شهد العالم "قصصا" وأحداثا في الشهر الأخير، تثبت لنا نحن الأفراد، أنّ "الكبار" ليسوا دائماً كبارا. وأن تخيل وجود قوى "جهنمية" من حيث مدى إتقانها وتنظيمها وتأنّيها وتعقلها، ربما ليس دقيقا. وفي حالة الولايات المتحدة الأميركية، فربما نرى نماذج من أحداث تصاحب دراما سقوط أو تراجع الإمبراطوريات، وإنّ كان من المبكر جداً، ومن الساذج نسبياً، تخيل أنّ الامبراطورية الأميركية تتداعى.
أولى القصص، تتعلق بترشيح شخص بغرابة وبذاءة دونالد ترامب للرئاسة؛ فهل عجزت المؤسسة الأميركية، خصوصاً في الحزب الجمهوري، عن طرح مرشح رئاسي قوي، كما في حالة جورج بوش الأب ورونالد ريغان، أو يمكن التحكم به وتسييره كما في حالة جورج بوش الابن؟ أين الخلل في هذه المؤسسة، خاصة أنّ موقف كثير من الأميركيين هو أننا في عام سننتخب الأقل سوءا، بين مرشحين غير مناسبين، هيلاري كلينتون ودونالد ترامب؟
ولعل تخبط السياسة الأميركية يبدو صريحاً في موضوع القانون الذي أقره الكونغرس أخيراً، والمسمى "قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب"، والهدف المعلن غير الرسمي، هو السماح بمحاكمة السعودية، ومطالبتها بتعويضات مالية، من قبل أهالي قتلى اعتداءات 11 أيلول (سبتمبر) 2001 الإرهابية، وإن كان القانون غير خاص بدولة دون غيرها. ورفض الرئيس الأميركي القانون، ووضع عليه "فيتو"، فرد مجلس الشيوخ، وصوت 97 عضوا مقابل عضو واحد لرفض الفيتو، وكان النواب أكثر تعقلا نسبيا، فرفضوه بواقع 348 صوتا مقابل 77. ومع تأكيد الرئيس باراك أوباما، ورجال أعمال كبار، ومسؤولي الأمن، أنّ هذا القانون يعرض مسؤولي الاستخبارات والجيش الأميركيين للمحاكمة، ويضعف العلاقات مع حلفاء رئيسيين، ويعرض خطط مكافحة الإرهاب للخطر، كما وصف أوباما فعلة الكونغرس بأنها "أكثر شيء محرج قام به الكونغرس منذ عشرات السنين"، فقط بعد هذا بدا رؤساء الكونغرس وقد بدأوا يستخدمون عقولهم. فأعلن 28 عضو مجلس شيوخ رغبتهم في معالجة التداعيات غير المقصودة للقانون. أما رئيسا مجلسي الشيوخ والنواب، فقد قالا، كل على حده، إنهما مستعدان لتعديل القانون. وقال رئيس الشيوخ، متش ماكونيل، إنّهم كانوا يركزون على احتياجات عائلات 11 أيلول، "ولم نأخذ الوقت اللازم للتفكير"!
إذن، الدولة العظمى لا تفكر أحياناً!
لكن الأمر ليس للدول فقط؛ فالشركات تفعل هذا. فموضوع سحب أجهزة "غلاكسي نوت 7"، بعد حوادث انفجار واحتراق الأجهزة، ومع تخبط الشركة (سامسونغ) وعدم معرفتها لسبب الاحتراق، رغم أنّ الهاتف والشركة شكلا نقلة نوعية في عالم الاتصالات، بكل تداعيات ذلك اقتصاديا واجتماعيا وسياسياً... هذا دليل على أن المشاريع الكبرى تفشل أحياناً. و"سامسونغ" الكورية، تذكّر بـ"نوكيا" الفنلندية، التي كانت تمثل أشهر وأبرز معالم اقتصاد فنلندا، بسيطرتها على سوق الهواتف المحمولة، لكنها سرعان ما خسرت السوق لصالح "سامسونغ" و"أبل"، واضطرت لبيع قطاع الخلويات فيها لشركة "مايكروسوفت". و"نوكيا" و"سامسونغ"، تذكران أيضاً بشركة "كوداك" التي كانت تسيطر على صناعة الكاميرات وأفلام التصوير، منذ تأسيسها العام 1888، لتعلن العام 2012 إفلاسها رسميا، وبدء إجراءات التصفية والتجزئة، بعد أن فشلت في فهم ومواكبة عصر التصوير الرقمي. وتحقق "سامسونغ" الآن مع مئات الموظفين لتعرف المسؤول.
أخيراً، عند الإسرائيليين، فإنّ صاروخ "عاموس6"، قد انفجر قبل إطلاقه للفضاء الشهر الماضي، من فلوريدا في الولايات المتحدة، وكان هدفه تقديم خدمات اتصال لاسلكي لشبه الصحراء الإفريقية، بالتعاون مع "فيسبوك". وما تزال التحقيقات تتخبط، لدرجة اتهام شركات منافسة، وإرسال شركة أميركية تقدم خدمات الإطلاق، لـ"عاموس"، موظفا من عندها، لشركة منافسة، وطلبه السماح له الصعود لسطح إحدى بناياتها، القريبة من مكان تحطم الصاروخ، للتأكد من شيء ما (كما جاء في "واشنطن بوست"، يوم 30 أيلول (سبتمبر) الماضي).
يبدو العالم مليئا بالأسرار، والخطط والمخططات والمشاريع الكبيرة. ولكن أيضاً بالعثرات الصغيرة، والغريبة، ذات التداعيات التي لا تقل حجماً عن النتائج المرجوة أحياناً من الخطط والمخططات والمشاريع.
بغض النظر أننا في المنطقة العربية قد نتساءل أين نصيبنا من الخطط والمشاريع التي يجدر أن نمتلكها، قبل أن تصيبنا عثراتها، فإنّ الأفراد على مستوى العالم، عندما يرون هذه "الأخطاء"، يدركون أنه لا يوجد كيان كبير يمكن الإيمان أنه لا يخطئ.
عن الغد الاردنية