الشاعر الأستاذ فاروق شوشة( في ذمة الله)
(1936- 2016م)
وُلِدَ الأستاذُ فاروق شوشة في قرية الشعراء محافظة دمياط عام 1936م، وتوفي في يوم الجمعة الموافق الخامس عشرَ من أكتوبر لسنة 2016م، حفظ القرآن في كُتّابِ القرية، وتلقى تعليمه الابتدائي والثانوي في محافظتهِ دمياط، ثم التحق بكلية دار العلوم في جامعة القاهرة ضمن أول دفعة تلتحق بالكلية من حملة التوجيهية( الثانوية العامة الآن) عام 1952م، وبعد تخرجه عام 1956م التحق بكليةِ التربيةِ في جامعة عين شمس للحصول على الدبلوم العامة في التربية وعلم النفس وتخرج فيها عام 1957م، وليعمل بعد تخرجه مدرساً للغة العربية في مدرسة النقراشي النموذجية الإعدادية بالقاهرة.
وفي سبتمبر من هذا العام اختير للعمل في الإذاعة المصرية مذيعاً ومقدماً للبرامج، وظل يتقلب في المناصب الإذاعية حتى أصبح رئيسًا للإذاعة المصرية في عام 1994م، وقد شغل هذا المنصب حتى بلوغه سن المعاش بعام في عام 1997م.
وخلال عمله الطويل في الإذاعة ارتقى رئيساً للجنتي النصوص الغنائية والاستماع باتحاد الإذاعة والتليفزيون، وعضواً في مجلس الأمناء، وأستاذاً للإلقاء والتذوق الأدبي في معهد الإذاعة والتليفزيون. كما انتخب رئيساً لجمعية المؤلفين والملحنين (1994 – 2000م) ورئيساً لاتحاد الكتاب المصريين( 1998 – 2000م).
ومن أشهر أعماله الإذاعية والتليفزيونية كتابته وتقديمه للبرنامج الإذاعي اليومي الشهير" لغتنا الجميلة" الذي بدأه في غرة سبتمبر عام 1967م، ولعله كان أكثر برنامج أدبي حظي بالشهرة والذيوع بين جمهور الأدباء في الوطن العربي، وقد أهّلَهُ نجاحُهُ في إعدادِ هذا البرنامج الشاعريِّ لتقديم برنامجٍ تلفازيٍّ أُسبوعيٍّ بعنوان" الأمسية الثقافية" منذ أول يناير 1977م الذي استمر لسنة 2002م. وكان أحدَ الكُتّابِ الأسبوعيين في جريدة" الأهرام"، ويكتب باباً شهريّاً في مجلة" العربي" الكويتية عنوانه" جمال العربية" منذ عام 1991م.
وقد اختارته كليةُ الإعلام في جامعة القاهرة لتدريس مادتي التذوق الأدبي والإلقاء لطلبة قسم الإذاعة والتليفزيون بين عامي 1980 – 1984م. وفي عام 1985م اختارته الجامعة الأمريكية في القاهرة لتدريس مقررين في الأدب العربي القديم والحديث لطلبتها.
وقد انتَخَبَ عضواً في مجمع اللغة العربية( مصر) في عام 1999م في المكان الذي خلا بوفاة العضو المجمعي الأستاذ مصطفى أمين. وفيه شارك في أعمال" لجنة ألفاظ الحضارة" التي أصدرت معجم" التربية الرياضية"، وأعمال" لجنة مصطلحات الأدب"، وأعمال" لجنة علوم الأحياء والزراعة".
وفي عام 2005م انتُخِبَ أميناً عامّاً لهذا المَجْمع، وفي عام 2011م اُنتُخِب أمينا لاتحاد المجامع اللغوية والعلمية العربية خَلَفاً للأستاذ الدكتور المرحوم كمال محمد بشر(1921- 2015م)، واستمر فعالاً في هذين المَحفِلينِ العِلميين حتى وفاته.
وكان من أهمِّ مَهامِّهِ في هذين السياقين كتابةُ تقريرينِ عامَّينِ شاملينِ لأعماِل كلِّ مؤسسةٍ في كلِّ عام، الأول" بين مؤتمرين" كان- رحمه الله- يلقيه في اليوم الأول لحفل افتتاح مؤتمر المجمع، وافتتاح أعمال اتحاد المجامع. والآخَر يلقيهِ في اليوم الأخير في الذي يُخصَّص لاختتام أعمال فعاليات المؤسستين بالتوصيات والقرارات.
وباقتدارٍ واضحٍ مشهودٍ كان يدير جلسات المحاضرات العَلنية التي يلقيها أعضاء المجمع من مصريين وعربٍ ومستشرقين أمام الجمهور، وما يتبعها من حواراتٍ ومناقشاتٍ.
وأشهد أنه كان يَلقى- في كلِّ هذهِ الفعاليات- إعجاب الحضورِ عَلناً وهمسا؛ فقد كان لِنباهتِهِ- رحمه الله- وفصاحتِهِ البليغة، وحُنكةِ إدارته؛ وتميّزِ إلقائِهِ المتوافقِ مع المضمونِ والموقف، ومداخلاتهِ وتوضيحاتِهِ وتنبيهاتهِ اللغوية والأدبيةِ يشدُّ السامعَ إليه، وبنظر إلى براعتهِ ومهاراتهِ الخَلّاقةِ فيها يكل إعجابٍ واحترامٍ وتقدير.
إنتاجه وتكريمه
(2)
أولاً- إنتاجه:
وبحسب قراءاتنا فإن لفاروق شوشة من الإنتاج الإبداعي والتأليفي والترجمة والتحقيق:
*** دراسات ومختارات: 1– لغتنا الجميلة( 1973م). 2- أحلى عشرين قصيدة حب في الشعر العربي ( 1973م). 3– لغتنا الجميلة ومُشكلات المُعاصَرة( 1979م). 4– أحلى عشرين قصيدة في الحب الإلهي (1983م). 5– العلاج بالشعر( 1986م). 6– مواجهة ثقافية( 1986م). 7– عذابات العمر الجميل( سيرة شعرية) ( 1992م). 8– ثقافة الأسلاك الشائكة( 2000م). 9– زمن للشعر والشعراء( 2001م). 10– الشعر أولاً والشعر أخيرا( 2002م). 11– الإغراء بالقراءة( 2003م). 12– جمال العربية( 2003م). 13– أصوات شعرية( 2004م). 14- التنمية اللغوية ضرورة حياة ومصير( 2004م)، نُشرَ في مجلة مجمع اللغة العربية- مصر، ع.( 104).
*** في التقديم والتحقيق والدراسة: 1– معجم أسماء العرب (بالاشتراك) 1991م. 2– سجل أسماء العرب (بالاشتراك) 1991م. 3– ديوان عبد الرحمن شكري، 2000م. 4- ديوان عبد الحميد الديب 2000م.
*** خمسة عشر ديواناً شعريّاً هي: إلى مسافرة( 1966م)، العيون المحترقة( 1972م)، لؤلؤة في القلب( 1973م)، في انتظار ما لا يجيء( 1979م)، الدائرة المحكمة( 1983م)، لغة من دم العاشقين( 1986م)، يقول الدم العربي( 1988م)، عشرون قصيدة حب( 1989م)، هئت لكِ( 1992م)، سيدة الماء( 1994م)، وقت لاقتناص الوقت( 1996م)، وجه أبنوسي( 2000م)، الجميلة تنزل إلى النهر( 2003م)، مختارات شعرية( 2006م)، وأحبك حتى البكاء( 2006م)، وقد صدرت أعماله الشعرية في مجلدين.
*** أربع مجموعات شعرية للأطفال هي: حبيبة والقمر، مَلَك تبدأ خطوتها، الطائر الصغير، الأمير الباسم.
*** تُرجم له أربعة من دواوينه الشعرية إلى الإنجليزية، وهي: لغة من دم العاشقين، ووقت لاقتناص الوقت، ووجه أبنوسي، والجميلة تنزل إلى النهر. بالإضافة إلى قصائد عدة ترجمت إلى الفرنسية والإسبانية والروسية والصينية واليابانية.
*** كلمات في استقبال مجمعيين وتأبينهم: كلمته في حفل استقباله عضوا بالمجمع، كلمة في تأبين المرحوم الأستاذ إبراهيم الترزي الأمين العام الأسبق للمجمع، كلمة في تأبين المرحوم الدكتور أحمد مختار عمر، كلمة في تأبين المرحوم الدكتور عبد القادر القط، كلمة في تأبين المرحوم الدكتور علي الحديدي، كلمة في استقبال الدكتور محمد حماسة عبد اللطيف، كلمة المجمع في استقبال الدكتور محمود الربيعي.
ثانياً- الجوائز:
وتقديراً لكفاءةِ الأستاذ فاروق شوشة وتميزه فيما أُسند له من أعمال تمَّ تكريمه في أكثرَ من محفِل، حيثُ نال عدداً من الجوائز، منها:" جائزة الدولة التشجيعية في الشعر( 1986م)"، و" جائزة الشاعر اليوناني كافافيس العالمية( 1991م)، وجائزة محمد حسن الفقي( 1994م)، و" جائزة مؤسسة يماني( 1995م)، و" جائزة الدولة التقديرية في الآداب( 1996م). وجائزة النيل( 2016م)، وهي أعلى وسام تمنحه دولة جمهورية مصر العربية للأدباء.
الختام
(3)
رحم الله فقيد الكلمةِ الشاعرية والأدب واللغة والبلاغة والتذوق الأدبي والخطابة الأدبية واللغوية؛ فهو أستاذ جماليات الكلمة العربية الفصيحة وبلاغتها كتابةً منمقةً، وإلقاءً متميزاً قراءةً وشفاهةً؛ يناسب مقالُهُ مقامَه، ويكشفُ فيه عن تألقٍ صوتيٍّ نابعٍ من إحساسٍ عميقٍ بمعنى الكلمةِ ونظمها التركيبي.
إنه( صاحب لغتنا الجميلة)؛ فهو مالكها، وعاشقها، وواعي أسرارها ، ومبدعُ إلقائها؛ لذا فليس غريباً أنْ يبرزَ نابغةً في رياضِ الكلمةِ الشعريةِ الغنّاءِ بوصفهِ من أبرزِ رادةِ نوابغِ بيانِها وإبداعِها في عصرنا: علَّمَ أصولَها وأدَبَها شابّاً، وشدا إبداعَها أنغاماً طرِبَ لسماعها عُشّاقُ الفصاحةِ والبلاغة.
نظمَ( صاحب لغتنا الجميلة) كلماتِها قصائدَ حملت كلٌّ منها نكهةً عربيةً أصيلةً كحباتِ الدرِّ: تفنَّنَ الصاغةُ في صياغتها وتزيينها، أو كأثوابٍ أجادَ النساجون نسجها، ووشّاها الوشاءون بأنسب الألوان، وأجمل الأشكال والزخارف.
إنهُ من تَغَنّى لسانُهُ بالعربيةِ لغة الضاد، وغَنى لها، وَإنه مَنْ أكثَرَ لسانهُ ترديدَ بيتِ شاعر النيل حافظ إبراهيم:
أنا البحرُ في أحشائهِ الدُّرُّ كامنُ
فهل سَألوا الغوّاصَ عن صدفاتي
وكم كان جميلاً من مبدعِنا أن يترنَّمَ بإطالةِ حركةِ الفتحةِ بعد السين في الفعلِ( سـَألوا)، وكأنّي به يريدُ أنْ يحققَ اكتمالاً فنّيّاً لمعنىً لا يريده منقوصاً؛ فإطالةُ الفتحةِ- كما هداهُ إحساسُهُ الشعري- تمنعُ الإنقاصَ من الوحدة الإيقاعية( فعولن)- إحدى مكوناتِ البحر الطويل؛ لِتُضفيَ جمالاً إيقاعيّاً في إلقاءِ البيت، وَتُبرزُ التساؤلَ- وليسَ السؤالَ- الذي يُبْرِزُ الاستغرابَ من التهمةِ الناتجةِ عن عدمِ التمعنِ، وإلقاءِ الكلامِ على عواهنه دونَ تريث.
إن قراءةَ( سألوا) بدون مدٍّ جائزة، ولكنها تُنقص( فعولن) صوتها الأخير، أما قراءة شاعرنا بل تنغمهُ المتراقصُ المُكْملُ لهذا النقص يُعيدُ الكمالَ والسلامةَ للتفعيلة وما تحمله من طاقاتٍ إيقاعيةٍ متكاملة.
فاروقُ شوشةُ والإبداعُ صَنْعَتُهُ وفي البلاغةِ عُنوانٌ له شَمَمُ
وفي الإذاعةِ تلقى فارساً غرِداً هذيْ الفصاحةُ ألحانٌ لها نغَمُ
رحم الله فقيد الأدب واللغة والفكر، وعوّض مصر العروبة عنه خيرا.
إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ سورة البقرة: من الآية (156)
وكتب الأستاذ دكتور أبو سليمان قصيدة رثى فيها الشاعر العربي الكبير فاروق شوشة وكانت بعنوان "صاحب لغتنا الجميلة " في كلِّ بابٍ قد تَجَلّى وارتَقى"
-------------
فاروقُ شوشةُ والفصاحةُ فطرةٌ عَلَمُ البلاغةِ، والأَصالةُ شانُهُ
لغةُ العُروبةِ قَدْ عَلا سُلطانُها صانَ اللسانَ تَأصَّلَتْ أَعْنانُهُ
أعطاهُ ربّيْ حُنْكَةً ودرايةً نَسَجَ الكلامَ تَرنَّمَتْ ألْحانُهُ
في مَحْفِلِ الخُطَبِ البديعةِ إنَّهُ يَشْدوكَ عقلاً بُلْبُلٌ أَنْغامًهُ
لغةُ الإذاعةِ قد غدتْ محظيةً صاغَ الجمالَ تنوَّعَتْ أفنانُهُ
فيهِ البيانُ عَلا وَشَدَّ سَواعِدُهْ سَبْكٌ بديعٌ قد صَفَتْ ألوانُهُ
نَبْعٌ لَنا في كلِّ وادٍ يَسْلُكُ حَبْكٌ جميلٌ جُذِّرَتْ أوطانُهُ
فنُّ الإدارةِ رادهُ بِدرايةٍ صاغَ القَرارَ، وَأُحْكِمَتْ أركانُهُ
في كلِّ بابٍ قد تَجَلّى وارتَقى علَماً سَما بِحُسْنِهِ إحسانُهُ
بفراقِ شوشةَ صُغتُ شِعراً ما دنا من نظمِهِ الوقاد، مَنْ رُبّانُهُ؟
فاروقُ شوشةُ، والفصاحةُ طَبْعُهُ مَلَكَ البَيانَ، فَأُرْسِلَتْ أرسانُهُ