رهانان: عاثر وضعيف التأثير!

حسن البطل
حجم الخط

ما الذي يهمّنا من ثلاثة تقاويم سنوية؟ أن السنة اليهودية 5777 بدأت في 3 الشهر الجاري، وسبقتها بيوم السنة الهجرية الإسلامية 1438، وأما السنة الميلادية 2016 فأمامها شهور ثلاثة لتبدأ سنة 2017، التي تصادف 50 سنة على احتلال العام 1967.
عشية السنتين اليهودية والإسلامية، لم يكمل شمعون بيريس عامه الـ94.
رئيس إسرائيل، ورئيس حكومتها، هنأ الإسرائيليين اليهود بالسنة العبرية، وتجاهل تهنئة الفلسطينيين في إسرائيل وفلسطين (والعالم الإسلامي) ببدء السنة الهجرية.
فيما سبق من سنوات، كانت تتصادف مناسبات وأعياد دينية متقاربة، وكان "بيت الكرمة" في حيفا يقيم في المصادفات هذه نشاطات ثقافية تحت عنوان "ها غا شل ها غاييم"، أي "عيد كل الأعياد" حسب "بيت ها غيفن"!
في السنتين اليهودية والإسلامية، هناك "يوم متمم" وبينما المسلمون لم يستقروا على حساب بدء سنتهم، فإن اليهود استقروا على تقليد بموجبه يحدّدون بدء سنتهم لمدة قرن كامل. كيف؟
السنتان قمريتان والسنة الميلادية شمسية، وكما في السنة الإسلامية: ربيع الأول وربيع الثاني، فكذا كل ثلاث سنوات في السنة اليهودية يضيفون 10 ـ 11 يوماً لشهر يسمى "آدار ب" وكانت السنة اليهودية 2777 أطول بيوم واحد من سابقتها.
ما يهمنا هو أنه مع كل سنة يهودية جديدة، تقوم إسرائيل بحساب ديمغرافي لعدد اليهود وغير اليهود من رعاياها. هذه السنة هناك 6.2 مليون يهودي و1.7 مليون عربي (بحساب فلسطينيي القدس وسوريي الجولان) ومجموعهم 370 ألفاً، بينما تحسب الإحصاءات الفلسطينية 280 ألف فلسطيني مقدسي.
بفضل اليهود "الحريديم" (يتكاثرون 6.8%) تراهن إسرائيل على التفوق الديمغرافي على الفلسطينيين (من 7 ولادات 1975 إلى 3.1 في العام 2015)، علماً أن تكاثر اليهود العلمانيين لا يتعدى 1.4%. المستوطنات اليهودية مفارخ يهودية.
سنتذكر ما قاله رابين، عشية أوسلو: لو كان يهود إسرائيل بلغوا المليون السادس (وأساطيره) ما كان يذهب إلى تسوية مع الفلسطينيين في أوسلو.
الذي يهمنا أكثر، هو استطلاعات الأحزاب في السنة العبرية الجديدة، وفيها أن زعيم "يوجد مستقبل ـ يش عتيد" يائير لابيد قد يحرز في انتخابات مبكرة عدداً من المقاعد يفوق ما قد يحرزه "الليكود" بزعامة نتنياهو (27 مقابل 22)؟
هل معنى هذا أن لبيد سيشكل حكومة؟ كلا. لأن الاستطلاع ذاته يقول إن نتنياهو هو المرشح المفضل لرئاسة حكومة رابعة.. وربما خامسة لأن ائتلافات الليكود تتفوق على ائتلافات "يوجد مستقبل"، عدا عن أن "إسرائيل بيتنا" و"البيت اليهودي" يفضلان ائتلافاً برئاسة نتنياهو، وكذا الأحزاب الأصولية الدينية.
مرّ زمن، كان حزب العمل يحرز فيه 48 مقعداً، ثم هبطت في الاستطلاعات الأخيرة، مقاعد العمل ـ الاتحاد الصهيوني إلى أقل من عشرة مقاعد، كما هبطت مقاعد "الليكود" ذات سنة إلى 12 مقعداً بالتخويف من التصويت العربي.
هل نقول: بدءاً من العام 2009، وحكومة نتنياهو الثالثة، تضاءلت الفرصة حتى كادت تتلاشى، بالرهان على حكومة أقل يمينية وفاشية.
في مقابل عصبية "الكراسي الموسيقية" في أحزاب إسرائيل، سنلاحظ أن استطلاع السنة العبرية الجديدة، وما سبقها، يشير إلى ثابت عدد مقاعد ائتلاف الأحزاب العربية، وهو 13 مقعداً في"القائمة المشتركة" من أربعة أحزاب عربية.
نعرف أن رابين مرّر أوسلو على الكنيست بغالبية صوت عربي، وآخر برشوة صوت يهودي بسيارة، وأن ايهود باراك فاز 1999 بفضل أصوات الفلسطينيين من رعايا إسرائيل، لما كان منصب رئيس الحكومة بالاقتراع المباشر.
المهم، أن الرهان على حكومة إسرائيلية، أكثر جنوحاً لحل الدولتين، صار عاثراً، حتى لو انضم "المعسكر الصهيوني" بمقاعده الحالية الـ24 الحالية، وتولى اسحاق هرتسوغ منصب وزير الخارجية، وانسحب منها "البيت اليهودي".
الآن، تطالب أحزاب أقصى اليمين بضم "شيلوخي" لكتل استيطانية إلى إسرائيل. بعضها يريد كتلة "أريئيل"، والآخر "غوش عتصيون" وآخرون "معاليه أدوميم".. بينما "البيت اليهودي" يطالب بضم الضفة الغربية كلها!
العالم لم يعترف بضم القدس والجولان، ولا بشرعية المستوطنات، لكن إسرائيل لا تأبه بكل ذلك، ولا تلتفت إلى التنديدات الدولية، وآخرها نقل بؤرة "عمونا" من جوار "عوفرا" إلى بؤرة "شيلو".
لاحظ متحدث في الخارجية الأميركية أن بؤرة "شيلو" المتطرفة أقرب إلى الأردن منها إلى إسرائيل، لكنه لوّح بأن ذلك قد "يُبعد إسرائيل عن بعض أقرب حلفائها"، أي الولايات المتحدة.
في آخر مقال لـ "نيويورك تايمز" حثت الرئيس أوباما على إنقاذ "حل الدولتين" بخطاب أخير يضع فيه الخطوط العريضة للخلافات حول الوضع النهائي (الحدود، اللاجئين، القدس). السلطة قد تقبل وإسرائيل ستتجاهل.
هذا الاحتمال ضعيف التأثير، خاصة بعد اتفاق المساعدات الأميركية لإسرائيل خلال عشر سنوات (2019ـ2028).
على الأغلب، ستكون لأفكار أوباما 2016/2017، ذات مصير أفكار كلينتون 2001، حتى وإن أقرها قرار لمجلس الأمن، ورفعت واشنطن "الفيتو" عليه، أو امتنعت عن التصويت، أو صوتّت لصالح مشروع فرنسي سيقدم للمجلس بعد المؤتمر الدولي المزمع قبل نهاية هذا العام.
***
تحدثنا عن مصادفات السنتين اليهودية والإسلامية، وسنجد في العربية والعبرية مصادفات لغوية ذات معنى في الصراع الديمغرافي والجغرافي.
في العبرية والعربية هناك آدام = آدم أبو البشر، لكن، أيضاً، هناك للأرض (الاستيطان) لفظ عربي هو "اديم = جلد الأرض" وآداما= جلد الأرض في العبرية.
الدولة اليهودية تعني ديمغرافياً كما تعني جغرافياً: أكبر عدد من اليهود يسيطرون على أكبر مساحة من الأرض.. ومن النهر إلى البحر.
قديماً، كان العرب يشبهون إسرائيل بالأفعى، وفي الأفلام هناك أفعى "أناكوندا" القادرة على ابتلاع إنسان، ولكن ليس هضمه، بل لفظه حتى لا تختنق. إسرائيل اليهودية تشبه في صراعها مع الفلسطينيين أن تبتلع ثم تلفظ.. أو تختنق!