غرس فينا ثورة "أوسلو"

afp-359987a6be73ccb43c10595c5fb0cc6fb769eddf
حجم الخط

كان شمعون بيريس جزءاً من حياتي السياسية، إيجاباً وسلباً.  كانت لنا علاقات مركبة، وكانت لي معه جدالات سياسية غير بسيطة، ولكنني اعجبت دوما برؤيته الكبيرة.
لا شيء في تاريخ دولة اسرائيل منذ قيامها لم يترك بيريس فيه أثرا مهماً، سواء في الجانب الاستراتيجي أم في الجانب السياسي وكذا في الاقلاع الاقتصادي والتحديثي.
أتذكر كيف أنه في منتصف الستينيات قال: «سيارة لكل عامل». وقد بدا هذا في حينه هذيانا، ولكنه بات اليوم مسلماً به.
الأمر الأهم الذي امتلكه هو الرؤية الاستراتيجية، التي حملتنا إلى الاعتراف بأن على اسرائيل أن يكون لها خيار نووي.
كان هو القوة الكامنة خلف الخطوة، رغم انه كانت هناك مدرسة كاملة تعارض هذا، وثبّت حقيقة أنه لن تكون أبدا كارثة أخرى للشعب اليهودي.
هذا عنصر مركزي، ليس فقط في الجانب الامني بل ايضا في الجانب النفسي للشعب، الذي أقام دولة من رماد الكارثة.
ان الثورة التي بدأها وغرسها فينا جميعا هو «أوسلو».
كان هناك رفض مطلق للوجود المتبادل. فنحن رفضنا وجود الشعب الفلسطيني، وهم رفضوا حق الشعب اليهودي في أن يكون في دولة اسرائيل. في «اوسلو» غيّر هو هذا الأمر.
كان هناك قلائل، وأنا منهم، ممن أيدوا اقامة دولة فلسطينية الى جانب دولة اسرائيل. وكنتيجة للثورة التي نفذها من خلال اتفاق اوسلو اصبحت هذه الاقلية أغلبية.
واليوم، حتى من يرفض «اوسلو» يتعاطى مع هذا الاتفاق ويسير على أساسه.
هذه ثورة سياسية دراماتيكية. حتى رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، يقول إنه مع الدولتين. صحيح، مع تحفظات، ولكنه ملتزم بالتعاطي مع هذا المفهوم.
لم يعتبر بيريس نفسه خاسرا، حتى عندما قالوا له في حينه: «رشقوك بالبندورة»، رد باستخفاف. «لم يكن هؤلاء سوى أربعة اشخاص»، قال.
رفض الكراهية الكبيرة التي كانت نحوه في حينه. هزائمه كانت مؤقتة، أما الانتصارات فخالدة.
قال أرئيل شارون ذات مرة انه في السياسة يجب على المرء أن يبقى دوماً على الدولاب. أما بيريس فقد رفع هذا القول إلى آخر حده المتطرف.
ليس مهماً ما هو منصبه، المهم أن تكون على الدولاب.
وقد آمن بكل قلبه بأنه على الدولاب كي يخدم الجمهور، حتى لو دحروه واسقطوه، يتمسك به مرة اخرى بأطراف أصابعه. قال: «ليس مهما في أي منصب اكون. في كل منصب سأؤثر اكثر. حتى لو كان المنصب صغيرا، سأساهم أكثر حتى ممن له منصب رسمي».
عندما اقام اسحق رابين حكومة، كان التوتر بينه وبين بيريس في ذروته، ولم يتحمس لكون خصمه وزيرا للخارجية. كنت مقربا من رابين وقلت له انه لا يحتمل الا يكون بيريس وزير الخارجية. وفي النهاية عرض عليه رابين حقيبة الخارجية المقلصة مع صلاحيات محدودة.
قال بعض رجال بيريس له: «دعك، لا تأخذ هذا»، اما بيريس فتردد وفي نهاية اليوم أخذ الحقيبة المقلصة، وبالحقيبة المقلصة صنع «اوسلو».
فقد آمن بأنه لا يوجد تقليل من القيمة في المنصب إذا كنت تخدم دولة إسرائيل وشعب إسرائيل.