رحيل آخر من تبقى من جيل المؤسسين

20162809214118
حجم الخط

من الصعب أن نتصور اسرائيل بدون شمعون بيريس. الرجل الذي كان هناك من اللحظة الاولى، على مدى الطريق. من كان حاضرا، حتى عندما لم يكن كذلك. آخر من تبقى من جيل المؤسسين والحالمين، الجيل الذي تحدث قليلا وفعل الكثير، الذي جعل الحلم البعيد واقعا.
في مدخل مكتبه علق بيريس صورة لنفسه مع اعضاء هيئة اركان الجيش الاسرائيلي في العام 1948. منذ سنين وهو المتبقي الحي الأخير من هذه الصورة. وكأنه ترك في الخلف للتأكد من أن كل شيء على ما يرام، وانه لم يتم الخروج عن الطريق، وانه لم يُضيّع الاتجاه، وانه لم يُنسَ الهدف.
كان يخيل للكثيرن منا بأنه هنا الى الأبد. بأنه لن يكون ممكنا وجود اسرائيلي بدونه. وبالفعل، أخطأنا. هذه السطور تكتب بينما شمعون بيريس معلق بين الحياة والموت ويلفظ انفاسه الاخيرة. يتبين أنه رغم كل شيء، هو ابن بشر. ليس جليدا ما يتدفق في عروقه بل دم. إذاً، بعد أن ذهب، من سيرعانا؟ من سيذكرنا، بمجرد وجوده، بما كنا عليه وما كان يمكننا ان نكون عليه؟
في السنتين الاخيرتين كان واضحا انه يخبو. نهاية رئاسته، تبدد حلم السلام، كل هذا اعطى مؤشراته فيه. هو يعيش على الادرينالين. وعندما تنزل القضية، يضعف الفعل، تضيع الصراعات، وتبتعد الاهداف، يبدأ العمر بفعل أفعاله. وقد واصل التراكض حول العالم، تمسك بكل القوة بالوتيرة العادية، بالجدول الزمني المليء ظاهرا، ولكن محرك الاشتعال الداخلي لديه بدأ بالعطل.
حتى الثانية الاخيرة بقي شمعون بيريس المحب الكبير والرومانسي الاكبر للدولة اليهودية. كان شخصا عاطفيا، كان سياسيا صغيرا، عرف كيف يكره ويحب ان يثأر ويكن الضغينة، ولكن فوق كل هذا ثارت محبته العظيمة للمشروع الصهيوني.
هذا المشروع سيبقى بعده ايضا، ولكنه لن يكون ذاته حقا. محبوه وكارهوه معا سيعترفون بانه كان فيه شيء ما خاص، شيء ما اضافي جعله ما هو عليه، من اللحظة الاولى وعلى مدى كل الطريق.