صعدت قمة جبل كليمنجارو في تنزانيا الأيام الماضية بصحبة الكاتب إبراهيم نصر الله؛ من خلال روايته «أرواح كليمنجارو». يعتبر هذا الجبل أعلى قمة في قارة إفريقيا، والرابعة في العالم، ويتكون اسم الجبل من مقطعين في اللغة السواحلية ومعناه «شيطان البرد».
لن أتحدث عن الرواية بمضامينها ومكوناتها الكلاسيكية التقليدية، إنما سأتناول إنسانيتنا بمفاهيم الصعود الى القمة « في كل إنسان قمة عليه أن يصعدها وإلا بقي في القاع..مهما صعد من قمم». ما قام به الكاتب من فعل تمثل في صعود الجبل على أرض الواقع وتوثيق ذلك؛ ونقله لنا على شكل رواية، جعلنا نتنفس برئته الهواء البارد من على قمة جبل ما في داخلنا، ولكل قارئ جبل أوكثر في حياته مازال يخشى صعوده، أو هل نكتفي بصعود جبل واحد؟!
هذه الرواية أشبه ما تكون بأدب الرحلات، يعكس الكاتب ويوثق كل ما شاهده أو/و تعامل معه عبر رحلته، فنجد الكاتب ينقل كل ما رآه أثناء رحلته ويصف الأماكن التي زارها، لكن ما قام به إبراهيم نصرالله هو الترحال الى مكان ليذكر ويتذكر أماكن مختلفة جاء منها الرحالة المشاركين برحلة الصعود من جهة، وسرد المعيقات التي يواجهها كل مشارك من جهة أخرى.
تلك المعيقات كانت على أشكال مختلفة؛ أهمها حسب وجهة نظري ليست الإعاقات الجسدية حتى لو كان الصعود بحاجة الى جهد عضلي إضافي خصوصاً إذا ما كان جسدك فاقدا لساق أو يد، ما هو أهم هو الإيمان المطلق بطاقاتنا الكامنة، الثقة بمقدرتنا لفعل الفعل، معرفة أي قمة أو قمم نريد الصعود عليها، إكتشاف القمم التي بداخلنا، الإستعداد للرحل اليومية التي نخوضها حتى نصل القمة» ففي كل مرة أنت تصعد جبلاً مختلفاً، سواء فيما يتعلق بالظروف المحيطة بالجبل، من مطر أو ريح أو شمس حارقة، أو عواصف ثلجية، أو روح الجبل المتفاعلة مع ما حولها، أو مع الناس الصاعدين معك أيضاً».
هذه الرحلة أضاءت لي العديد من المساحات التي لم أكن أكترث بها أثناء محاولاتي اليومية للصعود الى القمم التي اريدها بداخلي، الإهتمام بمن يسير بجانبي، دون الإنشغال بمن هم خلفي.. ليس بالضرورة أن تكون تجربة الأخرين هي ذات التجربة التي أخوضها، فقدانك/خسارتك شيئا معينا لا يعني نهاية العالم وإنما عليك التعامل مع واقع جديد بأدوات وخطط جديدة، ربما نكون على قمة الجبل التي نريدها لكننا لا نعرف بأننا نقف عليها!!
لكن السؤال الذي مازلت أبحث عنه؛ هو كيف علينا خلق قمة جبل مشتركة لنا جميعاً رغم حالة التشتت والتيه التي نعيشها جميعاً أفراد وجماعات؟! وعلى الرغم من أن لكل منّا قمة جبل في حياته لكن هذا لا يعبر عن ضعف إمكانياتنا بصعود جبل تكون قمته لنا جميعاً. حين سئل أحد أبطال الرواية أثناء الصعود هل تعبت؟ قال: « لا، لا أبدًا، أي مجنون ذلك الذي يمكن أن يقول: تعبت من الحرية!»