اسرائيل تدمّــر الـبـلـدة الـقـديـمـة

GettyImages_142605842
حجم الخط

واحداً تلو الآخر صعد السياسيون الإسرائيليون الى منصة الخطابة لدى مارك تسوكربرغ – من رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، ورئيس بلدية القدس، نير بركات، وحتى نواب المعارضة كشيلي يحيموفتش واسحق هرتسوغ – وهاجموا «اليونسكو» لأن المنظمة شككت في الصلة التي بين شعب اسرائيل  و»جبل الهيكل». لندع للحظة حقيقة أن هذه الاقوال لم تكتب على الاطلاق في قرار «اليونسكو»، وحقيقة ان الوثيقة تؤيد الرواية العربية، ولكن السياسيين تجاهلوا الانتقاد الذي ورد فيه حقا، حيث يطرح المرة تلو الاخرى على لسان الاسرائيليين ايضا: الدولة تخرب موقعا تراثيا ذا أهمية عالمية، وتمنحه عناق الدب، بخلاف تعليمات الوثيقة التي اصدرتها «اليونسكو» في العام 1981، حين أعلنت البلدة القديمة وأسوارها مواقع تراث عالمي. عملياً، تعمل الدولة ايضا بخلاف قراراتها هي، التي اتخذت بعد حرب «الايام الستة».
في المادة 16 تشجب «اليونسكو» إقامة مشاريع بناء سياحية في البلدة القديمة: بيت اللباب، المبنى الذي سيقام في ساحة «المبكى»، وتوسيع بيت شتراوس بتمويل «صندوق تراث الجدار الغربي» وبتخطيط الحائزة على جائزة اسرائيل، عيده كرمي ميلاميد؛ ومبنى ضخم تعمل عليه جمعية العاد بتخطيط المعماري آريه رحميموف بارتفاع 7 طوابق وسيقع على مسافة 20 مترا فقط من الاسوار ويمس بحي سلوان.
ثار عشرات المفكرين والمعماريين ضد إقرار المشروع الاخير، وتصدر المعارضة المعماريان البروفيسور الونا نيسان شيفتن من التخنيون والبروفيسور حاييم يعقوبي من جامعة بن غوريون. فقد ادعوا بان مركز كديم هو النقيض لحفظ القدس مثلما حلم الكثيرون عنها وان المبنى الهائل سيغطي على أسوار البلدة القديمة ويخفيها عن عيون الجمهور.
في مقال نشره يعقوبي في مجلة «ايغود عينيانيم» في أيلول 2014 أضاف يقول: «ان العنف التخطيطي المتخذ في شرقي القدس هذه الايام يتجاهل أهمية المدينة وحساسيتها السياسية، واجراءات التخطيط لا تدار باسم مصلحة عموم سكان المدينة، بمن فيهم الفلسطينيون، بل لخدمة مصالح جماعات قوة سياسية ضيقة ذات قرب من مراكز القوى». وعلى حد قوله فإن المعمارية الناشئة للواقع المقدسي «مقلقة، إذ انها تشكل عرضيا تحول الغيتو الى واقع يتعين اعادة احتلاله، إن لم يكن بعنف شديد فبوسائط تخطيطية».
ويقصد يعقوبي أنه بوساطة مشاريع بناء نقية ظاهرا، ليس فيها سفك دماء، ترسم الدولة حقائق في البلدة القديمة وفي شرقي المدينة، في ظل مسها مسا شديدا بتراثها هي. كما ان المعماري موشيه صفدية أشار في حديث أجريته معه قبل عدة أشهر الى أن «البلدة القديمة تتفكك وتتعفن». وهو يعتقد بانه «عندما يحل يوم الدين للقدس» – أي عندما يحل السلام وتقسم المدينة من جديد او يعاد تعريف مكانتها – «سيقولون انه في ورديتكم في القدس دمرتم المدينة. الاردنيون حافظوا عليها. البريطانيون حافظوا عليها، نحن نحب المدينة ولكننا لا نحافظ عليها. ننشئ الاناشيد عنها ولكننا نسمح لها بان تهدم... يوجد اهمال على طول الطريق، لا يوجد تنفيذ للقانون، تنعدم الاستثمارات في البنى التحتية، الصيانة عليلة. كل حبكم (رجال اليمين ن.ر) هو الهدم».
صديقتي المعمارية اورنا آنجل، التي عملت في الماضي كنائبة مخططة في لواء القدس، درجت على القول انهم يتعاطون مع القدس كإمرأة بشعة يبحثون لها عن عريس، ولهذا يضيفون لها المزيد من موقع الجذب السياحي وينسون بان المدينة نفسها هي موقع جذب سياحي.
منظمة اليونسكو، التي تتصرف كجليسة لدولة اسرائيل في كل ما يتعلق بمواقع التراث لديها – هكذا ايضا بحمايتها لمدينة تل أبيب البيضاء – هي على ما يبدو ليست منظمة صهيونية على نحو خاص. ولكن حكومة اسرائيل، بلدية القدس، وجمعيات خاصة، برغبتها في تهويد المجال وتحديد الارض الاقليمية الخاصة بها، تفضل زرع مواقع جذب هدامة، صرف البحث من الخطاب على التخطيط والهدم الى علاقاتنا مع العالم، وهكذا توقع خرابا اضافيا على المدينة التي سبق أن نسيت.