مؤتمر فتح السابع ضرورة وطنية

د.عاطف أبو سيف
حجم الخط

فيما تبلغ فتح عامها الثاني والخمسين تستعد لعقد مؤتمرها العام السابع الذي إلى جانب اختياره للجنة فتح المركزية ومجلسها الثوري سيناقش انجازات الحركة وما حققته بعد المؤتمر السادس ويضع خططاً جديدة للمستقبل. بعد سبع سنوات من عقد المؤتمر العام والتحولات الكبيرة التي هزت المنطقة وأثرت على فلسطين واستمرار الانقسام وتعثر جهود تحقيق الوحدة و/أو إنهاء الانقسام وبالتالي تعثر تجديد شرعية مؤسسات الحكم في السلطة الوطنية الفلسطينية واجراء الانتخابات الوطنية العامة التي تعيد ضخ الدماء في المجلس الوطني الفلسطيني، وبالتالي اختيار لجنة تنفيذية ومجلس مركزي جديدين وفق الحد الأدنى المتاح من الديمقراطية، فإن عقد مؤتمر فتح العام بشكل علني وكل النقاش الذي يسبقه ويصحبه ويتبعه، كل ذلك يشكل النبضة الأولى في عملية الاستنهاض الوطني. وكعادة فتح فهي السباقة في كل شيء، ليس أنها أطلقت الثورة وكان آباؤها مغامرين يحملون أرواحهم على أكفهم وهم يقولون "إنها لثورة حتى النصر"، بل إنها تبدأ ببناء نفسها قبل أن تشرع في دفع عجلة البناء الوطني. ففتح اول الأشياء وهي ذروتها وغيابها هو اكتمال نقصانها.
وعليه، فإن عقد مؤتمر فتح السابع هو الخطوة الأولى المطلوبة من أجل تصحيح مسار النظام السياسي الفلسطيني برمته، ومن أجل إطلاق مسيرة تجديد الشرعيات لمؤسسات الحركة الوطنية بما يساهم في تقويتها وتصليب عودها. لأنه حين يصلح حال فتح يصلح حال الحركة الوطنية، وحين تصر فتح على تجديد شرعية خليتها الأولى وأطرها القيادية المختلفة، فإنها ترسخ نهجاً صحياً في الحياة السياسية والحزبية في فلسطين.
ليس هذا فحسب، بل إن مؤتمر فتح السابع يدفع إلى حالة ترقب قصوى ليس من قبل الفتحاويين فقط بل من قبل الكل الفلسطيني. لأن مؤتمر فتح هو من سيقرر أطرها القيادية المختلفة التي هي أطر قيادية للشعب الفلسطيني. فلجنة فتح المركزية تشكل عادة صفوة الفاعلين في الحقل السياسي والنضالي الفلسطيني كما أن شخوصها هم طليعة الساسة الفلسطينيين. فكما أن برامج فتح هي وثائق وطنية تحدد البوصلة السياسية القادمة. لاحظوا كيف أطلقت فتح المقومة الشعبية الشاملة وثورتها بعد إقرارها في مؤتمرها السادس، وكيف حمي وطيس الاشتباك السياسي بعد مقررات المؤتمر الذي كان ذروته، أي هذا الاشتباك، نيل عضوية الأمم المتحدة وآخره قرار اليونسكو الأخير وصولاً إلى هبة القدس. فتح لا تحمل البوصلة لكن قدرها أنها هي مؤشر البوصلة الوطنية. وعليه فإن مؤتمر فتح بهذا المعني هو مؤتمر وطني لكنه يجري داخل أروقة فتح، يشد القوس إلى آخر منزعه بما يجلبه من اهتمام ويحظي به من نقاش ويثيره من تساؤل وربما بما يصحبه من خلاف هو جوهر الحراك الفتحاوي الحقيقي المعبر عن نبض الشارع الفلسطيني.
ليس أن فتح وحدها من ضمن كل التنظيمات والحركات والجبهات والأحزاب الفلسطينية التي يحمل اسمها كلمة وطن أو مشتقاته، بل إن فتح هي فعلاً تنظيم الشعب وحركة الجماهير القادرة على أن تصوغ توجهاتهم وتطلعاتهم وتترجم نضالاتهم إلى مطالب وتقود هذا النضال مهما كلف الثمن. وعليه لم يكن يوماً شأن فتح شأناً فتحاوياً صرفاً، بل كان دوماً وباستمرار شأناً وطنياً عاماً. وليس أن الناس تناقش مواقف فتح من باب التأييد أو المعارضة، بل إن هذه المواقف هي بوصلة الموقف الفلسطيني وهي النبض الحقيقي عن دقات القلب الفلسطيني، مما لا يجعلها مواقف فتحاوية وقضايا فتحاوية بل يجعلها مواقف وطنية معبرة عن الكل الوطني حتى لو اختلف معها.
لنلاحظ كيف يصبح انتخاب لجنة منطقة لقيادة تنظيم فتح في حارة في مخيم أو في قرية أو في ضاحية من ضواحي المدن قضية عامة، ولا  تعود تقتصر على أبناء فتح وحدهم، بل إن العائلات والشرائح المختلفة والشخصيات العاملة والعامة تسعي للتأثير على مخرجات هذه الانتخابات التي لا تتعدي فعاليتها نطاق الجغرافيا التنظيمية التي تجري فيها. وقد تجري انتخابات المكتب السياسي لحماس مثلاً ولا يعرف أحد ما الذي جري فيها، ناهيك عن الانتخابات للمواقع القيادية الأدنى. حين يتعلق الأمر بفتح فإن الأمر يختلف اختلافاً كبيراً، حيث يصبح الأمر كأنه انتخابات عامة ترى الجميع منهمك بمناقشة مدخلاتها ومخرجاتها، محاولين التأثير فيها. لأنه الشأن الفتحاوي شأن وطني عام يخص الجميع حتى غير الفتحاويين منهم.
وقد يتضايق الفتحاويون من ذلك لكن عليهم ان يكونوا سعداء أنهم يمثلون جوهرة العمل النضالي والسياسي الفلسطيني، وأن تنظيمهم هو الفم المعبر عن تطلعات شعبهم، لذا من حق هذا الشعب بكل مكوناته أن يخاف على فتح، ويعتبر ما مشاكلها جزءاً من مشاكله ومستقبلها رأس الحربة في تحقيق مستقبله. على الفتحاويين ان يغبطوا ويسعدوا لهذا الحب الكبير الذي تلقاه فتح حتى حين يهاجمهما خصومها أو يستغلون بعض مشاكلها للهجوم عليها، لأنها التنظيم الوحيد الذي ينبرى الجميع للحديث عنه، وتحليل مواقف وانتقاد سياساته، ببساطة لأنها التنظيم الوحيد الذي تعني مواقفه وبرامجه شيئاً خارج حدود خلاياه التنظيمية، وتمس عصب الصالح العام.
تأسيساً على السابق، فإن عملية البناء الفتحاوية هي عملية أولى في عملية البناء الوطني، ومؤتمر فتح العام هو المؤتمر الأول في سلسلة اجراءات يجب أن تهدف إلى ضخ الدماء في الحركة الوطنية الفلسطينية وتصليب عودها والتي يجب أن تشمل في الأساس مؤسسات منظمة التحرير، الوطن المعنوي والخيمة التي تضم الكل الفلسطيني حتى أولئك الرافضين للدخول فيها أو بعض من تسول له نفسه المساس بشرعيتها. إن تجديد شرعية هذه المؤسسات سيكون المسمار الكبير في نعش كل تلك الجهود غير الوطنية وستقضي عليها. بهذا فإن عقد مؤتمر فتح العام  ضرورة وطنية وتحقيق ذلك يجب أن يكون في سلم أولويات القيادة الفلسطينية في سبيل الوصول إلى اعادة بناء مؤسسات النظام السياسي كافة.