حسناً فعل مجلس الوزراء؛ بقراره فتح الحوار مع الكتل البرلمانية حول نيته تبني نظام القائمة المفتوحة والصوت المتحوِّل، في قانون الانتخابات المحلية. لكن الحوار المنشود بمعناه الديمقراطي الحقيقي، يجب أن لا يقتصر على مشاركة الكتل البرلمانية في رام الله، بل أن يشتمل على مشاركة القوى السياسية والاجتماعية ذات الصفة التمثيلية على الأقل، فالحكومة تحمل اسم وعنوان حكومة التوافق الوطني، حتى الآن.
أصحاب المصالح في صدور قانون الانتخابات كُثُر، جميع ألوان الطيف السياسي والاجتماعي، القوى والأحزاب السياسية بما فيها حركتا الجهاد وحماس، دون وجودهما تكريس للانقسام والاستبعاد، المراكز الحقوقية، مؤسسات المجتمع المدني، الحركة النسائية، قطاع الشباب. هكذا تُراعى وتُصان حقوق الجميع ضمان حضور رؤية مصالح قطاعاتهم، بحدود موازين القوى. دون ذلك سيجحف القانون ويقصي القوى الغائبة، بقاء المطالب حاضرة، عدم توقف عمليات المطالبة بتغيير القانون، زيادة حالة الاحتقان القائمة.
المقترح الجديد، يعطي المواطن صوتين؛ أحدهما للقائمة كاملة والآخر لأحد مرشحي القائمة، ربما يتم رفعه قليلاً حسب المخرجات الأولية للحوار. في كل الأحوال، سواء تبنى النظام منح المواطن أكثر من صوت فرديّ، صوتين أو ثلاثة، أو مكَّنَهُ من التصويت لنصف عدد أفراد القائمة الانتخابية، سيحمل النظام الجديد مشاكله معه.
آخذة بعين الاعتبار أن القائمة المفتوحة تحل مشكلة الترتيب والتراتبية، كعقبة رئيسية واجهت الجميع في تشكيل قوائمهم، إلّا أن نظام القائمة المفتوحة وإن أخرجنا من عقدة الترتيب، فإنه يدخلنا في عقد أخرى، عدم الائتمان، تفكيك جسور الثقة، قائمة من حيث الشكل في إطارها مرشحون يخوضون الانتخابات فرادى، موضوعياً.
القائمة المفتوحة ترهن النجاح لحجم الأصوات الفردية، تحسم النتيجة، ما يؤدي إلى توجه المرشحين إلى مطالبة مؤيديهم وجمهورهم حجب التصويت عن باقي أفراد قائمتهم، وخصهم وحدهم بالصوت، أي سيضرب مفهوم ومحتوى التحالف والقائمة في قلبها. من جانب آخر، فإن التصويت الفردي للمرشح، سيرفع من القيمة النوعية للصوت، ارتفاع سعر الصوت يرفع منسوب المصالح الشخصية والنفعية، بين الناخب والمرشح، استخدام المال السياسي في الانتخابات.
كذلك ومن الزاوية النسوية، القائمة المفتوحة تظلم المرأة، تحجب عنها الأصوات كونها الطرف الأكثر هشاشة بسبب ثقافة المواطن وسهولة الاستغناء عنها في الحقل السياسي، احتدام التنافس في الحصول على الصوت الفردي يستبعد النساء تلقائيا، في الحسابات التقليدية، إعادتها إلى نهاية قائمة الاعتبارات الانتخابية.
اجتهاد الحكومة وبحثها عن تطوير القانون مهم، لكن جهدها الأهم حالياً، تحديد موعد جديد للانتخابات المحلية بموجب صلاحياتها، نظرا لقرار التأجيل أربعة أشهر، بما يعني أن العمليات الاجرائية من قبل لجنة الانتخابات المركزية؛ ينبغي أن تنتهي في الثامن من تشرين الثاني.
اقتراح الحكومة تعديل النظام الانتخابي مُهم، لكن السؤال المطروح هل يكفي الوقت المحدد لاجراء الانتخابات، نظام جديد ومعقد، إقرار نظام غير مجرَّب لا تستخدمه سوى دولتين في العالم!؟ الأردن تقف حاليا أمام الدروس والعبر جرّاء استخدامه، ألا يستدعي استخدام القائمة المفتوحة إجراء عملية توعوية وتثقيفية لضمان استيعابه؟..أم أننا اعتدنا على تحويل المجتمع الفلسطيني إلى حقل تجارب!؟
ما ينبغي التركيز عليه حالياً، اجراء الانتخابات المحلية في موعدها المنتظر على ذات النظام؛ التمثيل النسبي، عدم سلق الأمور بإقرار نظام انتخابي جديد في ظل حالة فلسطينية محتقنة، تترنح تحت وطأة الانقسام من جهة؛ وبسبب فوضى البيت الداخلي من جهة أخرى.
ما ينبغي عمله على صعيد التحضير للانتخابات المحلية، الذهاب نحو الوحدة الوطنية مباشرة، بنقاش عناوينها المباشرة، وقف المراهنة على أن الانتخابات مدخل لاستعادة الوحدة الوطنية، لأنها فرضية أثبت الواقع فشلها. كما أثبت الواقع أن اجراءها في الضفة أو في غزة، لن يزيد الطين بلّة ولن يسهم في تكريس الانقسام، لأن الانقسام عميق جداً، ومن يريد وقفه والانتهاء منه، عليه الذهاب إلى الوحدة الوطنية وعدم انتظار الوحدة أن تأتي إليه..
ما ينبغي عمله اليوم، عدم تأجيل عمل اليوم إلى الغد. التوجه إلى إصلاح القوائم الانتخابية التي ظهرت عوراتها بعد إعلانها، القوائم العائلية والعشائرية، عدم الالتزام بتخصيص 30% للنساء، حسب قرار المجلس المركزي ووثيقة الشرف كمرحلة انتقالية قبل الوصول للمناصفة، إصدار مرسوم رئاسي تخصيص ثلث المقاعد الانتخابية للمرأة.
آخر الكلام، لماذا تتحوَّل الانتخابات في الحالة الفلسطينية إلى عنوان أزمة، ساحة حرب وصراع، بينما من المفترض أن تكون عنواناً واضحا للحلّ: لقد أثبتت الانتخابات المغدورة أنها لا يتم تحميلها أكثر مما تحتمل، اجراؤها ليس مدخلا لاستعادة الوحدة الوطنية، فرضية مُسقطة فشلت على الأرض. وفي الوجه الآخر للعملة، إجراء الانتخابات في الضفة بمعزل عن القطاع؛ لا يعمق الانقسام ولن يزيد طينته بلّة، لأن الانقسام عميق جداً؛ متشعب العناوين، أكثر تعقيداً من قدرة الانتخابات على فتح صفحة جديدة بلا انقسام.