لم يكن الشأن الداخلي في فتح، أو دورها شأناً داخلياً لتلك الحركة، منذ العام 1969، واعتلاء الفصائل المسلحة، سدة القيادة في م.ت.ف. ذلك أن فتح شكلت العمود الفقري للمنظمة، وتمكنت من قيادة م.ت.ف، والعمل السياسي والعسكري الفلسطيني.
أقرت الفصائل الفلسطينية جميعها، بدور فتح، وبالتالي كان الائتلاف والاختلاف معها، اختلافاً يدور في أطر ومؤسسات المنظمة، وكان الاختلاف مع القائد العام لقوات الثورة الفلسطينية، آنذاك، ياسر عرفات، وعلى حد تعبير الحكيم، الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين د. جورج حبش، كان الاختلاف معه، لا يعني الاختلاف عليه.
عانت فتح، عَبر مسارها الطويل، ودورها المحوري، من خلافات داخلية كثيرة، وعانت من انشقاقات، كان بعضها خطراً، كما حدث في العام 1983، وكانت في كل مرة قادرة على استيعابه وتجاوزه، بنجاح وحكمة.
الآن، وبعد قيام السلطة الوطنية الفلسطينية، وانخراط فتح، بها وتحولها، إلى ما يشبه الحزب الحاكم، باتت فتح تعاني من أزمات داخلية، لا يجوز التقليل من خطورتها، وهنالك تدخل إقليمي عربي، غير مقبول من الفلسطينيين جميعاً.
اجتمعت الأطر القيادية لفتح في رام الله، في الأيام القليلة الفائتة، ما يشبه الكونغرس، وتداولت شؤونها الداخلية، والشؤون الفلسطينية كافة، بجدية وشمول وعمق، ولعلّ الإعلان الرسمي، المتمخض عن هذه الاجتماعات، يدلل على جدية تلك الاجتماعات.
هنالك توجه لعقد المؤتمر العام السابع للحركة، في الشهر القادم، وتوجه لعقد المجلس الوطني بعده.
وهنالك جملة قرارات وتوجهات من شأنها، إن تم الإعداد السليم لعقدها، أن تتجاوز أزمة فتح، والأزمة الفلسطينية، بوضعها الراهن، وأن تتمكن فتح وم.ت.ف، من استعادة التوازن، والقدرة على الأداء السليم، وسط تلك الأمواج العاتية.
حظيت اجتماعات فتح، وأطرها القيادية، باهتمام فلسطيني وعربي ودولي، قلّ نظيره، وهنالك مراهنات وتوقعات، بإمكانية تفجر الأوضاع الداخلية، إن لم نقل رغبة في ذلك.
ما حدث، كان مخيّباً لآمال المراهنين، بتفجر الأوضاع الداخلية.
الآن ونحن على أعتاب عقد المؤتمر العام السابع لفتح، ومن ثم عقد المجلس الوطني في دورة عادية، فإن الأمر يحتاج إلى سرعة الحركة في الاعداد دون الإخلال بما يقتضيه هذا الأمر من دقة، وتوازن وحسن أداء، وذاك ينطبق على الاعداد لعقد دورة المجلس الوطني العادية.
التحديات كبيرة وخطرة، والمعركة ضدنا ككيان فلسطيني سياسي، معركة ضروس وخطرة، لكن لا بد من خوضها بشجاعة وثبات وحكمة، ولا مناص من عدم خوضها، لأن في ذلك الاضمحلال والفناء.
القضية المحورية الآن، هي الوجود الفلسطيني، في اطار م.ت.ف، وصيانة العمود الفقري وحمايته، وهذه ليست مهمة أبناء فتح بقدر ما هي مسؤولية الوطنيين الفلسطينيين كافة.
في حال متابعتنا للجهود المضادة، الرامية للقضاء على السلطة والمنظمة وفتح، ولو سريعا، عبر أبواق وأجهزة ووسائل معادية، بعضها فلسطيني مأجور، وعربي رسمي وغير رسمي، وعبري، ودولي على اختلاف مذاهبه ومشاربه، بإمكاننا أن ندرك الأبعاد الحقيقية لما نتعرض وما سنتعرض له الآن، وفي الأشهر القليلة القادمة.
ليس مستبعداً، في حال حسن الأداء، وخوض تلك المعركة بشجاعة وحكمة وقيادة جماعية، أن نتمكن من تجاوز ما نحن فيه، كما أنه ليس وارداً، في حال التغامز وتقديم الجزئي والهامشي على ما هو رئيسي ومحوري، والغرق في خلافات جزئية وهامشية، أن نفسح في المجال، لتلك الجهود السوداء الحاقدة والمعادية، من تحقيق أهدافها المدمرة!!!