عندما يميل العقلاء للشطط والتجني!!

thumb (5)
حجم الخط
 

الإخوان المسلمون وحماس في دائرة الاستهداف

مع إيماننا بأهمية النقد، وحق المفكرين والكتّاب والمحليين بممارسة ذلك بحرية، إلا أن البعض من هؤلاء العقلاء يغالبه الشطط؛ لاعتبارات حزبية أو بسبب تناقض الأيديولوجيا وتباعد الرؤى الفكرية أو لوقوع الآخر في دائرة "شنآن قوم"!!
فمنذ أن انكسرت موجة المد الإسلامي بانتكاسة ثورات الربيع العربي منذ عدة سنوات، وعادت أنظمة القهر والاستبداد إلى مواقعها، شحذ الكثير من الليبراليين ومفكري اليسار وأصحاب الأجندات الحزبية والسياسية أقلامهم، وبدأوا في التحريض على الإخوان المسلمين وحركة حماس، وعملوا على تشويه صورتهم والتشهير بهم.
لا شكَّ أن بعض هؤلاء الكتَّاب والمحللين كانوا من الفطنة والدهاء، بحيث أنهم اعتمدوا في مهاجمتهم للإخوان - والإسلاميين بشكل عام - على كتابات مَنْ غادروا صف الإخوان لاعتبارات مختلفة، وجنحوا لتوجيه الانتقادات لهم، أمثال الأخوين: ثروت الخرباوي وكمال الهلباوي وآخرين.
ولولا المبالغة في عمليات الجزِّ والتشهير، وعدم توخي العدل والانصاف لدي هؤلاء الكتّاب والمحللين، لما أشغلت نفسي في الرد والكتابة حول هذه المسألة، لقناعتي بأن النقد في حياة الشعوب والأمم هو شيء من التدافع الفكري المحمود، وهو وسيلة لمعرفة أين أصبنا؟ وأين أخطأنا؟ وكيف نسدد الخطى كي يستقيم النهج وتنعدل المسيرة. 
لقد سبق لي في أكثر من مقال أن حاولت الرد على بعض من مارس النقد بأسلوب التهكم والتحامل وتجنى بإفراط على الإخوان، وحاولت أن أقول ما للإخوان وما عليهم، وبالصورة التي أعرفها أو عايشتها معهم لقرابة خمسين سنة؛ سواء داخل الوطن أو خارجه، بحيث يمكنني أن أتحرى الصدق مع نفسي من جهة، ومع كل من سيقرأ ما كتبناه من جهة أخرى، مستثمراً ما لدينا من ثقة وتقدير داخل دائرة الانتلجنسيا الفكرية والأدبية في بلادنا، وبالصراحة التي عرفها هؤلاء عن شخصيتي.
هنا سأتناول بعض ما كتبه القيادي الفتحاوي بكر أبو بكر، وهو شخص واسع الاطلاع في مجال الحركة الإسلامية، وعندما أسمعه يتحدث على الفضائيات أنصت له، وعندما يكتب أشعر بالرغبة في قراءة مقالاته، رغم أنني لا أتفق مع جوهر ما يقدمه، وخاصة تجاه خصومه في الساحة الفكرية والسياسية كالإخوان وحماس، حيث يغيب العدل وينعدم الانصاف. 
ففي سلسلة مقالات كتبها الأستاذ بكر أبو بكر، تحت عنوان "مضامين التعبئة الفكرية في الإخوان المسلمين وحركة حماس"، ونشرها في العديد من الصحف والمواقع الإخبارية وعبر الفيسبوك، حيث تناول فيها الإخوان وحركة حماس بصورة سلبية، ولم يجد – للأسف - لكبرى الحركات الإسلامية في العالم حسنة يُذكِّر العالم بها، أما حركة حماس فهي الأخرى نالها الكثير من التجني، ولم يبخل بقلمه من الإساءة والتشهير بها!! 
سأقتصر هنا على المقال الذي نشره الكاتب بتاريخ 7 أكتوبر 2016، والذي تناول فيه مفهوم السمع والطاعة عند جماعة الإخوان المسلمين، وكذلك عند حركة حماس؛ باعتبارها – كما يقول - الفصيل الفلسطيني التابع لتلك الجماعة، والقائم على أساس "الطاعة العمياء"، والتي هي أشبه بمشهد الميت بين يدي المُغسِّل.!! وذلك في أسلوب تهكمي يجرح مشاعر وكبرياء كل من انتسب لهذه الحركة العظيمة، والتي كانت منذ تأسيسها عام 1928 على يد الإمام الشهيد حسن البنا (رحمه الله) هي من استنهضت بفكرها وتضحيات كوادرها والمؤيدين لها كيانات الأمة من واقع الحالة الاستعمارية، التي ضربت أطنابها من المحيط إلى الخليج في أعقاب الحرب العالمية الأولى.
وتكفي الإشارة إلى بعض العناوين التي تناولها في سلسلة مقالاته العشرة، والخاصة بحركة الإخوان وحماس، للتدليل على تعمد صديقنا العزيز بكر أبو بكر الإهانة والتجريح.. ومن هذه العناوين: "المظلومية ولعب دور الضحية"، "فكر المؤامرة وعدم الاعتراف بالآخر"، "القداسة والولاء"، "الحصرية مقابل الإقصاء"، "التقية والباطنية والتبرير"، "الخلط المتعمد بين العقدي-الدعوي وبين السياسي الحزبي" ..الخ
في مقاله الذي يتحدث فيه عن "الطاعة العمياء"، يُقر صاحبنا العزيز بكر أبو بكر بالأمر التالي: "إن الانتماء والانضباط والالتزام قيم ضرورية في أي تنظيم سياسي أو ديني أو مجتمعي، إذ أن الاقتناع والإيمان بفكرة يرتّب على المقتنع بها أن ينشرها ويُنظّر لها ويدافع عنها، ويلتزم بمجموعة من التعليمات والأوامر وبالسلسلة القيادية، ولكن في المقابل فإن أبواب التنظيمات مفتوحة بين الأعضاء والقيادة ضمن آليات التفاعل الديمقراطي والاجتماعات والمؤتمرات والاتصالات ما يتم النص عليه بالحقوق والواجبات في دساتيرها ولوائحها، التي تعطي حق التساؤل والاستفسار والنقد والاقتراح والمراجعة والمشاركة بالقرار برحابة وسلاسة ما يختلف كليا عن الطاعة المطلقة والسمع الأعمى". وهذا كلام جميل لا نختلف معه فيه، وهو إنسان مؤطر تنظيمياً ويعرف هذه الأمور كأبجديات وبشكل جلي، ونشهد أن الإخوان وحماس ما خرجوا عن شيء مما ذكره.
وفي مقاله أيضاً أدرج اقتباساً للسيد ثروت الخرباوي، جاء فيه: إن "السمع والطاعة بطريقة احتفالية، وكسيف بيد القائد على الأتباع أصبحت من سمات الالتزام في تنظيم الإخوان و"حماس" منذ دهر وبشكل مبالغ به، خاصة مع تعملق الفلسفة القطبية في التنظيم، لكنها اليوم في ظل متغيرات الاتصالات وتدفق المعلومات في عصر المعلوماتية والتنور تأثرت وضعفت، وفي ظل انتشار الرائيات (التلفزات) والشابكة (الانترنت) التي تنقل وتضخ وتقدم من المعلومات ما لا يتفق بالضرورة مع ما يبتغيه الفكرانيون (المؤدلجون) من الناس قد تجعل من منطق الميت بين يدي المغسل وهماً وسراباً".
واضح أن هذا الاقتباس لا يخدم غرض "الطاعة العمياء"، الذي تحدث عنه الصديق بكر أبو بكر، ولا أعتقد أن الخرباوي أورد فيما كتبه حركة حماس، ولكن يبدو أن صاحبنا عمل بمنطق تحميل الجزء على الكل.!!
والسؤال: طالما أن الأمور لم تعد بالشكل الذي وصفه في المقال (الطاعة كالميت بين يدي المغسل)، فلماذا استدعاء هذه المسألة؟!
أشار الصديق العزيز بكر أبو بكر لمسألة أن الإخوان لا يعترفون بالخطأ، واستشهد بأحد الإخوان السابقين؛ سامح عيد، من مصر والذي ذكر قصة في لقاء له أجرته معه صحيفة الوفاق حول مفهوم السمع والطاعة، حيث قال: إن هناك قناعة عند البعض بأن الإخوان أو قياداتهم لا يخطئون، وليس لديهم اعتراضات أو مراجعات.!!
بصراحة، إن غياب التوازن في طريق عرض الصديق بكر أبو بكر لمقالاته عن الإخوان وحماس، يذكرنا بقيام كاتب إسلامي يجري بحثاً عن حركة فتح، وكل استشهاداته هي من شخصيات تمثل اليسار وحركة حماس، فهل يعقل ذلك؟!
إن ما أطلقه الأخ خالد مشعل في مؤتمر الدوحة حول "تحولات الحركات الإسلامية"، بتاريخ 24 سبتمبر 2016، فيه إجابات كافية للرد عليك يا صديقنا العزيز، حيث أعلنها بالصوت العالي: "لقد أخطأنا"، وقالها أكثر من مرة، وسبق لي والأخ د. غازي حمد أن قلنا ذلك في مرات عديدة، بأمل أن يلتقي الوطن وينتهي الانقسام، وإذا كانت هناك للصديق بكر أبو بكر متابعات للمواقف التي تحدثت بها قيادات إخوانية، فإن هذه المسألة لم تعد فيها مكابرة، كما أن هناك مراجعات تمَّ إجراؤها في السودان وليبيا والأردن وقطر واليمن والكويت ودول المغرب العربي، وتمخض عنها الكثير من السياسات والمواقف، وترتب على ذلك أن تقارب الإخوان كثيراً من مشهد الحكم والسياسة، وصاروا في بعض البلدان جزءاً من المنظومات الحاكمة في المنطقة، ولهم مساهمات في جهود الإصلاح والتغيير التي تجري في الكثير من الدول، والكل أصبح يقول: نعم؛ أخطأنا.. ويا قوم "تعالوا إلى كلمة سواء". 
الإشكالية التي تجعلني في حيرة لفهم الصديق بكر أبو بكر هي في اعتماده على روايات تاريخية تعود لسنوات الستينيات، حيث كان الإخوان ملاحقين ومطلوب رأس الكثير منهم لدى الأنظمة الدكتاتورية، التي كانت تحكم المنطقة بالحديد والنار، ويريد من الإخوان أن يكونوا في خطابهم منفتحين، وأن يباشروا دعوتهم في الهواء الطلق، وأمام أعين الأجهزة الأمنية التي تتربص بهم.!! نعم؛ في ذلك الزمان كان النظام يتهمهم بأنهم أصحاب منهج انقلابي، ولذا لجئوا للعزلة والابتعاد عن عيون من يتربص بهم، هذا ما يقوله منطق الأشياء يا صديقي.
إن الإخوان وقيادات حركة حماس يعلنون – اليوم - عن أسمائهم وألقابهم، ويلتقون بالجموع ويتحركون وسط الحشود، ويشاركون في المؤتمرات والمسيرات، وراياتهم مرفوعة لا يخشون إلا الله، وقد يتحوط بعضهم لدواعٍ أمنية خاصة من ذئاب المستوطنين وزنانات المحتلين. أليس هذا هو واقع الإخوان وحركة حماس اليوم يا صديقي؟! 
لقد كنا نعقد المؤتمرات ويحضرها عشرات الآلاف، وهذه مشاهد عشتها في مصر في السبعينيات، وفي أمريكا طوال فترة حياتي هناك، كذلك في الأردن والجزائر والمغرب وتونس واليمن والسودان وموريتانيا، إذ لم يعد هناك ما يوجب الخوف والعزلة، ولا ما يستدعي التفكير بالمناهج الانقلابية؛ لأن بدائل "صندوق الاقتراع" أضحت متاحة، فلم الحاجة للدم والرصاص؟ 
وفي سياق التدليل على سرية التنظيم وتغييب فضاء الديمقراطية عند حماس كما يحاول تصوير ذلك في المقال، يأخذنا صديقنا بكر أبو بكر إلى الهيكلية العسكرية للحركة، والقول بأن "حماس كفصيل مقاوم واخواني، فإن كتائب القسام فيه تأخذ بكل مسارات العمل السري لدى الإخوان، حيث تتجلى الطاعة العمياء والولاء كما هي في التنظيم الخاص السري في الإخوان المسلمين، الذي يُذكر كثيراً في أدبيات الاخوان عامة، ولدى كل الخارجين من الجماعة بكثير من التوجس والاتهام والرفض".
المضحك في هذا القول إن الكاتب لا معرفة عنده ولا اطلاع حول هذا الموضوع، ويتعمد المبالغة في تشبيهه بتنظيم صغير انتهى دوره في مصر ومن تشكيلة الإخوان منذ الستينيات، فيما كتائب القسام هو مؤسسة تحكمها أطر شورية، ولها صلاحيات محددة وتتبع كيانية بالغة السرية داخل حركة حماس.
أتمنى على الصديق العزيز بكر أبو بكر أن يتخفف شيئاً من حزبيته؛ كقيادي في حركة فتح، وأن يمنح عقله وقلمه مساحة من الإنصاف للآخر، وأن تكون عناوينه أقل إثارة وتهييج.
شكراً؛ لأن مقالاتك قد نجحت في استفزازي، وتحريك قناعاتي باتجاه الرد عليك، وذلك في سياق ما هو متاح بيننا من أدب الاختلاف.
إن الإخوان المسلمين وحركة حماس هم بالنهاية جنود لهذه القضية الفلسطينية، وليس من الحكمة والذكاء التعامل معهم وكأنهم العدو أو الخطر الذي يتهدد قضيتنا.. للأسف - يا صديقي - مقالاتك تصب في هذا الاتجاه، فيما نحن نسعى إلى رأب الصدع بين الجميع؛ فتح وحماس وفرسان هذا الوطن الحبيب، والحفاظ على بوصلة النضال الفلسطيني نحو القدس، فلا تحرف البوصلة - أرجوك - عن مسارها.