تأجيل نهاية العالم..!

thumbgen (9)
حجم الخط
 

قرب منتصف الشهر، نشرت صحيفة "الواشنطن بوست" تقريراً تحت عنوان طريف: "يوم القيامة تأجل الآن: داعش يفر من القرية التي تنبأ بأنها ستشهد معركة نهاية العالم". وحسب الرواية التي يروجها "داعش"، فإن قرية دابق السورية الصغيرة ستشهد المعركة النهائية والفاصلة بين جيوش الإسلام وجيوش الكفار، والتي تؤذن بقدوم نهاية العالم. ومن المفترض أن تقع هذه المعركة في أيامنا هذه، حسب برنامج زمني وضعه مخططو تنظيم القاعدة ثم تبناه "داعش". وكتب ويليام ماكانتس لموقع "جهاديكا" المختص بتوثيق الجهاد العالمي: "كانت أخبار سقوط دابق ستمر دون أن يلحظها أحد –حيث استغرقت المعركة النهائية بضع ساعات فقط وبخسائر قليلة- لولا حقيقة أن داعش أمضى السنتين الأخيرتين وهو يزعم أن البلدة ستشهد مواجهة نهاية العالم مع الكفار".
لا أعرف إذا كان أتباع "داعش" ومناصروه يشترون حقاً قصة هزيمة الغرب (وربما بقية الكفار –غير المسلمين- من كل العالم) في القرية الصغيرة في هذه الأيام والظروف، لكن هرب مقاتلي التنظيم من دابق أمام ميليشيات صغيرة تدعمها تركيا ينبغي أن يعيد البعض إلى جادة الصواب -إذا تبقى من الصواب شيء. ربما تحتاج هذه المنطقة فعلاً إلى التخلص من هيمنة الغرب وغيره، وإنما ستفعل فقط حين تكون نداً للآخرين فيما يتفوقون فيه: العلم والاقتصاد وحرية العقل والتفوق العسكري وكل شيء دنيوي آخر.
على العموم، ثمة الكثير مما تمكن قراءته في فكرة "تأجيل يوم القيامة"، والذي لا يقف عند خسارة "داعش" ميدان معركته النهائية وتحطم نبوءته الأسطورية في ساعات. ففكرة نهاية العالم معشعشة في عقل أهل هذه المنطقة. وقد نقل الكاتب التركي مصطفى أكيول، عن استطلاع أجراه مركز "بيو" للأبحاث في العام 2012، أن "نصف المسلمين في أكثر من تسع دول ذات أغلبية مسلمة يعتقدون بأن قدوم المهدي "وشيك". وقدوم المهدي (بأي من النسخ والتعريفات) هو من علامات الساعة. ومن الممكن تصور حال أمة يعتقد أكثر من نصفها أن العالم سينتهي "خلال حياتهم" حسب استطلاع "بيو".
يعني اعتناق هذا السرد أن الأمة ليس لديها ما تفعله الآن سوى ما يفعل المحكوم بالإعدام في الأفلام العربية: يلبس الأحمر ويقضي الليل والنهار بلا أي عمل آخر سوى أن يجلس ويعكف على الاستغفار والندم. ويعني هذا أن تصبح الأمة ما يسميه الإنجليز "البطة الجالسة"، أي الجاهزة لاستقبال طلقة الصياد بسهولة بالغة. وربما لا يفعل "داعش" هذا بالضبط، لكنه يحاول المساعدة في تقريب "يوم القيامة" بأن يذبح أكبر عدد ممكن من المسلمين وغير المسلمين تمهيداً للانتصار على الغرب في دابق!
كما أشار مصطفى أكيول في مقال يستحق التأمل، فإن سرد "نهاية العالم" يقوم بتحميل مأزق العالم الإسلامي على كاهل "المسيح الدجال الذي يلام على الوضع القاتم الكئيب الذي يعيشه العالم الإسلامي". ويريد مروجو هذا السرد ادعاء أن "أولئك المنقذين المتمتعين بتوجيه إلهي فقط هم الذين بيدهم طريق الخروج من المأزق". وإذا أردنا تلخيص الفكرة في كلمتين، فستكونان "الإسلام السياسي"، بمعنى تبرير أصحاب سرد نهاية العالم ضرورة وصولهم إلى السلطة، باعتباره السبيل الوحيد لإيصال الناس إلى الآخرة بسلام.
ربما يكون من المعقول الاستفادة من "تأجيل يوم القيامة" بعد فرار "داعش" من دابق، بأن يقوم الناس جميعاً هنا بتأجيل هوسهم بنهاية العالم وبأن يدعوا الخلق للخالق تعالى. أما أسباب بؤس هذه المنطقة وهوانها أمام الآخرين، أفراداً وجماعات، فهو أن الآخرين يتفوقون علينا في التنمية والعلم والعقل الابتكاري والعيش في العالم، دون أن يلغي هذا بالضرورة أشواق الفرد الروحية التي لا ينبغي أن تتعارض مع عمله اليومي الدنيوي.
إن ما تحتاجه هذه المنطقة هو الفهم المنطقي لمعنى الحياة وكيف يعمل العالم، والاعتقاد بجدوى العمل اليومي، كوسيلة للانتصار الشخصي والجمعي. وإذا كان مقدراً للعالم أن ينتهي، فليس الناس مطالبين بتسريع هذه النهاية كما يفعل "داعش"، أو انتظارها بهوس الموت والبدلة الحمراء، كما يفعل المحكومون بالإعدام، على طريقة أكثر من نصفنا الباقين.

عن الغد الاردنية