ستسقط الموصل ويبقى "داعش" !

NB-190614-636109237703489591
حجم الخط

قدّر الجنرالات الأميركيون، الذين يديرون اليوم القتال ضد «داعش» في الموصل منذ قبل شهرين، بأن احتلال المدينة نفسها هو الجزء الأقل تعقيدا في الحملة. فالصواريخ الدقيقة لقوات المارينز التي توجد بجوار المدينة، والى جانبها القصف الجوي بالصواريخ الجوالة وغيرها من وسائل المساعدة، ستقوم بالعمل.
ولكن ما يقلق الجنرالات الاميركيين هو اليوم التالي. فقد استخلص الجيش الدروس من الاعلان المتسرع للرئيس السابق بوش عن النصر في العراق، والذي جاءت بعده سنوات من الدمار، الحرب الاهلية، ونشوء حركات متطرفة جديدة مثل «داعش». وعليه، فقد وظف الأميركيون عشية الحملة لاحتلال الموصل جهوداً لا بأس بها في إقامة حكم عسكري يمكنه أن يتصدى لعشرات التيارات الدينية، العرقية والفئوية على أصنافها المتواجدة في المدينة والمستعدة لتذبح بعضها.
واذا لم يكن هذا بكاف ففي اوساط القوات التي ستدخل الى الموصل ستكون قوات شيعية وكردية، لها هي ايضا حسابات مع هذه الجماعات أو تلك التي في المدينة. وكل هذه الخلطة هي وعاء ضغط سبق أن تفجر في الماضي للولايات المتحدة في وجهها. ومن شأن احتلال الموصل، الذي يفترض أن يبشر بتقليص دراماتيكي لنفوذ «داعش» أن يوقظ عش دبابير جديدا في العراق.
حملة الاحتلال، حسب الاستراتيجية الاميركية، هي  ذروة «مرحلة الانهيار» لـ «داعش» في العراق. وهي تأتي بعد اشهر طويلة من تآكل «داعش» من الجو ومن خلال القوات الخاصة. سبقتها «مرحلة التآكل» التي نفذت فيها حملة التصفية بالجملة للزعماء، المقاتلين، والبنى التحتية التابعة لـ «داعش»؛ و «مرحلة الانهيار» التي حررت فيها من أيدي التنظيم مدنا مركزية كالرمادي، تكريت، الفالوجا...
سيطرت قوات عراقية بمساعدة قوات أميركية، ميليشيات مؤيدة لايران وكردية على بلدات تحيط بالموصل، عاصمة «داعش» في العراق، وقطعت المحور الى سورية. وفقد التنظيم 40 في المئة من الارض التي كانت تحت سيطرته في العراق. ويفترض باحتلال الموصل ان يكون الكرزة التي في القشطدة، والذي سيجلب لاوباما – غير المرتاح لسياسته الخارجية – هدية قبيل نهاية ولايته على شكل انجاز سياسي وعسكري في العراق.
ومع ذلك، فليس لتوقيت الهجوم صلة بنهاية ولاية اوباما. فقد خطط للمعركة في الخريف، الموسم الذي لا تكون فيه عواصف رملية. وتمهيدا لها أنهى الاميركيون تدريب «فرق الذهب» الثلاث العراقية: قوات دربها الجيش الاميركي على مكافحة الارهاب. وبالتوازي تم انهاء حشد 4 الاف جندي أميركي يعملون في الجبهة في مهام مختلفة.
في الاشهر الاخيرة خاض الاميركيون مفاوضات مع دول محاذية للعراق أو تقع على الشاطئ الشرقي من البحر المتوسط من أجل السماح للصواريخ الجوالة والطائرات القتالية بالطيران من فوقها. وهم لن يخاطروا بالطيران من فوق سورية من جهة البحر المتوسط، خشية الصدام مع الروس.
هل سيبشر احتلال الموصل برحيل «داعش»؟ الجواب سلبي. فقصة «داعش» في سورية هي قضية مختلفة تماما، تتأثر بالحرب الاهلية التي تصطدم فيها قوتان عظميان تعطلان الواحدة الاخرى وتسمحان لـ «داعش» بالنجاة. وفضلا عن ذلك، فـ «داعش» تنظيم إرهابي وهو يعيش مثل الأميبا. عندما يضغط عليها تنتقل الى مكان آخر.
يركز رجال الاستخبارات في دول غرب اوروبا، وعلى أي حال في إسرائيل ايضا، كل العيون والآذان على الجهاز الذي داخل «داعش» ويسمى «ايماني». هذا هو الجهاز المسؤول عن تلك الذئاب المنفردة، خلايا الارهاب الصغيرة التي زرعت على مدى السنين الاخيرة في الولايات المتحدة، في اوروبا، في السعودية، في الاردن، في الصومال، في تركيا وفي أماكن أخرى. ويهيئ هذا الجهاز الاشخاص، يعد الخطط، ويصدر الأوامر. وطالما لم تتضرر شبكة اتصالات «داعش»، فان هذا الجسم سيواصل تفعيل الارهابيين الذين زرعهم في ارجاء العالم. والآن، مع الهجوم في الموصل، سيفعل هذا بقوة أكبر.
   عن «يديعوت»