قصة الحياة، النهايات (2 – 2)

عبد الغني سلامة
حجم الخط

كما يموت الأفراد؛ تموت الشعوب والحضارات، وعبر تاريخ البشرية عشرات الشعوب ماتت، ولم يبقَ منها سوى بعض الأطلال.. الحياة على الأرض اختبرت الموت الجماعي مرات عديدة، فقد تعرضت الأرض سابقا لست كوارث كبرى، كانت في كل مرة تُلحق دمارا وتخريبا هائلين، وتتسبّب بانقراض معظم سكان الكوكب.
وحاليا، تتعرض الحياة على كوكب الأرض لانقراض سابع كبير، والسبب هو الإنسان، بممارساته الخاطئة، وبتعدّياته على موارد الأرض وكائناتها.
فخلال الخمسين عاما الماضية، انقرضت مئات الآلاف من الكائنات الحية، بمعدل انقراض أكثر 40 مرة عما كان عليه قبل مائتي عام..
والانقراض الجماعي لعدد كبير من الكائنات ليس هو السيناريو الوحيد المحتمل لنهاية الحياة على الأرض، فهناك ما لا حصر له من السيناريوهات، وربما كانت هذه المادة المفضلة لمنتجي هوليود، حيث تم إنتاج عدد كبير من الأفلام السينمائية التي تتخيل فناء الحياة الحالية، إما بعد حرب نووية، أو على إثر إعصار شمسي، أو بسبب زلزال مدمر... وتتخيل تلك الأفلام شكل الحياة الجديدة التي نجت من الدمار، وترسم صورة لبقايا بشر جفت من قلوبهم معاني الرحمة والإنسانية، وارتدّوا إلى بدائيتهم، وراحوا يقتلون بعضهم بعضا.
ومن أبرز تلك النهايات المأساوية المحتملة، ارتفاع معدل درجة حرارة الأرض بمقدار خمس درجات مئوية بسبب الانحباس الحراري، أو بسبب انهيار طبقة الأوزون. وهناك احتمال أن ينهي القمر الحياةَ على الأرض، فإذا كان هذا القمر من بين أسباب نشوء الحياة على الكوكب، خاصة بعد أن اقترن مع الأرض بدورانه الشهري حولها بما يشبه رقصة التويست، فإنه نتيجة تباعده عنها رويدا رويدا سيرقص معها رقصة عناق الموت؛ ما يعني أنه لا بد أن يأتي اليوم ويفلت القمر من مجال جاذبية الأرض، ليلتهمه أحد الكواكب العملاقة، أو ليحترق في جوف أحد النجوم؛ حينها ستصبح ليالي الأرض ظلاماً دامساً. وهذا لن يكون تأثيره سلبيا على العشاق والشعراء وحسب، بل سيعني توقف الحياة على الأرض.
الاحتمال الآخر للنهاية أن يدمر ارتطام مباشر لأحد الكويكبات مدينة بأكملها في غضون ثانية واحدة، فتصبح أثرا بعد عين، فقد اعتاد كوكبنا على تلقي ضربات من كويكبات فالتة بمعدل مرة كل بضعة ملايين سنة، واكتشف علماء الجيولوجيا أن تدميرا بيئيا واسعا يحدث دوريا كل ثلاثين مليون سنة، وهو رقم ضئيل بالنسبة لعمر الأرض، كما أن الحركة البندولية لمحور الأرض تجري بانتظام، وتسبب حلول عصور الجليد، وكانت آخر مرة نفلت فيها من قبضة الجليد قبل 12500 عام، وهو رقم بسيط في عمر البشرية.
وإذا تسببت الأنفلونزا العادية بمقتل نحو 20 مليون إنسان في أعقاب الحرب العالمية الأولى، أي أضعاف ما قتلتهم الحرب، فإن فيروس ما، هو في علم الغيب الآن، سيكون سببا لانتشار وباء عظيم، سيخرج عن نطاق السيطرة، وسيؤدي إلى موت مليارات البشر.
إذا ما تحقق أي من هذه السيناريوهات التي تهدد بفناء الحياة على الأرض، فإن وقوعها وإن كان بالنسبة للكائنات كارثة الكوارث، إلا أنها بالنسبة للأرض حدث عادي، فلو مات كل ساكني الكوكب، من بشر وحيوانات ونباتات؛ فإن الأرض ستواصل بكل برود أعصاب دورتها التقليدية حول الشمس، وستواصل رحلتها الأبدية في الفضاء الفسيح، ولكن هذه المرة دون ركاب.
ومع كل هذه التصورات المرعبة، يثور السؤال: ما الفرق بين شخص تناول عشاءه الأخير ثم خَلد للنوم ولم يستيقظ بعدها، أي أنه توفي بهدوء وسلام، حتى دون أن يشعر بموته! وبين موتٍ يخطف حياة ملايين البشر في لحظة واحدة، نتيجة قصف نووي، أو بسبب ارتطام نيزك.. بحيث لا تتاح الفرصة لهؤلاء أن يشعروا بالألم؟! الإجابة فقط في بلاغة الإنشاء.
ليست الأرض الوحيدة التي يتربص بها خطر الفناء؛ الشمس أيضاً معرضة للموت، وما نفاد وقودها النووي، وتحولها إلى قزم أبيض إلا مسألة وقت، عندها سيستغرق دمار الأرض ثماني دقائق فقط، هي المسافة بين الأرض والشمس حسب سرعة الضوء، وإذا لم تدَمَّر حينها، ستفلت من عقال الجاذبية، وستضيع في الفضاء، حتى يبتلعها ثقب أسود.
وبذلك تُسدل الستارة مرة أخيرة ونهائية على قصة وجود البشر والكائنات الحية على كوكب كان يدعى الأرض.
مجرّتنا العظيمة "درب التبانة" ستواجه مصيرها المحتم بالفناء، عاجلا أم آجلا، وقد وضع العلماء تصورات عديدة لتلك النهايات، عالِم الفيزياء الكونية "بول ديفيز" يقول في كتابه الدقائق الثلاث الأخيرة: "يتوهج درب التبانة بضوء مائة مليار نجم، كل نجم منها سيقع ضحية القانون الثاني من قوانين الديناميات الحرارية، وسيقضي نحبه في غضون عشرة مليارات سنة، بعد أن يستنـزف حاجته من الوقود، وبعد بضعة بلايين من السنين وبطريقة بطيئة ومعذبة ستلقى آخر النجوم حتفها، وعندها سيحل الليل مرة أخيرة وإلى الأبد".
والمصير نفسه الذي لاقته درب التبانة تنتظره بقية المجرات، بعد أن تستنفد طاقتها النووية، وتنطفئ شعلتها، وعندها سينتهي عصر النور بلا رجعة.
فالكون بأكمله سينتهي، إما بسبب انفجاره بعد أن يتوسع إلى الحد الأقصى تماما مثل البالون، أو بسبب تقلصه تحت وطأة قوى الجاذبية، وعندما يتسارع انهيار الكون سترتفع درجات الحرارة دون توقف، فتنضغط المادة بقوة كبيرة، حتى تختفي معها البروتونات والنيترونات من الوجود، ولا يبقى من أثر الكون إلا سحابة الموت، ليتهيأ المسرح للكارثة الكونية النهائية، والتي ستحتاج أجزاء ضئيلة من الثانية.
في اللحظات الأخيرة من عمر الكون، ستسيطر قوى الجاذبية بصورة شاملة، فتسحق بلا رحمة المادة والمكان وتزيلهما تماما من الوجود، وتزيل معهما كل شيء فيزيائي: المكان والزمان والطاقة. وهذا هو الانسحاق العظيم الذي سيعلن انتهاء المادة، ونهاية كل شيء، وبما أن الزمن نفسه سيتوقف عند هذه اللحظة، فإنه لا معنى لسؤالنا: ماذا بعد ذلك؟ لأنه ليس ثمة شيء بعد ذلك. ولا معنى لأي سؤال آخر، في كون قُدِّر له أن يستنفد زمنه بالكامل.
تذكّروا أن كل تلك النهايات الحزينة ستحدث بعد موتنا بزمن طويل، فلا داعي للقلق.
(أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدهُ إنَّ ذَلِكَ عَلى اللّهِ يَسيرْ).