البحث عن عمل إضافي ضرورة وليس ترفيهاً !!

عبد الناصر النجار
حجم الخط

لماذا البحث عن عمل أو وظيفة ثانية، وهل السبب هو ملء وقت الفراغ.. أم أن الوضع الاقتصادي الصعب، وازدياد حالات الفقر، وارتفاع الأسعار المتسارع لا يقابلها مجتمعة ازدياد في الدخل، ما يجبر كثيراً من الموظفين العموميين وغيرهم على البحث عن عمل آخر بل وعن متاعب وهموم أخرى.
من منا لا يرغب في الاسترخاء بعد 8 ساعات من العمل الصباحي أو المسائي... ومن لا يرغب في أن يحافظ على علاقاته الاجتماعية... ولكن في لحظة ما، لا مفر من العمل بعد العمل لمواجهة الأعباء بدل الاستدانة أو الانتحار ـ لا سمح الله.
ظاهرة العمل الإضافي ليست مقتصرةً على الفلسطينيين بل تتعداها إلى المنطقة العربية وربما بشكل أسوأ وفي أعمال غير مرغوب فيها... وأيضاً إلى العالم أجمع.
وتأكيداً على ذلك، فإن مؤشر "ستابيلس أدفانتيج وورك بلايس إنديكس" يذكر أن 12% من العاملين بوظائف كاملة في الولايات المتحدة الأميركية لديهم عمل آخر.
أما في المملكة المتحدة، فيبلغ عدد هؤلاء 1.88 مليون موظف، وفي سوق العمل في الاتحاد الأوروبي زاد عدد الملتحقين بوظائف إضافية بنسبة 45% ما بين 2004 و2013.
هذه الأرقام تشكّل مؤشراً جيداً على أنه في العالم كله تزداد أعداد الباحثين عن عمل إضافي في ظل الضغوط الاقتصادية والمالية، وارتفاع مستوى المعيشة وتكلفة الحياة اليومية.
في فلسطين، ظاهرة العمل الثاني سواء كان وظيفة أو عملاً جزئياً أو حتى عملاً حراً كإنشاء بقالة، أو بسطة خضار أو مشروبات ساخنة أو باردة، بدأت بشكل واضح بعد قيام السلطة، لأنه قبل ذلك لم يكن هناك قطاع عام ولا وظائف حكومية. وكانت سوق العمل الإسرائيلية مشرعةً على مصراعيها... فلم تكن هناك حاجة للبحث عن عمل آخر.
من دون مقدمات وجد آلاف الموظفين، وخاصة ممن يعملون في السلك العمومي أنفسهم غير قادرين على العيش بالحدّ الأدنى من مستوى معيشة مقبول بسبب ضعف الراتب، وأكبر دليل على ذلك الملتحقون بالشرطة والأمن الوطني حيث تسرّبت نسبة كبيرة منهم لعدم كفاية الراتب وغرق الكثيرين في الديون. وما زاد الطين بلّةً سياسة القروض التي أدت إلى خراب بيوت كثيرة.
نأتي إلى بيت القصيد، وهو قرار الحكومة بإلزام الموظفين العموميين عدم العمل في أي وظيفة أو عمل آخر تحت طائلة القانون والمساءلة. مع أن نسبةً عاليةً من الموظفين غارقون في الديون البنكية للقروض السكنية، علماً أن أسعار الشقق في فلسطين هي الأعلى في المحيط العربي، أو بسبب الزواج، أو حجم العائلة الكبير.
وفي هذا الإطار، ماذا سيفعل الموظف الذي أخذ قرضاً لشراء شقة بضمان وظيفته الثانية معتمداً على القانون الذي أتاح له أن يعمل في غير أوقات الدوام الحكومي بموافقة رسمية.
وبالتالي هم مجبرون لا مخيّرون على وضع أصعب مما يتخيله كثير من المسؤولين الذين هم ليسوا بحاجة إلى عمل إضافي.
ومن هو غير مدرك لخطورة هذا القرار، نقول إن اقتصادنا مربوط إجبارياً بالاقتصاد الإسرائيلي، والأسعار شبه متقاربة، وقد تزيد عندنا أحياناً، وخاصة الملابس وبعض المواد الغذائية... وقد أشار تقرير لمؤسسة التأمين الوطني الإسرائيلية في العام 2015 إلى أن الفرد الواحد الذي لا يزيد دخله على 3077 شيكلاً شهرياً يعتبر فقيراً، وأن العائلة المكونة من زوجين دون أولاد ويقل دخلها عن 4923 شيكلاً تعتبر فقيرة... وأن العائلة المكوّنة من خمسة أفراد ويقل دخلها عن 9230 شيكلاً تعتبر فقيرة...
لو سرنا على هذا المعيار وخفّضنا هذه الأرقام لنسبة 20-30% لخرجنا بنتيجة أن 90% من الفلسطينيين تحت خط الفقر؟!!!
الحكومة قد ترغب بقرارها في تخفيف حدّة البطالة، على أساس أن الموظفين الذين يعملون في وظيفة أو عمل آخر يعملون على حساب متعطل عن العمل... ربما في ذلك جزء من الحقيقة، ولكن ليس كل الحقيقة... لأن ذلك القرار لو طبق ستكون نتائجه كارثية، فبدل أن نكون بمشكلة واحدة وهي البطالة سنصبح في مشكلتين هي البطالة والفقر وستكون النتائج أكثر صعوبة.
حل مشكلة البطالة يحتاج إلى تفكير منطقي آخر... وإلى إبداع... لا ترقيع!!!.