روسيا تنتخب «ترامب».. لماذا؟!

هاني حبيب
حجم الخط

ورقة إضافية استخدمتها إدارة اوباما ورئاسة المجمع الذي يقود الحملة الانتخابية للمرشحة الديمقراطية للرئاسة الأميركية، وهي ورقة "الغزل الروسي" للمرشح الجمهوري "ترامب" وإذا كانت روسيا، رئيساً ووسائل إعلام وأدوات الإعلام الاجتماعي الروسية، تصب في حراكها لصالح ترامب، فإن ذلك يوفر أداة إضافية لصالح المرشحة كلينتون، وذلك من خلال التأكيد على أن العدو الروسي المنافس الأكبر على السياسة الدولية، يؤيد ترامب الذي سيعمل من أجل إنجاح هذه المنافسة لصالح الروس، فالأولى بالناخب الأميركي أن يعمل على إفشال وصول ترامب والروس إلى البيت الأبيض!
قبل يومين، اتهمت إدارة اوباما "الحكومة الروسية" بأنها دبرت عمليات قرصنة لرسائل البريد الإلكتروني العائدة لمؤسسات وأشخاص في أميركا، خاصة خوادم الحزب الديمقراطي فيما يتعلق بالخطط التي وضعتها رئاسة الحملة الانتخابية للسيدة كلينتون وتمرير هذه المعلومات عَبر "ويكيليكس" و"غو سيفر 2.0"، واشنطن قالت إنه ليس لديها دليل على أن الرئاسة أو الحكومة الروسية وراء هذا الأمر، غير أن الجهة الوحيدة القادرة على ذلك هي خوادم روسية لا تعمل بمثل هذه الموضوعات إلاّ من خلال ضوء أخضر رسمي، وبينما اعتبر الكرملين هذا الأمر، "ليس أكثر من هراء" عادت وسائل الإعلام الأميركية للتذكير أن الرئيس الأميركي اوباما أشار في الأول من تموز الماضي، معلقاً على ما تسرب إلى ويكيليكس من مواد تتعلق بالحملة الانتخابية لكلينتون على أنه "لا يستبعد دوراً روسيا مذكرا هو الآخر، أن هناك غزلاً علنياً بين ترامب وبوتين، وهذا ما يجعل روسيا تتدخل بوضوح في العملية الانتخابية للرئاسة الأميركية"!!
المتابعون الذين شاهدوا المناظرة بين ترامب وكلينتون مساء 26 أيلول الماضي، توقفوا عند إشارة الأخيرة إلى أنها في حال فوزها، ستحمي البلاد من هجمات الهاكرز، بكافة الوسائل بما فيها العسكرية، سواء عصابات هاكرز مستقلة أو "مؤسسات حكومية" مشيرة إلى اتهام السلطات الروسية تحديداً وراء تدبير هذه الهجمات، بينما رد ترامب، مدافعاً عن روسيا (!) بالقول إنه لا توجد أدلة على تورط روسيا في تدبير هذه الهجمات، وظهر المرشح الجمهوري كعميل للكرملين مع أن كلينتون لم تصل إلى هذا الحد في الاتهام!!
في أول مناسبة، حاول ترامب أن يدافع عن نفسه، فاستغل فشل الاتفاق الروسي ـ الأميركي حول سورية، وقيام التحالف الروسي ـ السوري بتوجيه ضربات جوية لمدينة حلب، لكي يعلن إدانته لهذه الهجمات، مشيراً إلى أن روسيا أخلّت بالاتفاق، مع أن ترامب سبق وأن أعلن موقفاً معارضاً لهذا الاتفاق، غير أن محاولته للدفاع عن نفسه "كعميل للروس" أملت عليه مثل هذا التصريح، على الأقل هذا ما كان من أمر تفسير وسائل الإعلام الأميركية لأقوال ترامب، وهي ذات الوسائل الإعلامية التي كانت تركز ـ ولا تزال ـ على الغزل المتبادل بين ترامب وبوتين، الأول وصف الثاني "بالقائد القوي والمتمكن" بينما قال الثاني واصفاً الأول "المرشح الرئاسي المفضل بلا منازع".. ولعلّ تراجع ترامب في استطلاعات الرأي الأخير يعود فيما يعود إلى نجاح الحزب الديمقراطي في استثمار هذا الغزل لصالح مرشحته، والإعلان المشار إليه في بداية المقال، إشارة واضحة إلى نجاح الحملة الانتخابية للحزب الديمقراطي في استثمار هذا الموقف والتأكيد عليه للتشويش على المرشح المنافس!
في المناظرة المشار إليها، تشدد ترامب حول القوة النووية الروسية، مشيراً إلى أن ذلك يشكل خطراً على الأمن والسلم وعلى الولايات المتحدة، إلاّ أن إضافته على هذا التصريح، هو الذي كان أكثر أهمية بالنسبة لروسيا، إذ قال: "لا يجوز أن يواصل الجيش الأميركي استخدام مظلته النووية لحماية دول لا تعطي أي مقابل لواشنطن، إننا نحمي اليابان وألمانيا وكوريا الجنوبية، إننا نقدم لها خدمات هائلة ولا نحصل إلاّ على الخسائر" هذا يعني بالنسبة لموسكو أن ترامب ربما يكون صاحب رؤية فيما يتعلق بسياسة "العزلة" التي قال بها في السابق المحافظون الأميركيون في الحزب الجمهوري، في حال تبني سياسة العزلة هذه، فإن ذلك يعد هدية مجانية لدور روسي واسع في السياسة الدولية.
ترامب وعد بوقف سياسة العقوبات ضد روسيا، والأهم الاعتراف الأميركي بضم شبه جزيرة القرم إليها، وترامب لن يحارب الأسد في سورية في حال فوزه، "الأسد سيئ جداً غير أن الأولوية لمحاربة داعش، وليس لنا مشكلة مع الأسد".
التعبيرات السياسية الفوضوية التي عبر عنها ترامب سواء من خلال تصريحاته أو المناظرة التليفزيونية، قد تشير إلى بعض الخلط بين بعض الأمور، غير أن تصريحاته المتعلقة بالخصم التقليدي للولايات المتحدة، تبدو أكثر انسجاماً، كإشارة إلى أن هناك موقفاً محدداً إزاء العلاقات المستقبلية الهادئة مع روسيا في حال فوزه، من هنا يمكن فهم موقف روسيا من انتخابات الرئاسة الأميركية، غير أن هذا الموقف قد يرتد سلباً إذا ما نجح الحزب الديمقراطي في استثمارها لصالح كلينتون، فالأميركان يريدون أميركا قوية في وجه العالم كله، خاصة في وجه الدب الروسي، لذلك قد يكون الغزل المتبادل بين بوتين وترامب، تذكرة طلاق بين الأخير والبيت الأبيض!!