافيهم ونؤكد أننا في حماس ليس لدينا أي تشكيل عسكري داخل سوريا لا في المخيم ولا غيره، وسعينا منذ البداية مع الفصائل المختلفة لتحييد المخيمات عن الازمة السورية الداخلية، والمطلوب المبادرة اقليميًا ودوليًا وانسانيًا لنجدة سكان المخيم الذي يتعرضون للمذابح من قبل الأطراف المتعددة.
ونحن بادرنا بالاتصالات مع أطراف متعددة لأنهاء المعاناة وسنبذل قصارى جهدنا في هذا الموضوع.
س8: كيف تقيم حماس موقفها من قضية المحاور؟
ج8: حماس منذ نشأتها لم تشأ ولم تسع لأن تكون ضمن أي محور إقليمي أو دولي من حيث الأصل والجوهر، وليس من سياستها الدخول في محور ضد محور آخر. وبغض النظر عن تبدل المحاور وتغيرها، فقد كانت حماس لها علاقاتها مع الجميع وتعتمد بشكل أساسي على تجاوب تلك الأطراف وليس بناءً على رغبة وقرار حماس.
يوم حُسبنا على محور المقاومة والممانعة كانت لنا علاقاتنا الأخرى مع ما كان يسمى محور الاعتدال والمحطات البارزة كالحوار والمصالحة أبرمناها في عواصم تحسب على محور الاعتدال. وعندما كنا كقيادة في الأردن، أو الدوحة، أو دمشق، أو الدوحة مرة أخرى، وكذلك القاهرة بشكل جزئي خاصة بعد مغادرتنا لدمشق في يناير (كانون ثاني) 2012. احتفظنا بعلاقاتنا السياسية مع جميع الأطراف والدول. وكثير من الدول تعلم أننا كنا دائماً من خلال اتصالاتنا السياسية نشجع على جمع كلمة الدول العربية والإسلامية، وسمعنا ثناء على ذلك من كل الأطراف المختلفة.
ونعتقد ببساطة أن القضية الفلسطينية إضافة لبعدها الوطني، هي عربية وإسلامية وإنسانية كذلك. وهي محل إجماع في الأمة. فلسطين بحاجة للجميع، أما الخلاف بين الدول والأنظمة فهو شأن يتعلق بهم.
س9: وما جديد العلاقة مع طهران وحلفائها تحديدًا النظام السوري؟
ج9: نحن معنيون بالعلاقة مع إيران كدولة إقليمية فاعلة ومؤثرة كما نحن معنيون بالعلاقة مع السعودية ودول الخليج، وكل الدول العربية والإسلامية. صلتنا بإيران لم تنقطع، وحريصون على العلاقة مع الجميع وإن حصل فتور أو تراجع في العلاقة مع أي طرف كإيران مثلًا فهو نابع من ذلك الطرف وليس منا.
وقد حصل تغير في موقف إيران منا، بسبب الأزمة السورية، والنظام السوري أخذ موقفا أكثر سلبية، ربما لاعتقاده بأنه كان يجب على حماس أن تقف إلى جانبه خاصة في التعامل مع الثورة السورية، ظنا منه أن دعمه السابق لحماس الذي لا ننكره، كان يحتم عليها ذلك. مع أنه يعلم بأنه ليس من سياستنا التدخل في الشؤون الداخلية لدول.
علاوة عن ذلك فإن أولويات إيران على ما يبدو لم تعد كما كانت في السابق نحن باختصار نأمل ونعمل من أجل وقوف كل الدول والشعوب مع قضية شعبنا ودعم صموده ومقاومته، ولن ندخر جهدا في سبيل ذلك.
س10: كيف تقيمون علاقتكم مع السعودية وما هي تطورات هذه العلاقة؟
ج10: العلاقة مع السعودية كانت قائمة منذ سنوات بعيدة وظلت متواصلة بعد ذلك، لأنه لا يخفى على أحد أهمية المملكة ودورها في القضية الفلسطينية. لكنها بردت بسبب انطباع لدى صانع القرار أن حماس لم تلتزم باتفاق مكة، وهو غير صحيح على أي حال، حيث أصبح معروفا للقاصي والداني من الذي أخل بالاتفاق وعمل على تخريبه من خلال أجهزة أمن السلطة آنذاك، وكيف آل الوضع للحسم الأمني عام 2007.
اليوم بدأنا نلمس تغيرا في السياسة السعودية مع تولي الملك سلمان الحكم اتجاه عدة ملفات وقضايا، بعدما بادرنا بالاتصال بالمملكة، ونأمل أن يتم تفعيل العلاقة معنا لنصرة قضيتنا العادلة، ولكننا إذ نسعى لتعزيز العلاقة مع السعودية، لا نفعل ذلك على حساب علاقات قائمة، أو علاقات منتظرة مع أحد.
س11: ما حقيقة الانفراج في العلاقة بين الحركة ومصر؟
ج11: نظرتنا لأهمية مصر دولة وشعبا لم تتغير، وظلت علاقاتنا معها قائمة، وكنا حريصين عليها، في جميع العهود السابقة. الواقع يقول بأن النظام الجديد هو الذي أخذ منا موقفا ليس سلبيا فحسب، بل عدائيا لأسباب لا تتعلق بنا، ولا بسلوكنا في التعامل مع مصر.
الجميع وخاصة أهل غزة متيقنون بأننا لم نتدخل في شأن مصر الداخلي، ورغم الإجراءات الظالمة لأهلنا في غزة من هدم الأنفاق وإغلاق معبر رفح، إضافة لاستهداف الحركة إعلاميا وقضائيا، فإننا أعلنا ولا نزال نعلن أننا حريصون على أمن مصر كما نحن حريصون على أمن شعبنا.
هناك بعض البوادر التي اعتبرناها في الاتجاه الصحيح، كالاستئناف على قرار محكمة الأمور المستعجلة باعتبار حركة حماسى إرهابية، والأمر يتعلق بالنظام في مصر وخياراته السياسية، ونأمل أن يتغير بصورة إيجابية، ونحن من جانبنا حريصون على ذلك، لحرصنا على حسن العلاقة مع أمتنا جميعا دولا وشعوبا.
س12: أخيرًا كيف تقيمون علاقتكم مع المجتمع الأوروبي؟ وهل ثمة من اتصالات بينكم؟
ج12: نعم هناك اتصالات وعلاقات مع أوروبا سواء مع جهات رسمية أو منظمات وهيئات وشخصيات مختلفة. وتتم هذه الاتصالات خاصة الرسمية بصورة غير معلنة بناءً على طلبهم ونحن نحترم ذلك.
كما لمسنا بعد العدوان على غزة العام الماضي، وإصرار العدو على الحصار ومنع الإعمار، بأنهم باتوا أكثر ميلا للاعتراف بدولة فلسطينية من جهة، والتركيز على إعمار غزة من جهة أخرى. وأنهم ينصحون بشدة بالمصالحة الفلسطينية.
ومع أننا ندرك أن الغياب الأمريكي عن المنطقة بسب سياسة أوباما هو الذي يشجعهم على التدخل النشط هذه الأيام سواء على مستوى التسوية من خلال محاولة استصدار قرار جديد من مجلس الأمن ينهي الاحتلال خلال فترة محددة تستأنف فيها المفاوضات، وبالطبع هم في التفاصيل أكثر قربا من المطالب الصهيونية. كما ينشطون في قضية إعادة الإعمار والمصالحة الفلسطينية.
الفكرة الجوهرية عندهم هو الاستقرار في المنطقة، في هذا السياق هم يشجعون تفعيل اتفاق وقف إطلاق النار، وبعضهم يطرح الهدنة مع الاحتلال لآجال تسمح بإعادة الإعمار.
ونحن نفرق بين مواقف الشعوب وحتى البرلمانات والقوى، والأنظمة الرسمية، حيث هناك تطور متواصل في التعاطف مع شعبنا وقضيتنا، وخاصة بعد الأداء البطولي لكتائب المقاومة في العدوان الصهيوني الأخير.
أما على المستوى الرسمي فهو يتحسن ببطء، وله اعتبارات متعددة تتعلق باللوبيات الصهيونية، والموقف الرسمي الأمريكي.