فلسطين.. والسياسة المصرية «الجديدة» !!

هاني حبيب
حجم الخط

لعل أي قراءة للوضع العربي الراهن، تشير بسهولة إلى مأزق النظام العربي الرسمي، الموروث أصلاً من عهود سابقة وتعزز إثر ما بات يسمى بـ"الربيع العربي" انهيارات وانكسارات وتقاتل وانعدام التأثير على مجريات الأمور في منطقة باتت ميداناً لحسابات الآخرين وخرائطهم السياسية، ولم يعد هناك أي مكان لمعرفة المستقبل القريب، الغد غامض تماماً، سقطت التكتيكات والاستراتيجيات سقوطاً مدوّياً.
في عهد مضى، كان النظام العربي يرتكز في سياساته العلنية على القضية الفلسطينية التي حدّدت تحركاته وجهوده، بصرف النظر عن النوايا ومفهوم "المؤامرة"، في ظل المأزق العربي الجديد، ومنذ وقت ليس ببعيد، لم تعد القضية الفلسطينية تحظى باهتمام أحد من أنظمة العرب، وأكثر من ذلك، لم تعد هذه القضية تشغل اهتمامات المواطن العربي الذي كان في عهد مضى، يعتبر القضية الفلسطينية قضيته الأولى والأخيرة على صعيد السياسات، وباختصار، لم تعد هناك "ورقة فلسطينية" تحاول الأنظمة أن تضمها إلى أجندتها في صراعها مع الأجندات الأخرى، العربية والإقليمية، وإذا ما تجاوزنا بعض المحاولات من قبل بعض الأنظمة العربية للإمساك بورقة المصالحة الفلسطينية، فإن جوهر القضية الفلسطينية المتصارعة مع الاحتلال الإسرائيلي في ظل حروب الدولة العبرية على الفلسطينيين من ناحية، واستمرار عملية الاستيطان من ناحية أخرى. لم تحظ بأي جهد عربي واضح على الإطلاق، واعتمد النظام العربي في هذا السياق على شعار مخادع: ليتخذ الفلسطينيون موقفاً ونحن معهم، إلاّ أن هذا المفهوم، على ما يتضمنه من تهرب من المسؤولية القومية، لم يوضع موضع التنفيذ الفعلي بشكل عام.
في ظل هذا المأزق العربي الشامل، هناك محاولات، ربما تكتسي بالجدية، للخروج منه بأقل الأضرار، وفي هذا السياق، فإن متابعة السياسة المصرية، قد تشكل مدخلاً للقول إن هناك سياسة مصرية جديدة، لا تتوقف عند فلسطين فحسب، بل تتجاوزها إلى الاطار العربي والإقليمي والدولي، العلاقات المصرية الروسية التي تعززت مؤخراً من خلال المناورات المشتركة، الموقف المصري المتميز من المسألة السورية: الحفاظ على الدولة، وحدة الدولة السورية، حماية الجيش السوري، إشارة واضحة إلى أن القاهرة تحاول أن تتمسك بثوابت من شأنها أن تشمل التوترات مع أطراف عربية تقف على النقيض من هذه الثوابت.
ولا بدّ هنا من التوقف أمام حدث ربما يعتبر عادياً، زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى لبنان قبل حوالي شهر، وتبين أن هذه الزيارة تقوم على إيجاد مناخ لإنهاء أزمة انتخاب الرئيس بعد أن استمر هذا الموقع خالياً لأكثر من عامين ونصف، لقاء شكري مع ميشيل عون، كان البداية لحراك سياسي طائفي مذهبي في لبنان، لحل الخلافات الحادة لصالح وصول عون إلى الرئاسة، هذا التدخل المصري المحمود، أنقذ لبنان من أزمته الدستورية الطويلة، وبتوافق كافة الأطراف الفاعلة، ما يشير إلى أن هناك سياسة مصرية آخذة بالتبلور من شأنها أن تعيد مصر إلى دورها القيادي والريادي في المنظومة العربية في ظل استمرار الصراعات والتوترات مع أطراف عديدة بالغة القوة المالية المؤثرة والتي تستثمر قوتها لزعزعة ما تبقى من تماسك عربي هش.
في ظل هذه السياسة المصرية الجديدة الشاملة، لا بدّ من ملاحظة الجديد في هذه السياسة في الاطار الفلسطيني، فقد حاولت القاهرة السعي لتوجه عربي يرسم سياسة جديدة إزاء الحراك لبلورة موقف وسياسة عربية ـ فلسطينية، فكانت "الرباعية العربية" المشكلة من مصر والسعودية والإمارات والأردن، هذا التشكيل له دلالاته، إذ أنه يتجاوز الخلافات الحادة فيما بينها في أحيان كثيرة إزاء ملفات مختلفة، كالملف السوري مثلاً، إلاّ أن هذا التشكيل توافق على إعادة الاعتبار لسياسة عربية إزاء القضية الفلسطينية متخذاً من إعادة الوحدة إلى حركة فتح، ومعالجة الانقسام وإعادة الوحدة إلى الجسم الفلسطيني مدخلاً لهذه السياسة، إلاّ أن تعقيد الوضع الفلسطيني الداخلي، خاصة على صعيد الملف الداخلي لحركة فتح، لم يمكن الرباعية من المضي قدماً على هذا الصعيد.
أثناء الحوارات والنقاشات التي جرت في مؤتمر "العين السخنة" كما بات شائعاً، نلمس ان هناك سياسة مصرية، تتمحور حول استمرار المشاورات مع الشرعية الفلسطينية برئاسة الرئيس أبو مازن، واستعادة البعد العربي للقضية الفلسطينية وعدم تهميشها على ضوء المتغيرات الجوهرية في الإقليم، واتخاذ خطوات جادة نحو معالجة الأوضاع المعيشية الصعبة في قطاع غزة، بدءاً من أزمة معبر رفح.
العلاقات المصرية ـ الفلسطينية لا تتوقف عند البعد التاريخي المتأصل لهذه العلاقة المتميزة، الأمر لا يتعلق فقط بالعلاقات الاجتماعية والمصاهرة، ولا حتى بالبعد المتعلق بالأمن القومي فحسب، ومما سمعناه، أنه في ظل هذه السياسة الجديدة، فإن القضية الفلسطينية مسألة داخلية ومحلية مصرية.
إن أي سياسة محكومة بالفشل إذا لم تأخذ بالاعتبار طبيعة تعقيدات الحالة الفلسطينية، ونحن كفلسطينيين، يجب أن نستثمر أي جهد بنّاء إذا كان هذا الجهد منصبّاً على دعمنا للتمسك بثوابتنا الوطنية!!