الحكمة يا أهل الحكمة

طلال عوكل
حجم الخط

فيما يبدو على أنه صحوة لمن تبقى من العرب، إزاء وعي مدى أهمية الارتباط الوثيق بين القضية الفلسطينية، والمحافظة على وحدة واستقرار ومصالح الكيانات العربية التي لم يجتاحها الحريق بعد، يبدو ان الوضع الفلسطيني ينزلق اكثر فاكثر نحو الفوضى والمزيد من الخلافات والانقسامات، والضعف. لم يتعلم الفلسطينيون لا من دروس تجربتهم الخاصة ولا من دروس التجربة العربية، فلقد بدأ الانقسام والاحتراب وسفك الدم قبل ان تبدأ النار تشتعل في هشيم المنطقة العربية، وتطيح بكيانات وتهدد وحداتها الاقليمية بكل انواع واشكال الصراعات والخلافات العميقة.
فلسطين جزء لا يتجزأ من الامة العربية، فاذا كانت هذه حقيقة لا جدال فيها، فانها بالتأكيد ستصاب اليوم او غدا بذات اعراض المرض الذي يصيب مكونات الامة، لكن الصراع الذي يخوضه الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال ومن اجل انتزاع حقوقه، ينبغي ان يحقق كثيرا من اعراض المرض على الجسم الفلسطيني، فاذا كان الامر ليس كذلك فان الفلسطينيين يتحملون المسؤولية عما يحل بهم.
الرباعية العربية التي اجتمعت هذا الاسبوع وهي المكلفة متابعة الشأن الفلسطيني وتختلف مكوناتها عن الرباعية العربية الجديدة التي قدمت خارطة طريق قبل اسابيع قليلة، اقرت التوجه الى مجلس الامن الدولي للتحرك على ثلاثة مفاصل من العيار الثقيل.
المفصل الاول يتعلق بمشروع قرار بشأن الاستيطان، والثاني بشأن رفع مكانة فلسطين في المنظمة الدولية الى مكانة دولة كاملة العضوية، اما الثالث فيركز على ان يكون عام 2017 عام انهاء الاحتلال وذلك استجابة لنداء تضمنه خطاب الرئيس محمود عباس امام الجمعية العامة للامم المتحدة خلال الشهر المنصرم.
السؤال هنا حول جاهزية وأهلية الوضع الفلسطيني بما هو عليه اليوم لكي يكون رافعة قوية نحو تبرير واسناد جبهة الرباعية العربية، وكيف يمكن للمجتمع الدول ان يسمع الصوت الفلسطيني الباهت، الضعيف، الذي تنخره الانقسامات والخلافات وتزداد فيه مظاهر الفوضى، وتتعمق فيه كل اشكال الانقسام؟
الحال الفلسطيني لم يكن في أي وقت منذ اندلاع الثورة أسوأ مما هو عليه الحال اليوم. لا يتمكن الفلسطينيون من اجراء الانتخابات المحلية كاستحقاق قانوني وموضوعي، فيكون ذلك سبباً وذريعة لتعميق ازمة الثقة، وتبديد كل امل في المصالحة واندلاع معركة الاتهامات والاتهامات المقابلة باستخدام لغة لا تراعي ابسط قواعد ومبادئ ادب الحوار السياسي حتى بين الاعداء. يتلو ذلك مشاركة وفد فلسطيني برئاسة الرئيس محمود عباس في مراسم تأبين الصهيوني شمعون بيريس، فتهب العواصف قوية ومليئة بغبار يعمي العيون ويملأ الحناجر، تخرج الاصوات المنددة، من كل اتجاه بما في ذلك من شبيبة فتح الطلابية في جامعة بيرزيت، ومن بعض مسؤولي الحركة، وتتردد في انحاء مختلفة المطالبة برحيل الرئيس عباس.
 خالدة جرار عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وشباب مخيم بلاطة، و"شبيبة فتح في بيرزيت" وشبيبة حزب الشعب، كل هؤلاء عدا كثيرين من رواد شبكة التواصل الاجتماعي، وعدا الصامتين، يرددون ذات المطلب.
اما الدكتور محمود الزهار القيادي البارز في حركة حماس فقد ذهب الى ابعد من ذلك.
لا تتوقف المواجهات بين أجهزة الامن، ومن تعتبرهم خارجين عن القانون في عدد من المدن والمخيمات الفلسطينية في الضفة، ويسقط جراء ذلك ضحايا بين الطرفين ـ وبشكل عام فان الفهم والسلوك الأمني الذي يطغى على المصالحات السياسية، والمجتمعية والفصائلية، يخلق حالة من التوتر الشديد، ويستدرج الكثير من أشكال ودوافع الفوضى والفلتان، ما يذكر الجميع بالأوضاع التي سبقت انقلاب حركة حماس في قطاع غزة، ولكن بدون جهة تسعى وراء انقلابات في الضفة.
يغيب الحوار، ليفسح المجال لمزيد من قمع الحريات وإخراس الأصوات المعارضة، وسط توترات سياسية صعبة بين الفصائل خصوصا بين فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، ما ينذر بأن يتحول الانقسام المعروف بين فتح وحماس الى انقسامات تصل الى داخل الفصائل.
ما يلفت النظر، هو البيان الذي صدر عن حركة فتح، ردا على كل ما جاء من ردود فعل على العديد من الأحداث والتطورات، يستخدم لغة ومفردات، لم يسبق لحركة فتح في تاريخها الطويل ان استخدمته، حتى في أصعب مراحل الخلاف والانقسام السياسي.
الساحة الفلسطينية مرت بمحطات شديدة الصعوبة قبل أوسلو، وحين تم توقيع اتفاقية أوسلو، لكن حركة فتح لم تسجل على نفسها ان تلوح باستخدام القوة والتهديد والقمع ضد فصائل من منظمة التحرير الفلسطينية.
مطلوب من حركة فتح أب وأم المشروع الوطني الفلسطيني، ان تسحب ذلك البيان، ومطلوب من الجميع ان يحكموا العقل وان يتبصروا مآلات الوضع فيما لو استمرت الأمور على ما شهدناه خلال الأيام القليلة الماضية والتي ان استمرت لا قدر الله، فانها ستطيح بالكل، وقبل ذلك ستطيح بأحلام الشعب الكبيرة منها والصغيرة.