الـدب الـروسـي يـعـبـث بـسـاحـة إسـرائـيـل الـشـمـالـيـة

10409070_750351615046353_2125757884164742693_n
حجم الخط

استكملت روسيا في الأسابيع الاخيرة تعزيز دفاعاتها الجوية شمال سورية. ونشرت "واشنطن بوست"، هذا الاسبوع، خارطة فيها مجال التغطية المتوقع للصواريخ المختلفة، اس 300 واس 400 التي تدعم بصواريخ مضادة للطائرات وضعت على سفن في ميناء طرطوس. مجال الاسقاط في دائرة تبلغ 400 كم تغطي مساحة لبنان وجزءا كبيرا من الاراضي التركية والاردن وشرق حوض البحر المتوسط الى ما وراء قبرص، وايضا منطقة اسرائيل حتى النقب الشمالي.
في "البنتاغون" يجدون صعوبة في توقع ما اذا كان يمكن دخول الطائرات والصواريخ الى مجال الاسقاط. يمكن القول إن الأميركيين طوروا قدرة تكنولوجية تُمكنهم من تشويش الامر. ولكن "واشنطن بوست" تقول ان الاجهزة الروسية تقيد قدرة القصف جواً للاهداف العسكرية لنظام الاسد. وفي الوقت ذاته تجعل من الصعب ايجاد مجالات جوية محمية، ممنوعة من الطيران، أيد وجودها مؤخرا المرشحان للرئاسة، كلينتون وترامب.
يوجد تأثير للتعزيزات الروسية على اسرائيل ايضا، حيث إنه حسب وسائل الاعلام الاجنبية، قامت اسرائيل بالقصف الجوي مرات كثيرة تجاه قوافل السلاح القادمة من سورية إلى "حزب الله". وحسب الخارطة فان الطائرة الاسرائيلية لا يمكنها الاقلاع من موقع "تل نوف" بالقرب من "رحوبوت" دون أن تلاحظها الرادارات الروسية. ومنذ تدمير الصواريخ السورية المضادة للطائرات في العام 1982، يحظى سلاح الجو الاسرائيلي بالتفوق الجوي المطلق، وكذلك حرية العمل المطلقة في الساحة الشمالية. وقد انتهت هذه القصة في اللحظة التي قررت فيها موسكو تعزيز دفاعاتها الجوية في منطقة طرطوس. لقد قيد الروس بدون جهد تقريبا سلاح الجو الاقوى في الشرق الاوسط. وهذا التقييد ليس عسكريا فقط، بل سياسي ايضا. اقامت اسرائيل وروسيا أجهزة تنسيق مشتركة من اجل عدم حصول صدام جوي بينهما، والتقى رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، أربع مرات مع الرئيس الروسي بوتين، حيث كانت النية المعلنة هي منع الصدام في سماء سورية. وقد تبنى نتنياهو دون وجود خيار آخر، الحب الروسي. ولكن فعليا، هذه القصة الرومانسية هي مثل ملاحقة ترامب الفظة للنساء اللواتي سقطن بين مخالبه. هذا تقرب مفروض اضطرت اسرائيل الى الموافقة عليه منذ قرر الوحش الروسي دخول ساحتها الخلفية.
تعزيز الدفاع الجوي الروسي تم كما يبدو ردا على الاستنكار الأميركي للقصف في حلب، والخوف في موسكو، الذي لا يبدو واقعيا الآن، من أن ادارة اوباما ستتخذ خطوات عسكرية ضد الاسد. رغم أن الاقتصاد الروسي ضعيف، إلا أن بوتين ما زال يسير على الحبل الفاصل: والرموز المتتالية حول خطر نشوب حرب نووية، ومحاولة التأثير في الانتخابات في الولايات المتحدة، وخطوات اخرى مفاجئة في الشرق الاوسط، وايضا المناورة العسكرية المشتركة التي اعلنت عنها مصر وروسيا في هذا الشهر. لكن نوايا موسكو التي تبذل جهدا لبلبلة وردع خصومها يصعب تحليلها. فمنذ انهيار الاتحاد السوفييتي قلصت الاستخبارات الاسرائيلية اهتمامها بروسيا، وهذا لا يساعد في فهم اعتبارات بوتين وخططه.
محاولة اولى لمواجهة هذه الاسئلة تتم الآن فوق منصة عسكرية، مجلة "اشتونوت" التي يصدرها مركز الابحاث لمعهد الامن القومي. خصص عددها الجديد لتحليل التدخل الروسي الواسع في سورية، ومغزى ذلك استراتيجياً والدروس العلنية، التي قام بكتابتها د. ديما ادامسكي، المحاضر الرفيع في معهد المجالات المتعددة في هرتسليا، والذي يدرس ايضا في المعاهد العسكرية. يصف ادامسكي طريقة اتخاذ القرارات في الكرملين كطريقة مدروسة ومنظمة تعتمد على التفكير الاستراتيجي بعيد المدى. وحسب قوله فان الروس يعتبرون أنفسهم يدافعون عن النفس امام الاعتداءات الغربية، في شرق اوروبا (الصراع في اوكرانيا وعمليات توسيع الناتو) وفي العالم العربي (اعمال الناتو في ليبيا، والمحاولة الغربية من اجل تغيير النظام في سورية)، التدخل العسكري في سورية، كما كتب هو الخطوة الاولى من نوعها لروسيا ما بعد الاتحاد السوفييتي والعملية الاوسع منذ الحرب في افغانستان في الثمانينيات. الخطوة التي تحمل الرمز السري "عملية القوقاز 3" تم التدرب عليها من قبل القيادة الوسطى لجيش روسيا، في الاشهر التي سبقت ارسال القوات الى سورية في ايلول 2015. الدافعان الاساسيان حسب ادامسكي هما الرغبة في الدفاع عن نظام الاسد، وعن طريق ذلك الدفاع عن المصالح الروسية في سورية وعلى رأسها ميناء المياه الساخنة في طرطوس والخوف من أن نجاح منظمات الجهاد السنية في سورية سيزيد من الارهاب الداخلي في روسيا. يعيش اليوم في روسيا اكثر من 20 مليون مسلم معظمهم من السنة، ووصل من اجل محاربة الاسد آلاف المتطوعين من القوقاز.
ثمة دافع آخر يرتبط برغبة روسيا في كسر العزلة الدولية عليها، واضعاف العقوبات التي فرضت عليها في اعقاب الحرب في اوكرانيا. ارسال القوات الى سورية حرف الاهتمام العالمي من التورط الروسي في شرق اوكرانيا وألزم الغرب بالتعامل مع موسكو كلاعبة اساسية في ساحة الشرق الاوسط والساحة الدولية.
طلب الروس اعادة اعمار التواصل الجغرافي الذي يسيطر عليه الاسد، وبعد ذلك قيادة المفاوضات السياسية التي تحدد حسبها مكانة النظام، ويتم فيها ضمان مصالحهم. نظرية الانتصار الخاصة بهم، والادوات الصلبة التي يستخدمونها، اعتمدت على تجربتهم في حرب الشيشان الثانية في العقد الماضي، التي انتهت بانتصار ساحق وفظيع لموسكو. وحسب ادامسكي، بعد عام من التدخل في الحرب السورية يستطيع الروس التفاؤل بحذر. أما اسرائيل فهي مختلفة. لأن "حزب الله" يساهم اليوم في الحرب التي تقودها روسيا، وقد اطلعت هذه المنظمة على طرق الحرب وطرق العمل التي بلورها الروس. هذه المعرفة قد تزيد قدرة "حزب الله" العسكرية، خصوصا في مجال استخدام القوات الخاصة من اجل تحقيق انجازات هجومية في حال حصل صدام مستقبلي مع الجيش الاسرائيلي.
البحث الذي قدمه ادامسكي هو مادة قراءة ضرورية للمستوى العسكري الرفيع. التواجد الروسي في سورية غيّر الواقع الاستراتيجي. وفي اعادة التفكير، في مكتب وزير الدفاع، يوجد اليوم شخص تربى على الثقافة الروسية وتعلم ما هي نظرية القوة السوفييتية ونظر الى العالم باشتباه وشك. يمكن أن وثيقة ادامسكي قد تساعد جنرالات الجيش الاسرائيلي في فهم افيغدور ليبرمان ايضا بشكل افضل.

مع التوجه للانتخابات
النجاح الروسي في سورية ليس كاملاً ولم يكن حسب الجدول الزمني الاصلي لبوتين. في خريف 2015 خططت موسكو لهجمة مدتها ثلاثة اشهر يساعد فيها سلاح الجو القوات البرية للجيش السوري وبغطاء ايراني من اجل احتلال حلب وادلب وتحرير شمال شرقي سورية من المتمردين حتى ضفة نهر الفرات. قائد جيش القدس في الحرس الثوري الايراني، قاسم سليمان، زار موسكو ووعد بأن يرسل الى سورية اكثر من 2000 من رجال الحرس الثوري الايراني. وأمل الروس أن تنتهي بذلك المرحلة الفاعلة والخطيرة للتدخل في سورية.
صحيح أن القوات الايرانية وصلت ودخلت في المعركة، لكن سرعان ما ظهرت الصعوبات في خطة العمل الروسية. وحدات جيش الاسد سحقت بسبب ضراوة الحرب على مدى سنوات، وهناك صعوبة في العمل، "حزب الله" تعرض لخسائر كبيرة، والزعيم الروحاني الايراني، علي خامنئي، أمر باعادة الحرس الثوري الى البيت وابقاء عدد من مئات المستشارين. وهكذا ولدت الخطة الروسية البديلة، التي ذروتها القصف على حلب في الاشهر الاخيرة، جريمة حرب تنفذها موسكو امام الجميع دون دفع أي ثمن.
في الوقت الذي يسمح فيه الأميركيون لروسيا بعمل ما تريد في سورية فانهم يركزون على ما يحدث في العراق. بدأت، هذا الاسبوع، الهجمة الكبيرة للجيش العراقي بمساعدة مليشيات شيعية وبغطاء أميركي من اجل طرد "داعش" من الموصل. توقيت الهجوم ليس صدفيا. اضافة الى استغلال شروط الحالة الجوية المريحة، فان هذا من اجل اظهار القوة العسكرية لادارة اوباما، حيث بقي أقل من ثلاثة اسابيع على الانتخابات الرئاسية، ومن اجل التغطية على التسامح الذي تظهره الادارة امام المجزرة المتواصلة في سورية.
الهجوم على الموصل يتوقع أن ينتهي بانتصار عراقي. لقد قام مقاتلو "داعش" بوضع العبوات وحفر الانفاق بين المنازل. وهناك يستخدمون المواطنين كدروع بشرية، لكنهم لن يستطيعوا الصمود لفترة طويلة أمام قوة النار التي لدى الجيش العراقي. مثل احتلال الرمادي في بداية السنة، فان تطهير المدينة من جيوب المقاومة بعد احتلالها هو الذي سيتطلب وقتا طويل. لكن الأميركيين لم يفكروا كثيرا بما سيحدث في المدينة في اليوم التالي. ومنذ الآن بدأت تظهر التوترات حول السيطرة المستقبلية في الموصل بين حكومة العراق الشيعية والاكراد الذين ينضمون الى المعركة من الشمال وتركيا التي تساعد من الجو. ستجد الولايات المتحدة صعوبة في منع المجازر التي تنفذها المليشيات الشيعية ضد المدنيين في الموصل، الذين هم من السنة في معظمهم. ويبدو أن واشنطن تتجاهل بقصد الارباح التي ستجنيها طهران من انتصار الحكومة الشيعية في بغداد والذي سيتحقق عن طريق المساعدة الايرانية المعلنة.
تتجاهل ادارة اوباما ايضا دور الايرانيين في اطلاق الصواريخ من قبل المتمردين الحوثيين في اليمن على السفن الأميركية امام شواطئ الدولة. طهران هي التي تسلح الحوثيين عن طريق تهريب السلاح من خلال عُمان وتؤثر على ما يحدث هناك. تتجاهل واشنطن التحرشات الايرانية وتآمرها في الشرق الاوسط وتسمح بذلك بزيادة تأثيرها في المنطقة.
سبب ذلك واضح وهو رغبة الادارة في الدفاع عما يعتقد الرئيس أنه انجاز كبير للسياسة الخارجية في المنطقة. وهو اتفاق فيينا القاضي بتجميد المشروع النووي الايراني. يبدو أنه من اجل تحقيق هذا الهدف فان كل الوسائل مسموحة، من دمج ايران كشريك فعلي في العراق وسورية وحتى تسويق الاتفاق بشكل مبالغ فيه. أخرج الأميركيون بعض التحليلات الاستخبارية الاسرائيلية عن سياقها، والتي تعتبر الاتفاق النووي مع ايران أقل سوءا. صحيح أن رجال الجيش والاستخبارات في اسرائيل ليسوا متشائمين بشكل مطلق مثل نتنياهو حول الاتفاق، لكن محاولة الادارة الأميركية تصويرهم كمن يتجاهل انجاز اوباما، بعيدة عن الحقيقة ايضا.

باراك والقنبلة: الجولة- 2
مرت أشهر منذ القنبلة التي القاها ايهود باراك حين اتهم نتنياهو في خطاب علني بالتسبب بضرر حقيقي لامن الدولة على خلفية علاقاته المتوترة مع الرئيس اوباما. قريبا من المرحلة النهائية للمفاوضات حول اتفاق المساعدات الأميركية، زعم باراك أن نتنياهو تسبب في "تعريض اسرائيل لتحد أمني مركزي مقلق". استفزت تلميحات باراك هذه وسائل الاعلام واعضاء كنيست من لجنة الخارجية والامن، الذين طالبوا استيضاح نوايا رئيس الحكومة السابق. ونشرت في الصحف تفسيرات مفترضة، وفيها التقارب بين اسرائيل وروسيا والتسلح ببطاريات القبة الحديدية. ولم تنجح محاولات استدعائه للجنة الثانوية في الكنيست ولم يسارع باراك الى تفسير اقواله. بعد مرور شهر، في جولة مقابلات جديدة مع توقيع الاتفاق، ارسل تلميحا آخر. قال باراك إن اوباما كان مستعدا لاعطاء اسرائيل مساعدة سنوية تبلغ 4.5 مليار دولار وليس 3.8 مليار، كما تم الاتفاق في النهاية، وأن يحدد معها بأي شروط يتم اعادة استخدام العقوبات ضد ايران، "اعطاء اسرائيل الادوات التي تُمكنها من العمل التقني المستقل في حال اتفقت الحكومتان على أن ايران تجاوزت الاتفاق النووي". كل ذلك ذهب هباء، قال باراك، بسبب تصميم نتنياهو على الاستمرار في محاربة الاتفاق النووي مع ايران في الاشهر التي اعقبت توقيعه في تموز 2015.
موقف باراك والاشارات التي اطلقها تتلاقى مع الكتاب الاخير لدنيس روس، احد الشخصيات السياسية الأميركية سابقا، والذي نشر في تشرين الاول العام الماضي. "الدليل على أن اسرائيل كان يمكنها الحصول على ما يزيد قوة الردع لديها هو اتصال الرئيس اوباما معي في آب 2015 وقوله بأنه سيفحص امكانية اعطاء اسرائيل كاسحة الانفاق"، كتب روس. وهي الاثقل حيث تزن 14 طنا، وسلاح جو دقيق يستطيع اختراق طبقات الاسمنت المسلح في عمق الارض، التي تخبأ تحتها بعض مواقع السلاح الايراني.
واضاف روس إن القنابل التي أرادتها اسرائيل كانت جاهزة حين حاول اوباما منع نتنياهو من الذهاب الى الكونغرس. ولكن عندما استمر نتنياهو في العمل ضده في تل الكابيتول، فهم اوباما انه سيحصل على الاغلبية رغم محاولات اسرائيل، وتم الغاء الاقتراح.