كلينتون تفوز على ترامب بـ "الضربة القاضية"

x-3
حجم الخط

لو كان رئيس الولايات المتحدة ينتخب في لجنة تعيينات مهنية لكانت نتائج المواجهة بين هيلاري كلينتون ودونالد ترامب واضحة كالشمس: كلينتون، بالضربة القاضية. في ختام تسعين دقيقة من المداخلات القاسية، المشحونة، كان واضحاً تماماً من بين الاثنين من هو الأكثر أهلية لقيادة أميركا. وفي الغداة، بعد بث متكرر للحظات الذروة في المواجهة، تأكد الفهم أكثر فأكثر. من بين الاثنين واحدة فقط مؤهلة للمنصب. أما ترامب فقد فشل فشلا ذريعا.
وعندها جاء دور التبريرات: الميكروفون لم يكن على ما يرام، لم يكرس وقت كاف للاستعدادات، السلامة السياسية مست بالرسالة، مدير المناظرة لم يكن عادلاً، أكلوا لي، شربوا لي.
ولكن من المحظور علينا أن نتشوش: فالسؤال كم ستؤثر هذه المواجهة على نتائج الانتخابات في تشرين الثاني، او هل ستؤثر على الاطلاق، مفتوح تماما. فثمة الكثير من الوقت والكثير من الجهات المشاركة: هذه انتخابات استثنائية جدا. في هذه الانتخابات معظم الناخبين معادون للمرشحين الاثنين. والاصوات العائمة لا تتراوح بين اختيار واختيار بل بين رفض ورفض. يمقتون كلينتون لانها سياسية، فهي واشنطن المكروهة، تحمل عى ظهرها رزمة ثقيلة من الارتباطات والاكاذيب؛ وهم يمقتون ترامب لانه فظ الروح، عنصري ويكره النساء، ولانه غير أهل للمنصب على نحو ظاهر. من الصعب أن نعرف من سيكون العنوان النهائي للغضب، كلينتون أم ترامب، ومن أي معسكر المصوتون الذين سيقررون  البقاء في البيت بجموعهم.
المواجهة الانتخابية ليست مباراة رياضية. فهي أداة تسويق. الهدف ليس الانتصار بل تجنيد الزبائن – نقل الناخبين من معسكر ما الى المعسكر المضاد، اقناع الناخبين غير المكترثين بالوصول الى صندوق الاقتراع، اقناع ناخبي المعسكر المضاد بعدم الوصول الى صندوق الاقتراع، رفع مستوى حماسة النشطاء، خلق زخم ايجابي في وسائل الاعلام. الانتصار في المواجهة يمكن أن يجدي؛ الانتصار في المواجهة يمكن أن يكون سهما مرتدا، يشعل الطرف الخاسر، ينوّم الطرف المنتصر، يولد اعتدادا زائدا وأخطاء استراتيجية.
تكبد ترامب هزيمة أليمة على نحو خاص بسبب الصورة التي خلقها لنفسه، صورة المنتصر الدائم. فنزعة الانتصار هي عنصر مركزي في حملته: الاخرون ينتصرون لانهم جيدون اما هو فهو جيد لأنه ينتصر. اما الفشل في المواجهة، بل أمام امرأة، فمؤلم على نحو خاص لمرشح من هذا النوع.
ولكن المواجهات هي مجرد مواجهات. قبل أربع سنوات باقل من أسبوع جرت المواجهة الاولى في الانتخابات للرئاسة. جاء الرئيس اوباما الى المواجهة وهو تعب، مشتت، ومنهك. اما ميت رومني، خصمه الجمهوري، فقد انتصر انتصارا عظيما. كان هناك خبراء قدروا بأن الامر حسم، وان السباق نحو الرئاسة انتهى. فكر أوباما بشكل مختلف، انتصر في المواجهة التالية، وامتطى الزخم حتى الانتصار في صناديق الاقتراع.
كانت، بالطبع، أيضا هناك مواجهات حسمت الانتخابات، او للاسف هكذا ينظر اليها في الذاكرة الجماهيرية. ريتشارد نكسون وجون كيندي خاضا المواجهة التلفزيونية الاولى، في العام 1960 بدا كيندي في الكاميرات منتعشا، طليق اللسان، انيقا، رجل الاحلام. اما نكسون فبدا غير حليق، يتعرق، غير مرتاح. في نظر معظم المشاهدين للبث التلفزيوني انتصر كيندي؛ وفي نظر معظم المستمعين للمواجهة في الاذاعة انتصر نكسون. في الـ 56 سنة التي مرت منذئذ استبعد الأميركيون قوانين اللعب التلفزيوني. ليس مهما ما تقوله، المهم كيف تظهر.
فريد زكريا، من كبار المذيعين السياسين في أميركا، أجرى لقاء معي قبل بضع سنوات في قناة تلفزيونية. بعد المقابلة قال لي: «منذ عشرات السنين أفعل هذا، وفي كل هذه السنين تلقيت ردود فعل قليلة جدا عن مضمون اقوالي، ولكن الكثير من ردود الفعل عن لون ربطة عنقي. في النهاية هذا ما تبقى».
 اثناء مشاهدة المواجهة الحالية أغلقت بضع مرات مكبر الصوت، وركزت على الصورة. وقفت كلينتون منتصبة القامة ومركزة، كما يتوقع من رئيسة، من رئيس دولة؛ كانت لديها هيبة. كانت لغة جسد ترامب غير مريحة، تراقصت عيناه ؛ كانت ربطة عنقه طويلة؛ وبين الحين والاخر كان يحتسي الماء (أما هي فلم تلمس الكأس)، وصرخ هو في الميكروفون.
فعلتُ العكس ايضا: أنزلتُ عينيّ عن الشاشة وركزت في الاصوات. تحدثت هي ببطء وبشكل مرتب. اما هو فكرر المرة تلو الاخرى الشعارات الاربعة ذاتها، غرد أكثر مما تحدث.
 الكاميرا يمكنها أن تكرم؛ الكاميرا يمكنها أن تهين.
أكثر ترامب من الحديث عن نفسه، عن اعماله التجارية، عن نجاحاته: هذا موضوع محبب لديه. ولكن ليس كل ما ينجح في برنامج تلفزيوني للواقع ينجح في مناظرة انتخابية. أكثر ترامب جدا من الحديث عن نفسه بحيث فوت الفرصة للاشارة الى نقاط ضعف كلينتون.
فحص باحثون نشطاء كنز الكلمات لدى ترامب. وحسب مقال نشر، هذا الاسبوع، في مجلة «ذي اتلنتيك» فان ترامب يتحدث بمستوى لغة الصف الرابع. وعندما يريد أن يثير الانطباع لدى سامعيه عن معارفه، مثلما تطلب منه الامر في الاسابيع الاخيرة، فانه يقرأ نصوصا مكتوبة من على الشاشة.
غير أنه في المواجهات لا توجد شاشات. ما لم تتعلمه لن تعرفه.
قال لي احد الوزراء، أول من امس، انه واثق بان اسرائيليا واحدا على الاقل شاهد المتواجهين وقال لنفسه: «كنتُ سأنتصر عليها بسهولة شديدة». صحيح، قلت له، ترامبنا اكثر كفاءة من ترامبهم. فهو أكثر ثقافة، أكثر طلاقة في الانجليزية، أكثر تعليلا، أكثر نشاطا. أنا لست واثقا من أنه كان سينتصر، ولكنه لا بد كان سيقدم نزالاً جديراً.