تصاعدت في السنوات الأخيرة وتيرة الاعتقالات الإسرائيلية للأطفال الفلسطينيين بشكل عام والمقدسيين بشكل خاص، تدفعها عقلية تستهدف "قتل اي روح للمقاومة" مستقبلا حسب المزاعم الإسرائيلية. الاعتقالات الإسرائيلية للأطفال تأتي كخطوة تصعيدية ضمن مجموعة من السياسات الاحتلالية التي تستهدف الطفولة الفلسطينية بشكل عام في مدينة القدس والتي تتراوح بين عدم توفير صفوف مدرسية كافية، إلى قضايا تسجيل الأطفال في الحالات التي يكون فيها احد الوالدين من الضفة الغربية إلى عدم توفر مساحات كافية للعب والترفيه ، وذلك دون الحديث عن العراقيل والعقوبات الجماعية التي تفرضها اسرائيل على العائلات الفلسطينية وتؤثر سلبا على الأطفال من بناء الجدار في القدس وحرمان مناطق كثيرة من الخدمات الأساسية وخنق المدينة اقتصاديا مما يؤثر سلبا على دخل الأسر ويزيد من معدلات الفقر.
وتشير تقارير المنظمات الحقوقية المحلية والدولية إلى ارتفاع كبير في عدد الأطفال الفلسطينيين المعتقلين منذ العام2014، وتحديدا عقب جريمة اختطاف وحرق الطفل محمد ابو خضير ومن ثم العدوان على قطاع غزة وازدياد حدة المواجهات في مدينة القدس. وترافق ذلك مع تغييرات جوهرية في القوانين والسياسات المتعلقة بالتعامل مع الأطفال المعتقلين من مدينة القدس، والتي تطبق اسرائيل عليهم قانون الأحداث لسنة 1971 على خلاف ما يجري في الضفة الغربية حيث يتم اعتماد اوامر عسكرية مختلفة في هذا السياق.
وتضمنت التغييرات تشديد العقوبات ضد الأطفال المتهمين بالقاء الحجارة حيث بدأت المحاكم الإسرائيلية بإصدار قرارات بإدانة هؤلاء الأطفال واعتقالهم لفترة تمتد لثلاثة اشهر ونصف، بالإضافة إلى الحبس المنزلي او الإيداع في مؤسسات "اصلاحية" للأحداث. وأخذت الإجراءات الإسرائيلية ضد الأطفال المقدسيين منعطفا خطيرا جديدا تحديدا بعد احداث الهبة الشعبية التي اندلعت في شهر تشرين الاول 2015، وذلك في تجاهل كامل لكافة الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الأطفال ، حيث صادق الكنسيت الإسرائيلي مؤخرا بالقراءة الثانية على مشروع قانون يسمح باعتقال القاصرين الفلسطينيين الذين تبلغ اعمارهم قل من 14 عاما ولكنه لم يسن بعد. وفي حال إقراره فإن القانون سوف يطبق على الأطفال الفلسطينيين المقدسيين فقط ويجيز اعتقال من هم ما بين 12 و 14 عاما حتى نهاية الإجراءات القانونية.
وغالبا ما تترافق عملية اعتقال الأطفال الفلسطينيين مع الكثير من الانتهاكات من حيث طريقة الاعتقال وتعريض الأطفال لأصناف التعذيب النفسي والجسدي، دون احترام حقوق الإطفال في الحماية حسب المواثيق الدولية بالإضافة إلى فرض غرامات باهظة على الأهالي للإفراج عن ابنائهم واستغلال الاعتقال لمحاولة تجنيد الأطفال للعمل لصالح الأجهزة الإسرائيلية الأمنية، بالإضافة إلى التسبب غالبا في تركهم لمقاعد الدراسة وكلها امور تترك آثارا مدمرة على صحة هؤلاء الأطفال النفسية.
إن هذه الانتهاكات وتصاعد حدة القوانين العنصرية ضد الأطفال الفلسطينيين المقدسيين ناهيك عن تكرار حالات الإعدام الميداني للأطفال الفلسطينيين في القدس تشير بوضوح إلى سياسة عقابية جماعية ممنهجة غاية في القسوة، لأنها تستهدف اكثر فئات المجتمع ضعفا حيث إمكانيات إلحاق الأذى بالأطفال وعائلاتهم في الوقت الحاضر والمستقبل اكثر شدة ووقعا من أي إجراءات إسرائيلية عنصرية أخرى، وتستوجب بالضرورة خطة وطنية شاملة من كافة المؤسسات والقطاعات لمساعدة الأطفال وعائلاتهم لتجاوز محنة الاعتقال والتعذيب والضغط النفسي وضمان عودة الأطفال لمقاعد الدراسة وإطلاق حملات ضغط ومناصرة على المستويين المحلي والدولي، وطرق ابواب كافة الهيئات الدولية المعنية بحقوق الإنسان والأطفال تحديدا، لوقف هذه الممارسات العنصرية. اطفالنا مستقبلنا وحمايتهم مسؤولية وطنية جماعية ترتقي إلى مستوى معركة وجودية وحماية لروح الشعب ومقاومته.