سارع الساسة الاسرائيليون، من رئيس الدولة مرورا برئيس الحكومة وحتى آخر اعضاء الكنيست – الى الرد بشدة على قرار "اليونسكو" في يوم الخميس الماضي حول موضوع الحرم. أهم الادعاءات يتعلق بصيغة القرار، وغالبيتها محقة. ولكن القراءة العميقة لصيغة القرار تبين أن فيه عدد من التغييرات الايجابية قياسا مع قرار "اليونسكو" السابق. وأهم من ذلك، تطالب فيه اسرائيل اجراء المفاوضات مع الاردن والفلسطينيين من اجل تحسين الوضع في الحرم لصالح جميع الاطراف.
أولا، خلافا لادعاءات اسرائيل، فان سياق القرار لا يعتبر تصريحا حول صاحب الحرم ومحيطه، أو لأي ديانة توجد علاقة مقدسة بالحرم وجدرانه. إن سياق القرار هو كيفية الحفاظ على موقع تاريخي دولي يوجد في قائمة "اليونسكو". وتعتبر البلدة القديمة في القدس موقعا تاريخيا دوليا. والمنظمة وضعت قوانين من اجل الحفاظ عليه – هذه القوانين، حسب من صاغ القرار، تقوم اسرائيل بالاخلال بها. وقد تم ذكر اسرائيل في القرار مرة تلو الاخرى كـ"قوة محتلة". ولكن لأنها معترف بها من قبل القانون الدولي وجميع دول العالم كمحتلة في القدس، لا يجب الاستغراب من صيغة القرار.
صحيح أن الصيغة تميل الى الرواية الاسلامية. مثلا في كل مرة تظهر فيها كلمات الحائط الغربي فهي تظهر بين قوسين. أما اسم البراق فيظهر دون قوسين. وبالنسبة للحرم، الاسماء الوحيدة التي تظهر في القرار هي الحرم الشريف والمسجد الاقصى. أما اسم جبل البيت أو أسماء بصبغة يهودية لم تظهر أبداً.
في بداية القرار تستطيع اسرائيل أن تسجل لنفسها انجازا. البند 3 يقول إن "اليونسكو" "تؤكد من جديد على أهمية البلدة القديمة في القدس وعلى أسوارها بالنسبة للديانات التوحيدية الثلاث". وهنا في المضمون، تم اعتبار اليهودية واحدة من الديانات الثلاث التي تعتبر البلدة القديمة في القدس مقدسة. ولكن الامر المهم هو أن هذا الامر لم يكن موجودا في قرار مماثل صادقت عليه "اليونسكو" قبل نصف سنة.
وبالمقارنة مع الوثيقة السابقة، التي تمت المصادقة عليها في نيسان الماضي، يمكن رؤية أن أحد البنود في الوثيقة السابقة قد غاب من الوثيقة الحالية. البند الـ 14 الذي يتحدث عن مسؤولية اسرائيل عن الاضرار بممتلكات الاوقاف الاسلامية خارج الحرم، الذي تم الغاؤه، شمل اتهامات شديدة، مثل وضع قبور يهودية وهمية داخل مقبرة اسلامية والحاق الضرر بآثار من العهد الأموية والبيزنطية في صالح "مغاطس واماكن عبادة وكأنها لليهود".
وقد تم تغيير بندين آخرين. في البند 8 تمت اضافة استنكار للتعرض لرجال الاوقاف – صحيح أنه في الآونة الاخيرة تصاعدت الصدامات بين رجال الشرطة وبين الاوقاف. والبند 10 يستنكر دخول رجال سلطة الآثار الى مبان في الحرم. والبند 16 يستنكر المشاريع الاسرائيلية التي تغير محيط الحرم، التي تشمل خطة رئيس البلدية، نير بركات، وهي اقامة قطار جوي في سلوان وجبل الزيتون، وخطة موقع كديم، وهو مركز الزوار لجمعية العاد في سلوان. بيت اللباب، ومبنى ضخم للمكاتب لصندوق ميراث الحائط الغربي، ومشروع اقامة مصعد بين حائط المبكى والحي اليهودي.
لكن البند الاهم في الوثيقة هو البند 7، الذي كانت صيغته مماثلة في الوثيقة السابقة. والذي يطلب من اسرائيل اعادة الوضع التاريخي القائم الذي كان سائدا في الحرم حتى ايلول 2000. وعندها، في اعقاب ذهاب رئيس المعارضة اريئيل الى المسجد الاقصى واندلاع الانتفاضة الثانية، توقفت زيارات غير المسلمين في الموقع مدة ثلاث سنوات. وقد تم استئناف الزيارات في العام 2003، لكن بشكل أحادي من قبل اسرائيل ودون موافقة الاوقاف ودون تمكين الزوار من الدخول الى المساجد. والاردن يقوم بالضغط منذ وقت طويل على اسرائيل من اجل اعادة الوضع الذي كان قائما في الحرم. مغزى هذا الامر هو دخول غير المسلمين الى الحرم يتم من ثلاث بوابات (بدل بوابة واحدة فقط توجد اليوم). وايضا يمكن شراء التذاكر والدخول الى المساجد فوق الحرم. جهات كثيرة في اسرائيل تطالب بالعودة الى الوضع الذي كان سائدا قبل العام 2000.
الامر المنطقي هو أنه عند بدء بيع الاوقاف للتذاكر، ستكون لها مصلحة اقتصادية. وبالتالي تحافظ على الهدوء في الحرم، الامر الذي سيساهم في التهدئة. اسرائيل يمكنها تعزية نفسها بكون الدول الاوروبية في "اليونسكو" لم تصوت مع القرار. ومن وراء الكواليس عملت الدول الاوروبية من اجل تخفيف صيغة القرار التي صاغها الاردن وأيدتها الدول العربية.
شطب البند 14 على سبيل المثال تم بفضل ضغط الحكومة الفرنسية. "الاردن اضاف للصيغة قداسة القدس للديانات الثلاث، وقام بشطب الاتهامات حول اضرار اسرائيل بممتلكات الاوقاف والاماكن الاسلامية المحيطة بالحرم، وهذا من اجل الحصول على تأييد اوروبا"، قال عوفر زلتسبرغ، الذي كان مطلعا على الاتصالات من وراء الكواليس.
وتجدر الاشارة الى أن الولايات المتحدة توقفت عن لعب دور في "اليونسكو" بعد أن قال الكونغرس، بضغط من اللوبي الاسرائيلي، إن الولايات المتحدة ستتوقف عن التمويل. أو عمليا ستتوقف عن العمل في كل منظمة تابعة للامم المتحدة تقبل عضوية فلسطين فيها. ويحتمل أنه بدون هذه الخطوة كانت اسرائيل تستطيع الحصول على قرار أفضل، بفضل ضغط الولايات المتحدة.
في نهاية المطاف، قرار "اليونسكو" لا يعتبر انحيازا عن النقاش الدولي حول القدس والاماكن المقدسة، حتى لو كانت اغلبية الاسرائيليين وجميع حكومات اسرائيل، يرفضون الاعتراف بذلك، فان القدس القديمة والاماكن المقدسة فيها تعتبر، حسب القوانين الدولية وحسب جميع المنظمات الدولية وكل دولة من دول الامم المتحدة، منطقة محتلة، تماما مثل الخليل أو نابلس. في هذا السياق، فان الاعتراف بصلة اليهودية بالاماكن المقدسة في القدس تحول الى ورقة في صراع الفلسطينيين. لذلك اذا كان مهما بالنسبة لحكومة اسرائيل الحصول على الاعتراف الدولي بهذه الصلة، فيجب عليها الجلوس والتحدث مع الفلسطينيين. وهذا بالضبط هو الامر الذي تتملص منه. إن تجاهل اسرائيل المتواصل لهذا الواقع هو الخلفية الحقيقية لتصريحات السياسيين الاسرائيليين الأخيرة.