أمريكا تعاقب العرب وتكافئ "إسرائيل"

thumbgen (48)
حجم الخط
 

شهدت السياسة الأمريكية حادثين مهمين قلبا ثوابت السياسة الأمريكية في المنطقة، وأهمها علاقاتها مع دول حليفة. هذا الثابت لم يعد قائماً بعد تبني الكونغرس قانون «جاستا»، الذي يستهدف مقاضاة الدول التي يثبت أن لها دوراً مباشراً في أحداث سبتمبر 2001، والمقصود هنا المملكة العربية السعودية. أياً كانت الإجراءات التي قد تتبع لوقف هذا القانون فإنه يشكل تحولاً خطيراً في السياسة الأمريكية، ومن شأنه أن يؤدي إلى مراجعة شاملة في العلاقات العربية - الأمريكية، وقد يؤدي إلى تبدل في خريطة التحالفات التي تربط دول المنطقة بدول أخرى، كما يؤدي لبروز دور أكبر لدول مثل روسيا والصين. هذا القانون أياً كانت دوافعه غير المبررة، سوف تترتب عليه تداعيات سياسية واقتصادية كارثية ليس فقط على مستوى العلاقات الثنائية بين السعودية والولايات المتحدة، بل قد تمتد تداعياته إلى الوضع الاقتصادي العالمي، وسوف يترتب عليه فقدان الثقة في كل الضمانات الأمريكية التي تقدمها للدول المستثمرة، فكما هو معلوم فإن السعودية من أكبر الدول التي لها استثمارات في السندات الحكومية الأمريكية. ثم إن هذا القانون يعني تغييراً في ثوابت السياسة الأمريكية.
وخطورة هذا القانون أنه يأتي في الأيام القليلة المتبقية لرئاسة الرئيس أوباما، وبالتالي يقلل من أهمية استراتيجية المساومات التي تمارس بين الكونغرس والبيت الأبيض.
أما الحدث الثاني الذي لا يقل كارثية عن الأول فهو الاتفاق العسكري الذي وقعته إدارة أوباما مع حكومة نتنياهو، رغم ما قيل عن توتر العلاقات بينهما بدرجة لم تسبق علاقة أي رئيس أمريكي برئيس حكومة «إسرائيلية». وما يعنينا في هذا القرار حجم المساعدة العسكرية التي تلتزم بها الولايات المتحدة وتقدر ب 38 مليار دولار على مدار العشر سنوات القادمة، غير المساعدات الإضافية. وأول دلالة سياسية على ذلك أن الثابت الوحيد الذي لا يتغير في السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط هو الالتزام ببقاء وأمن وتفوق «إسرائيل»، هذا الثابت هو الذي لازم الإدارات الأمريكية منذ نشأة «إسرائيل»، وهو ما ينبغي قراءته من هذا الاتفاق، مقارنة بالقانون الذي أكد على أن دعم الدول العربية الصديقة ليس ثابتاً فى السياسة الأمريكية. والأمر الآخر أن هذا الدعم العسكري يعني الالتزام ببقاء «إسرائيل» الأقوى في المنطقة، وهو ما قد يفسر ما يخطط للمنطقة من خطط وتقسيمات سياسية جديدة أساسها أن «إسرائيل» هي الدولة المحورية في المنطقة، وهذا يأتي على حساب الدور العربي المستهدف في قدراته العسكرية والاقتصادية، وكأن الولايات المتحدة تريد أن تبعث برسالة تؤكد فيها أنه لا تحالفات ولا مستقبل سياسياً للمنطقة من دون «إسرائيل». والدلالة السياسية الثالثة هي فرض الرؤية السياسية «الإسرائيلية» لأي حل سياسي في المنطقة.
هذه قراءة سريعة لهذين الحادثين المهمين وتداعياتهما على المستقبل السياسي للمنطقة، وهو ما يستوجب مراجعة لعلاقات الدول العربية بالولايات المتحدة ليس من زاوية التخلي عنها، بل من زاوية فهم أكثر لآليات السياسة الأمريكية الداخلية وخلق اللوبيات العربية المؤثرة في عمليات صنع القرار الأمريكي.
الحادثان يشكلان بداية مرحلة سياسية جديدة في العلاقات العربية -الأمريكية.
عن الخليج الاماراتية