حين يكون «فيسبوك» مقاوماً للاحتلال!

رجب أبو سرية
حجم الخط

مرَّ عام على اندلاع هبة الأقصى، أو انتفاضة السكاكين، أو ثورة الشباب الرافض للاحتلال الإسرائيلي، الذي ولد ولم يرَ سواه من نظام حكم وتحكم استبدادي، لا نظير له في هذا العالم، ورغم أن تلك الهبة التي اختلف المتخاصمون الفلسطينيون، حتى على تسميتها، وبالطبع اختلفوا حول أهدافها وأبعادها، طبيعتها ومستواها، لم تتطور، ولم تحدث خلال عام هزة أرضية تحت أقدام جنود ومستوطني الاحتلال البغيض، إلا أنها، ورغم استخدام " دولة الاحتلال " عمليات القتل أو الإعدام الميداني بحق كل من يشتبه بحمله سكينا، ورغم حجم الاعتقال العشوائي الذي طال عشرات الآلاف، ورغم كل الحواجز والاستنفار الأمني، ورغم كل الظروف المعيقة محليا وإقليميا، إلا أن تلك الهبة لم تنطفئ، ولم تتوقف، لسبب بسيط جدا، وهو أن الاحتلال بكل غطرسته وسوءاته ما زال قائما، وليس هنالك من أفق لإنهائه، دون السير على طريق مقاومته ميدانيا.
الغريب في الأمر، أو المثير للانتباه هو، أن الاحتلال الذي كان يقدم في لوائح الاتهام ضد المعتقلين أدلة تتضمن اعترافات أو وثائق تشير إلى انتماء أو تعاون مع فصائل المقاومة أو ما إلى ذلك، اعتقل خلال العام المنصرم، نحو 250 مواطنا، بادعاء " التحريض " عبر وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة عبر موقع " فيسبوك "، معتبرا حرية الرأي والتعبير تحريضا، رغم أن بعض المعتقلين، فقط استخدم كلمات ومصطلحات عادية جدا ومتداولة في الشارع الفلسطيني، مثل مقاومة، شهيد، انتفاضة أو حرية.
يبدو انه في ظل " ترهل " فصائل العمل الوطني والإسلامي وعجزها عن قيادة ومن ثم التعبير عن " ثورة " الشباب الفلسطيني، بما فيها فتح وحماس، شعبية / ديمقراطية / حزب، وجهاد وتحرير، حيث يعتبر التنظيم أداة توحيد وتحشيد وقوة ضاربة، وجدت ثورة الشباب الفلسطيني، في مواقع التواصل الاجتماعي ما يعوض عن غياب التنظيم، ببعديه التنظيمي، أي الاتصال والتتابع، وبعده الإعلامي، حيث يتم التفاعل والكشف عن كل عملية، بما يؤدي ذلك إلى أن يكون جزءاً من الكفاح ضد فاشية الاحتلال، حيث باتت القدرة العامة والسهلة على التصوير " باليوتيوب " دليلا لإثبات إقدام الاحتلال على عمليات قتل وإعدام ميداني بحق شبان لم يفعلوا شيئا، ولمجرد إصابة جنود الاحتلال ومستوطنيه بالهلع ولوثة الخوف والرعب من السكاكين، أو بلوثة شهوة القتل.
الشباب الفلسطيني الذي استلهم من الشباب العربي، ميزة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي كأداة تنظيم اجتماعي وتواصل وتفاعل، نجحت في إسقاط أنظمة حكم مستبدة، تطلع ومنذ أكثر من خمس سنوات للقيام بثورته، للإطاحة بالاحتلال الذي هو أكثر استبدادا من نظام حكم الفرد في الدول العربية، وبالفعل تشكلت عشرات الجماعات وظهرت مئات المواقع على صفحات الفيسبوك التي يدعو بعضها لإسقاط الانقسام، وبعضها لإسقاط السلطة، إن كانت تلك التي في رام الله أو تلك التي في غزة، وإسقاط الاحتلال، أي أن الشباب الفلسطيني عجز عن التوحد حول شعار ناظم، كما فعل الشباب في تونس أو مصر أو ليبيا، حين رفع شعار " الشعب يريد إسقاط النظام ". حسم هذه الشعارات المختلفة والمتفرقة جاء ميدانيا، فالكفاح ضد الاحتلال يوحد الجميع من جهة ومن جهة أخرى، يفرض تجديدا حزبيا وتنظيميا للجميع، ويكنس الترهل والبيروقراطية عن جميع الفصائل والجماعات السياسية.
حكومة اليمين الإسرائيلي المستبدة والفاشية، وغير الديمقراطية والتي لا تؤمن بحق الآخر بالحياة فتعدمه لمجرد الشبهة بإقدامه على فعل مقاوم، ومن باب أولى لا تؤمن بحرية التعبير والرأي، لاحقت ناشطي الفيسبوك، وفعلا كانت قد سعت عبر إدارته لإغلاق مئات الصفحات، بعد أن قامت بإغلاق الإذاعات وأدوات الإعلام الفلسطيني المحلي، واعتقال عشرات الصحافيين.
ولأن إسرائيل " دولة دقة قديمة " من حيث هي نتاج الحرب الباردة، ومن مخلفات الاستعمار العالمي، فإنها تجد مع مرور الوقت نفسها ليس في مواجهة العالم سياسيا وحسب، ولكن تجد نفسها في مواجهة التقدم في وسائل الاتصال، وتجد نفسها فعليا يوما بعد يوم، ضد حرية التعبير وحقوق الإنسان التي يزداد إيمان البشرية بها، وبمناسبة عملية القدس الأخيرة، حيث رد الشهيد مصباح أبو صبيح على طلب تسليمه لإدارة سجن الرملة بتسليم نفسه لله شهيدا، وفي محاولة من أوساط الأمن الإسرائيلي، الذي ما زال يرفض الاعتراف بحقيقة أن الاحتلال هو سبب ودافع المقاومة، برر العملية ليس بسبب الفشل الأمني ولكن بسبب وجود عشرات آلاف المحرضين عبر الفيسبوك، كما قال المحلل الأمني للقناة الثانية روني دانييل !
أما الشهيد أبو صبيح فكان قد اعتقل نهاية العام الماضي بتهمة التحريض عبر الفيسبوك، وذلك لنشره " بالروح بالدم نفديك يا أقصى "، فكم من شهيد ومعتقل الآن برسم الاحتلال الإسرائيلي، لاستخدامه الفيسبوك، الذي وجدت فيه أجهزة مخابرات العالم ومنها أجهزة أمن إسرائيل، فرصة للتجسس وجمع المعلومات الشخصية ومحطة لرصد الاتصال والتواصل بين الناس، الأقارب والأصدقاء، لدرجة أنها باتت تعد عليهم أنفاسهم، لكنه، كما كل شيء يحتوي الشيء ونقيضه، فهو أداة تعبير وتنفيس عن الفقراء والمضطهدين في العالم، وبات أداة للكفاح من اجل إسقاط الاستبداد والاحتلال.