يشير استئناف العمليات في الاسبوعين الاخيرين الى أن التصريحات حول حسم "موجة الارهاب" كانت زائدة. الاسباب العميقة التي تسببت بها ما زالت توجد هنا، ولم يحدث أي تغيير اساسي في الوضع. ولا يوجد أي تغيير في الأفق. إن واقع العمليات بقوة متغيرة قد يرافقنا في المستقبل القريب.
في المقابل، كان الاعلان عن انتفاضة ثالثة مبالغا فيه. وبعد سنة يمكننا القول بيقين إن الحديث يدور عن شيء مختلف عما رأيناه في السابق. ولكن في ظل غياب المشاركة والتأييد من قبل الجمهور الواسع وغياب التنظيم والتوجيه فان هذا لا يعتبر انتفاضة. العكس هو الصحيح: الجهات المؤسساتية في السلطة الفلسطينية فعلت كل شيء، العام الماضي، من اجل إنهاء العمليات: ليس انطلاقا من الاهتمام بحياة الاسرائيليين بل خوفا على مستقبل السلطة. الدرس الرئيس بعد مرور عام على العمليات هو أنه ليس هناك حلول سحرية تحل المشكلة بشكل كامل. في ظل عدم وجود جهة منظمة لمحاربتها، وفي ظل حقيقة أن جميع العمليات تقريبا كانت من قبل افراد لم يشركوا أحدا في نواياهم، فان الطريق الى الانتصار، أو بشكل أدق تقليص التهديد، توجد في قائمة طويلة من الاعمال والخطوات التي تتطلب عدة أدوات: عسكرية وتكنولوجية واقتصادية وسياسية ونفسية واعلامية وغيرها.
احتاجت اسرائيل اسابيع طويلة من اجل فهم ذلك. في هذه الاثناء، منذ بدأت "موجة الارهاب" في العملية التي قتل فيها الزوجان هنكين في الاول من تشرين الاول قرب نابلس، كان يبدو أن الحديث يدور عن شيء مختلف، أكبر، قد يخرج عن السيطرة، حيث إن الامر كان مقروناً بتحول الصراع الى صراع ديني، قومي، اقتصادي وشخصي. وليس بالصدفة تركز العنف في حينه ومنذئذ في نقطتين اساسيتين، القدس والخليل، اللتين تعتبران رمزين دينيين مع نقاط احتكاك استثنائية بين اسرائيل والفلسطينيين. تصرفت باقي مناطق الضفة الغربية بنوع من الاعتدال. مع استثناءات قليلة. وقد ساهم في ذلك قرار اسرائيل الحفاظ على روتين الحياة اليومي، رغم "الارهاب"، وتمكين الفلسطينيين من الخروج الى العمل وفلاحة اراضيهم والتجارة والتعليم، كي يكون لهم شيء ينهضون من اجله في الصباح، أو شيء قد يخسرونه.
التقليد العامل الأكثر وضوحاً
تبلورت حكمة الربح والخسارة في مرحلة مبكرة نسبيا. وهي تقول: من لا يشارك في "الارهاب" فهو يستمر في العيش كالعادة. ومن يشارك سيلحق به الضرر، وستؤخذ منه تصاريح العمل وتتم مصادرة امواله وهدم منزله. وعلى المستوى الاوسع، القرية أو الحمولة، وهذا ثمن باهظ. ومثال ذلك قرية سعير في الخليل. خرجت من هناك 12 عملية خلال فترة قصيرة، وكان من الواضح أنه اضافة الى الضغط العسكري، الاغلاق والفحص المشدد وتقييد العمل، يجب عمل شيء اضافي. التقى رجال الادارة المدنية مع وجهاء القرية، وأوضحوا لهم أن الوضع لا يمكن أن يستمر بهذا الشكل. وكانت النتيجة نقاشات مع الشباب في المدارس، كانت ذروتها تفتيشا يوميا في حقائب الطلاب للتأكد من عدم وجود السكاكين فيها.
هذا مثال واحد من عشرات الامثلة للاعمال التي جرت في السنة الماضية من اجل قمع "موجة الارهاب". في ظل غياب يد موجهة تبين بسرعة أن العامل الاكثر وضوحا بالنسبة لـ "المخربين" هو التقليد: يتم العمل بإلهام من عمل آخر أو منفذ آخر، والرغبة في العمل مثله أو الانتقام لموته. ومن قباطيا في شمال "السامرة" خرج الشباب الواحد تلو الآخر من اجل طعن الاسرائيليين، وجميعهم تقريبا كانوا اقرباء أو جيرانا أو اصدقاء في المدارس لمن خرجوا قبلهم. وكان من الواضح أنه من اجل كبح هذا الامر، هناك حاجة الى شيئين اساسيين: ايجاد مسافة زمنية كافية من الهدوء المتواصل منذ العملية الاخيرة كي يتم نسيانها ومنع حدوث اصابات في الجانب الاسرائيلي بقدر الامكان لتحويل العمليات الى أمر غير ناجع.
"في بداية الطريق لم تكن لنا وسائل كافية لمواجهة الارها"، قال قائد "يهودا" و"السامرة"، العقيد ليئور كرميلي. "منذ ذلك الحين حدث تحسن وطورنا أنماط عمل وتفكير، الامر الذي أدى الى نتائج أفضل".
العامل المركزي الذي يتحدث عنه كرميلي هو العامل التنفيذي: محاولة انهاء كل لقاء بين "مخرب" ورجل أمن (جندي أو شرطي) بدون اصابات في جانبنا وبدون انجاز لهم. وفي الطريق الى هناك كانت هناك حاجة الى تقليص الاهداف المدنية بقدر الامكان، كي نضمن أن من يتعرضون للهجوم هم رجال الأمن. ينبع هذا ليس فقط من كونهم جنودا ورجال شرطة مسلحين ومدربين، بل ايضا من الفهم البسيط أن مهمتهم الفعلية هي تشكيل حاجز بين "الارهاب" والمدنيين.
وقد تم اتخاذ خطوات مشابهة في نقاط ضعف كثيرة: المستوطنات ومحطات الحافلات. في الاسبوع الماضي تم احباط تسلل الى افرات، حيث تمت ملاحظة "المخرب" من خلال كاميرا وضعت هناك مؤخرا. وتم احباط عملية دهس في الاسبوع الماضي في مفترق الياس في الخليل، حيث اصطدمت السيارة في الاعمدة التي وضعت في المكان بعد احداث سابقة.
الخشية من فوضى تفيد "حماس"
تحسين الأداء التنفيذي كان جزءاً من الصورة الكاملة. ويضاف اليه ايضا الردع (الخشية من هدم المنازل والموت والاعتقال). وتحسين حقيقي في نجاعة الاستخبارات. واذا لم يكن جهاز الامن قد عرف في السابق كيفية الوصول واحباط عمليات الافراد، فقد تغير هذا الوضع بشكل دراماتيكي من خلال المتابعة المركزة، لا سيما في الشبكات الاجتماعية، حيث ينجح "الشاباك" والجيش الاسرائيلي في الوصول الى كثير من الشباب قبل خروجهم لتنفيذ العمليات. ان التعبير عن المواقف "المتطرفة" لا يشكل سببا للاعتقال، لكن عندما ندمج بين الرغبة المعلنة بالموت وبين الظروف الشخصية فان ذلك يشكل سببا "لزيارة بيتية" تشمل تحذير الوالدين، وعند الحاجة الاعتقال الاحترازي ايضا.
الى جانب ذلك، سجل في السنة الماضية تغيير واضح في الطرف الفلسطيني. في بداية الطريق جلست قيادة السلطة مكتوفة الايدي، وتابعت باهتمام الاحداث (خلافا لادعاءات اسرائيلية هي لم تشارك فيها، لكنها ايضا لم تعمل ضدها). وفقط عندما هدد العنف بالخروج عن السيطرة في اعقاب المظاهرات الكبيرة التي وقع فيها مصابون، وخصوصا عندما ظهرت الخشية من أن مسلحي التنظيم سينضمون الى العنف ويشعلون الميدان، أصدر أبو مازن أمرا بكبح النشاطات. هذا الامر تم تنفيذه بدقة وهو ما زال ساري المفعول الى الآن. وفي هذه الاثناء تعمل قوات الامن الفلسطينية ضد المخارط وتجار السلاح والصرافين. ويتم العمل احيانا عبر التنسيق مع اسرائيل، لكن من اجل هدف فلسطيني واضح هو الخشية من الفوضى، الامر الذي سيؤدي الى زيادة قوة "حماس" أو الى عملية اسرائيلية واسعة.
انضم عامل آخر الى كل ذلك يهتم به الفلسطينيون وهو معروف بشكل أقل في اسرائيل: هوية "المخربين". الكثيرون من اولئك الذين حاولوا تنفيذ العمليات في الماضي كانوا قاصرين، وكانت لهم جميعا تقريبا مشكلات: شاب ترك المدرسة أو البيت، امرأة خانت زوجها أو فتاة تخلى عنها من كان يرغب بالزواج منها. وعندما زادت الحالات تبين أن الحديث لا يدور عن الشهيد الكلاسيكي الذي يعمل من اجل وطنه وشعبه، بل اولئك الذين ارادوا استغلال ضائقتهم من اجل المجد. في مجتمع يُقدس ابطاله وتضحياتهم يوجد لذلك وزن كبير، الامر الذي أدى الى تراجع قيمة الشهداء. وبشكل غير مباشر الى تراجع عددهم.
يلاحظ الامر ايضا في تأييد الشارع الفلسطيني، كما يتبين من معهد الاستطلاعات برئاسة خليل الشقاقي في نابلس: في كانون الاول 2015 أيد 57 في المئة من الجمهور عمليات السكاكين. وتراجع بعد ذلك ليصبح 44 في المئة في آذار من العام ذاته و36 في المئة في حزيران 2016.
الأرقام تدل على وجود تحسن
في الاجهزة الامنية يقسمون السنة الماضية الى عدد من الفترات. الفترة الاولى هي اندلاع موجة العنف التي استمرت حتى آذار، والثانية الى شهر رمضان، والثالثة من نهاية رمضان حتى قبل اسبوعين. وقد تميزت الفترة الاولى بنسبة عالية من "الارهاب" وبشكل يومي تقريبا. الفترة الثانية كانت هادئة الى درجة كبيرة حتى شهر رمضان، حيث سجلت زيادة في "الارهاب" الذي توقف مع نهاية العيد وتجدد في الآونة الاخيرة، قريبا من عيد الاضحى والاعياد اليهودية.
في المحصلة النهائي حدثت في السنة الماضية 334 عملية ومحاولات تنفيذ عمليات. 192 عملية طعن، 100 عملية اطلاق نار، 33 عملية دهس و9 عمليات عبوات ناسفة. 39 مواطنا ورجل أمن قتلوا في الجانب الاسرائيلي اثناء العمليات (منهم 35 اسرائيليا، 3 أجانب وفلسطيني واحد). و199 فلسطينيا قتلوا (منهم 159 "مخربا"). وفي هذه الفترة تم اعتقال 3570 فلسطينيا، منهم 1200 كانوا على صلة مباشرة بـ "فتح"، و340 عملية افشال حقيقية، منها 12 عملية "انتحارية" و10 عمليات اختطاف (بما في ذلك العمليات التي شملت وسائل قتالية وشققا للاختباء). وأكثر من 120 عملية اطلاق نار، 29 موقعا لانتاج السلاح غير القانوني تم اغلاقها، 317 قطعة سلاح تم العثور عليها وصودرت ملايين الشواقل التي كان من المفروض أن تمول "الارهاب".
تروي هذه الارقام ما حدث وما تم منعه. وتلخيصها ايجابي: المعطيات في نصف السنة الاخير ليس فقط أنها جيدة أكثر من النصف الاول، بل ايضا تؤكد الفترات الموازية قبل عامين، والاعمال التي تم تنفيذها من الناحية التنفيدية والاستخبارية والاقتصادية، اضافة الى العمل المكثف لقوات الامن الفلسطينية، الامر الذي خفض شدة اللهب وخلق الشعور بأن الموجة الارهابية" قد هزمت.
وقد أعاد الاسبوعان الاخيران الامور الى نصابها، كما هو معروف. فـ "الارهاب" لم يذهب الى أي مكان. لقد تراجع واندلع مجددا تماما مثلما في السنة الماضية – كل ما هو مطلوب شرارة صغيرة كي تجر وراءها الكثيرين. وهذه المرة كانت الشرارة هي شائعة ولدت في اعقاب موت طفلة من بيت لحم في حادثة طرق، وكان الادعاء أن الدهس حدث بشكل متعمد وأن الداهسين كانوا يريدون الانتقام. من هنا، الطريق قصيرة الى العملية الاولى وعدد من العمليات التي حدثت في أعقابها. وجميعها تقريبا كان دافعها الانتقام والتقليد، في القدس والخليل.
كان رد اسرائيل الفوري ادخال المزيد من القوات والتعزيزات. وتقول التقديرات إن مركز الاحداث هو الحرم، الذي قد يشعل المنطقة في فترة الاعياد. رغم جهود التهدئة من قبل اسرائيل، بما فيها قرار عدم السماح للسياسيين بالذهاب الى الحرم. ومن لعب دورا مهما في ذلك هو المفتش العام للشرطة، روني ألشيخ، الذي يعتمر القبعة والذي جاء من "الشاباك"، الامر الذي حوله الى عامل مؤثر في تخفيف الخطر من الطرف الاسرائيلي.
تبييض المتواجدين غير القانونيين
ما زال "الارهاب" هنا مثلما كان على مدى الـ 150 سنة الاخيرة. الجمهور الاسرائيلي ومنتخبوه يرفضون قبوله كحقيقة، ويريدون التغلب عليه بشكل كامل. وهذا طلب عقلاني من المؤسف أنه غير موجود في مجال الحرب ضد حوادث الطرق (360 قتيلا في السنة)، أو حوادث الغرق في البحر (50 شخصا في المتوسط السنوي).
لا يتحمل الجمهور الالتباسات التي تأسس عليها الواقع المعقد في الميدان، والتي ستزداد تعقيدا في المستقبل. الغريزة هي الاشارة الى الجمود السياسي الذي يدخل في سياقه تداخل 2.8 مليون فلسطيني مع 400 ألف مستوطن في "يهودا" و"السامرة". ولكنّ هناك ايضا امورا اخرى كثيرة منها، في "يهودا" و"السامرة"، فنسبة البطالة هي 20 في المئة مقابل 5 في المئة في اسرائيل، والنسبة الكبرى هي في اوساط الشبان في أعمار 15 – 40 سنة، حيث يوجد حوالي مليون مثقف، بعضهم يحملون اللقب الثاني، في افضل الحالات يعملون في غسل الصحون بأجر يصل الى 60 شيقل يوميا.
في ظل هذا الواقع، خيبة الامل في الشارع الفلسطيني مرتفعة جدا. وهذا هو السبب الذي يجعل وزارة الدفاع تكافح ضد فرض الحصار على "المناطق"، والسماح بوجود نسيج حياة معقول بقدر الامكان، بما في ذلك ابقاء تصاريح العمل في اسرائيل، حيث إن هناك 120 ألف فلسطيني (عمالا وتجارا). هنا ايضا الاحصائيات لا تكذب: من يعمل لا يقوم بـ "الارهاب"، العمليات التي حدثت داخل الخط الاخضر تمت في اغلبيتها من قبل اشخاص دخلوا بشكل غير قانوني. وهذا يعني ضرورة زيادة الرقابة على هؤلاء الاشخاص أو "تبييضهم" ودمجهم في سوق العمل بوساطة التصاريح، انطلاقا من فهم أن من لديه سببا لينهض في الصباح، لن يتوجه في معظم الحالات الى اتجاهات خطيرة أخرى.
اليوم الذي يلي أبو مازن
التقدير هو أننا أمام اسابيع متوترة – موجة اخرى ستدفع الى اتخاذ الاعمال نفسها من اجل القضاء على تلك الموجة. ولكن بعد حدوث ذلك ايضا، فان الواقع في الميدان لن يتغير. و"موجات الارهاب" ستعلو وتهبط بقوة متغيرة، وسيقل الوقت بين الموجة والأخرى.
فتيل آيزنكوت
على خلفية هذه الأقوال يقترب الحدث الأكثر أهمية الذي تسببت به "موجة الارهاب" في السنة الاخيرة ومحاكمة الجندي اليئور أزاريا، من نقطة الحسم. ورغم النفي، يمكن للطرفين أن يتوصلا الى صفقة بهدف تحييد المشاعر والفجوة الخطيرة بين اعمال الجندي، كما يراها الجيش، وبين كيفية رؤية الجمهور لها.
في هيئة الاركان العامة هم على قناعة بأن الضرر الذي تسببه القضية هو قصير المدى. أما علاجها فله فائدة بعيدة المدى في الصراع على صورة الجيش الاسرائيلي. الادعاء هو أنه على خلفية مئات العمليات التي تم تنفيذها والعمليات التي تم افشالها، تظهر حقيقة أن جنديا واحدا فقط حوكم، الى أي حد يقوم الجيش بدعم جنوده الى أن يتجاوزوا المعايير.
لكن من وراء الكواليس، يدور الحديث عن صراع أكبر، حول سؤال من يدير الجيش – رئيس هيئة الاركان أو اعضاء الكنيست. يستقطب هذا الموضوع جميع الخلافات التي حدثت مؤخراُ: تفكيك قسم التوعية اليهودية في الحاخامية، الاحتجاج على موضوع حلق اللحى، الرسائل الالكترونية الصعبة من قبل الشخصيات العامة تجاه النيابة العسكرية والإدارة المدنية، وايضا قضية اليئور أزاريا وموضوع أوامر إطلاق النار.
في الوقت الحالي يرفض رئيس الاركان طأطأة رأسه أمام هذه المحاولات. صحيح أنه يشدد على القول إنه يخضع للمستوى السياسي، لكنه لا يخفي غضبه من الافعال والاقوال ومحاولات التدخل الخارجية. ومن يعرف آيزنكوت جيداً، يعرف أنه يوجد لفتيله نهاية. وحسب ما تجري الامور، قد ينقل في القريب صراعه على صورة الجيش الى الساحة العلنية.
إن التركيز الدائم على الحرم في فترة الأعياد قد يشعل المنطقة رغم جهود التهدئة من الجانب الاسرائيلي. ويساعد على ذلك قرار عدم السماح للشخصيات العامة بالذهاب الى الحرم. والأمر الذي سيوحد جميع المتنافسين على وراثة أبو مازن سيكون عداء اسرائيل، وستشمل المنافسة التصعيد الكلامي ضد اسرائيل، الامر الذي سينعكس في التصعيد في الميدان.