مصافحة القاتل في جنازة قاتل

d0c97cf3cdd2c5c7fe3a1d0f8213f727_w800_h400_cp
حجم الخط

شكّلت جنازة رئيس الكيان الإسرائيلي السابق شمعون بيريز فرصة لإظهار الكثير من جوانب وتعقيدات السياسة عموماً والصراع العربي مع العدو الإسرائيلي خصوصاً. فقد توافد إلى الكيان الإسرائيلي أكثر من 90 وفداً رسمياً من دول العالم وبينها وفود رسمية عربية كان أبرزها الوفد الفلسطيني برئاسة الرئيس محمود عباس. وأثارت هذه المُشاركة تعليقات وانتقادات مختلفة بسبب واقع أن هذا الكيان «دولة» معتدية أصلاً، وأن شمعون بيريز كان بين أبرز المُتطرّفين فيها ولم يكن في جوهره رجل سلام.
في كل حال، أشار عدد من كبار المُعلّقين في كيان العدو إلى أن الجنازة والحضور الدولي والإقليمي المُميّز يشهدان على المفارقة الكبيرة في واقع الكيان. فالصورة العامّة لهذه المُشاركة لم تنبع من تقدير للكيان العبري بقدر ما نبعت من اعتقاد شائع، يراه البعض مبني على أوهام، بأن بيريز كان رجل سلام. وتبدو المفارقة، بأشدّ صورها بهاء، عند مقارنة هذا الاعتقاد بالقناعة الراسخة لدى الكثيرين بأن رئيس حكومة العدو الحالي بنيامين نتنياهو نقيض لهذه الصورة.
ومهما يكن الأمر، فإن للمفارقة وجهها العربي والفلسطيني. فقد أشارت وسائل إعلام العدو إلى أن أعضاء الكنيست العرب، خصوصاً من القائمة المشتركة، لم يروا في بيريز ما رآه العالم وبعض العرب. وقاطع أغلب هؤلاء الأعضاء جنازة بيريز مُعلنين عدم قناعتهم بأن بيريز كان رجل سلام، على الرغم من فوزه بجائزة «نوبل» بسبب اتفاقيات «أوسلو».
وكتب رئيس القائمة المشتركة أيمن عودة على حسابه في موقع «تويتر» أن «ذكرى بيريز لدى الجمهور العربي تختلف عن الرواية التي تُشاع عنه في الأيام الأخيرة. ففي صالح بيريز في التسعينيات تُوجد نقطتان إيجابيتان هما السير إلى السلام في ظلّ بناء شراكة مع مندوبي الجمهور العربي. ولكن في المقابل، تُوجد لدينا معارضة حادّة لأمن الاحتلال وبناء المستعمرات». وبعدها كتب عودة: «أنا لست شريكاً في كل هذا الاحتفال. فلا يُمكنني أن أغفر عن العام 1949، فقد أوقع مصيبة على شعبي». وعبّر عودة بذلك عن مشاعر أغلبية فلسطينيي الـ 48 في إسرائيل.
غير أن السلطة الفلسطينية كانت لها حسابات أخرى. فقد وصل وفد فلسطيني رفيع المستوى ضمّ الرئيس عباس وعدد من قادة السلطة الفلسطينية. ورافق أبو مازن عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة «التحرير الفلسطينية» مسؤول ملف المفاوضات مع العدو الدكتور صائب عريقات ومسؤول الملف الإسرائيلي في السلطة محمد المدني ومسؤول التنسيق عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح» حسين الشيخ.
ولاحظت مصادر إسرائيلية أن عباس كان الزعيم العربي الأبرز الذي حضر جنازة بيريز التي حضرتها وفود من دول عربية بينها مصر والأردن والمغرب. وقد أثارت مُشاركة الوفود العربية في جنازة بيريز انتقادات حادة في أوساط عربية مُخالفة خصوصاً على وسائل التواصل الاجتماعي. وزادت هذه الانتقادات بعدما ظهر أن مشاركة أبو مازن ومكان جلوسه في حفل التأبين كان موضع خلاف وصراع داخل الكيان الإسرائيلي.
وترأست اللجنة المنظمة لمراسم الجنازة، والتي ضمّت ممثلين عن وزارتي الثقافة والخارجية، الوزيرة الليكودية المتطرفة ميري ريغف. وكان خلافاً قد دبّ في البداية حول موقع جلوس الرئيس عباس في الصف الأمامي للمُشيّعين. وأصرت ريغف على أن يجلس عباس في طرف الصفّ، لكن عائلة بيريز عارضت ذلك، وقالت إن عباس ضيفها وهي تُصرّ على أن يجلس في منتصف الصف الأمامي. وفي النهاية، تمّ حلّ هذا الخلاف كما تُريد عائلة بيريز وجلس أبو مازن بجوار وزير الخارجية المصري.
غير أن عنصر الإثارة الأكبر في الجنازة، جاء عندما التقى أبو مازن برئيس حكومة الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وتصافحا. واعتبر كثيرون أن هذا آخر إسهام سياسي هام لبيريز. إذ معروف أن رؤساء دول أوروبية عدّة، فضلاً عن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين حاولوا ترتيب مثل هذه المُصافحة فعجزوا. وها هو موت بيريز يُرتّب هذه المصافحة ويكسر الجليد بين الرجلين.
وكان نتنياهو هو من أقرّ طلب الرئيس عباس المُشاركة في جنازة بيريز. وحسب ما نُشر في وسائل إعلام العدو فإن أبو مازن قال لنتنياهو: «منذ زمن طويل لم نلتق»، فردّ نتنياهو: «أنا أُقدّر جداً حضورك الجنازة». ومعروف أن نتنياهو ووزير خارجيته أفيغدور ليبرمان، والكثير من المتحدّثين باسمهما، يُعلنون صبح مساء أن أبو مازن «غير ذي صلة» وأنه «ليس شريكاً».
وقد استغلت جهات أوروبية ودولية وصولها إلى الكيان الإسرائيلي للمشاركة في جنازة بيريز، لحثّ نتنياهو على التقدّم في العملية السلمية. وعدا وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فدريكا موغريني، تباحث نتنياهو بهذا الشأن أيضاً مع الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الذي تعمل حكومته من أجل ترتيب مؤتمر دولي للسلام في باريس قبل نهاية هذا العام.
وبحث هولاند وعباس، على هامش الجنازة، التحضيرات لعقد المؤتمر الدولي للسلام.
وقال كبير المُفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات: «اتفق هولاند وعباس على تسريع التحضيرات لعقد المؤتمر الدولي للسلام المقرر عقده في نهاية هذا العام»، مضيفاً أن هولاند أبلغ عباس أن «مبعوثاً فرنسياً سيزور فلسطين في شهر تشرين الأول في إطار مواصلة الجهود الفرنسية لعقد المؤتمر».
في كل حال، أثارت مُشاركة أبو مازن في جنازة بيريز انتقادات حادّة في الأوساط الفلسطينية والعربية، لكن أيضاً برزت انتقادات إسرائيلية. فقد حمّل وزير التعليم، زعيم «البيت اليهودي» نفتالي بينيت على نتنياهو لأنه صافح عباس وتساءل: «لماذا نهرع لمصافحة أبو مازن؟».
وكتب بينيت على صفحته على موقع «فايسبوك»: «لم أفلح في فهم سبب وقوف الإسرائيليين بالدور لمصافحة أبو مازن، الذي يُشجّع على قتل الإسرائيليين ويدفع مُخصّصات لقتلهم».